تُعَدّ التقية من أبرز المسائل العقدية التي تناولها فقهاء الإمامية الإثني عشرية، حيث أولوها اهتماماً بالغاً حتى جعلوها أصلاً من أصول الدين، بل اعتبروها عبادة يتقرب بها العبد إلى الله. وقد وردت في كتبهم المعتمدة روايات عديدة تؤكد على مكانة التقية وأهميتها، إلا أن النظر في أسانيد تلك الروايات يكشف عن إشكالات متعددة في الرجال والرواية، مما يدفع إلى إعادة فحصها على ضوء قواعد علم الحديث. وفي هذا المقال نسلط الضوء على بعض الروايات الواردة في كتاب الكافي للكليني، مع بيان أسانيدها وما قيل في رواتها من توثيق أو تضعيف، لنقف على حقيقة هذه النصوص ومدى صلاحيتها للاحتجاج.
الرواية الثالثة: الكليني:
محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن خالد والحسين بن سعيد جميعاً، عن النضر بن سويد، عن يحيى بن عمران الحلبي، عن حسين بن أبي العلاء، عن حبيب بن بشر قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: «سمعت أبي يقول: لا - والله - ما على وجه الأرض شيء أحب إلي من التقية، يا حبيب إنه من كانت له تقية رفعه الله، يا حبيب! من لم تكن له تقية وضعه الله» [1].
قال الخوئي: روى الكليني عن الحسين بن محمد عن الخيراني عن أبيه رواية تدل على ذم أحمد بن محمد بن عيسى، وأنه كان شديد التعصب في العروبة، ولكن ردها بجهالة الخيراني وأبيه[2].
ومحمد بن خالد البرقي مختلف فيه [3]، وكذا حال ابن أبي العلاء [4]، وحبيب بن بشر مجهول الحال[5].
مقالات السقيفة ذات صلة:
الجبن والأرز في روايات أهل البيت غذاء الأنبياء والأئمة: أحاديث في فضل الملح والبطيخ والأرز تحريف الشيعة آية ﴿نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ﴾ لتبرير وجود إمام |
الرواية الرابعة: الكليني:
علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد، عن حريز، عمن أخبره، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ﴾ [فصلت:34]، قال: «الحسنة: التقية، والسيئة: الإذاعة، وقوله عز وجل: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [فصلت:34]، قال: التي هي أحسن التقية» [6].
مر الكلام في القمي صاحب التفسير وأبيه، وحماد هو ابن عيسى الجهني، وثقه القوم، إلا أنه ورد فية ذم لمخالفته أمر الإمام الجواد، ولكن الخوئي رد رواية ذمه هذه، ولا بد؛ فالرجل وقع في إسناد أكثر من ألف وست وثلاثين رواية[7].
وحريز بن عبد الله السجستاني ذكره ابن داود في القسم الثاني من رجاله الذي جعله للمجروحين والمجهولين، حيث لم تثبت وثاقته عنده، وذكره بلفظ: قيل: ثقه[8]، وردت فيه رواية صححها الخوئي تدل على جفاء الصادق له وحجبه عنه[9]، ثم إن السند فيه مبهم وهو عمن أخبره عن الصادق رحمه الله.
الرواية الخامسة: الكليني:
محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن هشام الكندي قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: «ما عبد الله بشيء أحب إليه من الخبء. قلت: وما الخبء؟ قال: التقية» [10].
مر بعض رجال السند، والكندي مجهول الحال[11].
[1] الكافي للكليني (2/217) المحاسن للبرقي (256) بحار الأنوار للمجلسي (75/398، 426) وسائل الشيعة (الإسلامية) للحر العاملي (16/205).
[2] الكافي للكليني (1/324) معجم الخوئي (2/299).
[3] معجم الخوئي (16/64) النجاشي (2/220)، تنقيح المقال للمامقاني (3/112)، مجمع الرجال (5/205) جامع الرواة (2/110).
[4] معجم الخوئي (5/182) رجال أبي داود (79).
[5] معجم الخوئي (4/220).
[6] الكافي للكليني (2/218) بحار الأنوار للمجلسي (75/428) وسائل الشيعة (الإسلامية) للحر العاملي (16/206).
[7] معجم الخوئي (6/224).
[8] رجال بن داود الحلي (237).
[9] رجال الكشي، ترجمة (166)، رجال النجاشي (1/341)، معجم الخوئي (4/242، 249).
[10] الكافي للكليني (2/219) بحار الأنوار للمجلسي (75/431) وسائل الشيعة (الإسلامية) للحر العاملي (16/207، 219).
[11] معجم الخوئي (19/311).