وهو صاحب كتابي الاستبصار وتهذيب الأحكام وهما اثنان من كتب أربعة عليها مدار المذهب، وكذلك هو صاحب كتابين من كتب أربعة عليها مدار المذهب في الرجال جاء في التعريف به في بداية كتاب النهاية: إمام الفرقة بعد الأئمة المعصومين، وعماد الشيعة في كل ما يتعلق بالمذهب والدين شيخ الطائفة على الإطلاق.

يقول الطوسي: أما في حال الغيبة فقد رخصوا لشيعتهم التصرف في حقوقهم من المناكح والمتاجر والمساكن، فأما ما عدا ذلك فلا يجوز لهم التصرف فيه على حال، وما يستحقونه من الأخماس في الكنوز وغيرها فقد اختلف قول أصحابنا فيه، وليس فيه نص معين.

 إلا أن كل واحد منهم قال قولاً يقتضيه الاحتياط:

     فقال بعضهم: إنه جار في حال الاستتار مجرى ما أبيح لنا من المناكح والمتاجر.

     وقال قوم: إنه يجب حفظه مادام الإنسان حياً فإذا حضرته الوفاة وصى به إلى من يثق به من إخوانه المؤمنين ليسلمه إلى صاحب الأمر إذا ظهر، أو يوصي به حسب ما وصى به إلى أن يصل إلى صاحب الأمر.

     وقال قوم: يجب دفنه لأن الأرضين تخرج كنوزها عند قيام القائم.

     وقال قوم: يجب أن يقسم الخمس ستة أقسام، فثلاثة أقسام للإمام يدفن أو يودع عند من يثق به، والثلاثة الأقسام الأخر يفرق على مستحقيه من أيتام آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومساكينهم وأبناء سبيلهم.

وهذا مما ينبغي أن يكون العمل عليه، لأن هذه الثلاثة الأقسام مستحقها ظاهر، وإن كان المتولي لقبضها وتفريقها ليس بظاهر، كما أن مستحق الزكاة ظاهر، وإن كان المتولي لقبضها وتفريقها ليس بظاهر، ولا أحد يقول في الزكاة:

 إنه لا يجوز تسليمها إلى مستحقيها، ولو أن إنساناً استعمل الاحتياط وعمل على أحد الأقوال المقدم ذكرها من الدفن أو الوصاة لم يكن مأثوماً.

النهاية في مجرد الفقه والفتاوى، (ص:200-201)

ملاحظات مهمة:

يلاحظ على هذه الفتوى/ أن الشيخ الطوسي -كشيخه المفيد - لم يذكر الفقهاء قط، لا في قبض الخمس، ولا تفريقه ولا عند الوصية إلى موثوق، ولا عند الدفن، بل صرح أن المتولي لتفريق الخمس ليس بظاهر -أي: غائب-، ولو كان يرى أن الفقهاء يتولون ذلك لما قال: إن المتولي لقبضها وتفريقها ليس بظاهر.

بل ذكر صراحة -عند ذكر الوصية- أن الذي يوصى إليه بالخمس هو من يثق به صاحب الخمس من إخوانه المؤمنين ولم يقل من الفقهاء!

ويلاحظ أيضاً:

أن الشيخين الطوسي والمفيد لم يذكرا من بين جميع الأقوال التي ذكراها قولاً واحداً يشير إلى دفع الخمس إلى الفقيه أو السيد! وهذا يعني إجماع فقهاء المذهب الأقدمين على إغفال ذكرهما وإنهما لم يكونا واردين في حساب أولئك الفقهاء.

وكذلك يلاحظ أن جميع الأقوال لا تستند إلى أي نص عن الأئمة سوى القول الأول القاضي بإباحة الخمس وسقوط فرضيته..

ملاحظات أخرى:

وإذا رحنا نناقش الفتوى نقاشاً منطقياً عقلياً واقعياً، فإنا نجد أموراً خارجة عن كل ذلك مثل:

   أن يدفن إنسان عاقل خمس أمواله ومكاسبه وأرباحه طيلة حياته! أي: إن خمس أموال الأمة يذهب طعاماً للديدان والتراب! وهو أمر يتنافى مع المعقول، ولاشك في أن فاعله سفيه، يجب في حقه الحجر.

   أو أن يوصي به إلى ثقة وهو أمر خيالي غير واقعي، لا يمكن وجوده أو تحققه إلا تصوراً في الأذهان. وإلا فكيف يمكن أن يوصي بخمس أموال الأمة لتحفظ إلى قيام المهدي ؟!.

إن هذا يعني أن تعاقب بضعة أجيال يولّد فائضاً من المال يساوي أموال الأمة جميعاً في جيل واحد. وهذا الفائض المتراكم يجب أن يحفظ! فأين؟ وعند من؟ وفي أي مصرف؟!

فكيف وقد مضى على غيبة المهدي ألف ومئة عام وأكثر، أي: ما يساوي أربعين جيلاً!! فإذا بقي غائباً عشرة آلاف سنة أو عشرين أو إلى يوم الدين؟!

فهل الفقهاء الذين أفتوا بذلك كانوا يعنون ما يقولون أو يتخيلونه مجرد تخيل؟!

ولذلك قال الشيخ حسن الفريد في عصرنا الحالي (ت 1417هـ) ناقداً هذه الأقوال ومتأسفاً -كما يعبر أحمد الكاتب -: اختلف الأصحاب فيما يجب أو يجوز أن يصنع بسهم الإمام في عصر الغيبة على أقوال ليتهم لم يقولوا بها ولم ينحطوا بذلك عن شامخ مقامهم، وليت المتأخرين لم ينقلوا هذه الأقوال في مؤلفاتهم، ولعمري إني أجل فقه الشيعة عن نقل مثل القول بالدفن والوصية فيه.

رسالة في الخمس (ص:83-86)

 ونفى الشيخ محمد النجفي (ت 1266هـ) وجود أي دليل على القول بالعزل والحفظ والوصية بالخمس إلى أن يظهر الإمام المهدي سوى ما أشار إليه المفيد: من كون الخمس حقاً لغائب لم يأمرنا ما نصنع فيه فيجب حفظه له كما في سائر الأمانات الشرعية.

جواهر الكلام (ص:165)

فلم يبق -مما يقبله العقل- إلا القول الأول الذي ينص على الإباحة والسقوط، وهو الذي نطقت به الأخبار الواردة عن الأئمة، بإقرار الفقهاء أنفسهم وعمل بعضهم على أساسه.

وأنا لا أدري على أي فتوى كانت جماهير الشيعة تعمل طيلة القرون التي سبقت الفتوى بوجوب دفع (الخمس) إلى الفقيه!! لابد أن بعضهم عمل بالفتوى القائلة بالوصية، فهل وجد المتأخرون أموالاً متكدسة تراكمت بفعل تحولها من يد (ثقة مأمون) إلى (ثقة مأمون) جيلاً بعد جيل؟ وإن لم يجد أحد شيئاً من ذلك فأين كان مصير تلك الأموال التي أوصى بها أصحابها؟!

وحتى تتكون صورة واضحة المعالم يظهر فيها الفرق الشاسع بين أقوال الفقهاء المتقدمين والمتأخرين -ليعلم القارئ علماً يقينياً أن المسألة برمتها رأي واجتهاد اضطربت فيه الأقوال واحتارت به العقول وزلت في مخاضته الأقدام دون استناد إلى دليل- أنقل فتوى زعيم الحوزة النجفية السيد أبي القاسم الخوئي مقتصراً عليها من بين فتاوى المتأخرين طلباً للاختصار.