تُعَدّ المعاملات المالية من أدقّ أبواب الفقه الإسلامي وأكثرها تأثيرًا على حياة الناس اليومية، وقد أولى الفقهاء عناية بالغة لمسائل البيع والشراء، خاصةً حين ترتبط بمحرمات شرعًا كالخمر والخنزير. غير أن كتب التراث الإمامي، مثل الكافي للكليني والتهذيب للطوسي والحدائق الناضرة للبحراني، تضم روايات تُثير التساؤل، إذ تُجيز بيع الثمر والعصير لمن يعلم البائع أنه سيحوِّله إلى خمر، بل وتجيز أيضًا تأجير الدواب والسفن لحمل الخمر والخنازير، وهو ما يتعارض مع النصوص القرآنية الصريحة التي تُحرِّم التعاون على الإثم والعدوان. في هذا المقال نسلط الضوء على أبرز هذه الروايات، ونستعرض مضامينها، لنكشف الإشكال العقدي والفقهي الذي تثيره.
قال الكليني:
"عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ وأَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ (عليه السلام) عَنْ بَيْعِ الْعَصِيرِ فَيَصِيرُ خَمْراً قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ الثَّمَنُ قَالَ فَقَالَ لَوْ بَاعَ ثَمَرَتَهُ مِمَّنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَجْعَلُهُ حَرَاماً لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ بَأْسٌ فَأَمَّا إِذَا كَانَ عَصِيراً فَلَا يُبَاعُ إِلَّا بِالنَّقْدِ " اهـ
الكافي – الكليني - ج 5 ص 230، وقال المجلسي عن الرواية في مرآة العقول – صحيح – ج 19 ص 272
مقالات السقيفة ذات صلة |
رواية "وإنه لذكر لك ولقومك" بين القبول والرد لا تعلّموا نساءكم سورة يوسف ولا تقرئوهنّ إياها شبهات حديث: "صورة وجه الإنسان على صورة وجه الرحمن" |
وفي الكافي:
" 6 - عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ أُذَيْنَةَ قَالَ كَتَبْتُ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) أَسْأَلُهُ عَنِ الرَّجُلِ يُؤَاجِرُ سَفِينَتَهُ ودَابَّتَهُ مِمَّنْ يَحْمِلْ فِيهَا أَوْ عَلَيْهَا الْخَمْرَ والْخَنَازِيرَ قَالَ لَا بَأْسَ " اهـ
الكافي – الكليني - ج 5 ص 227، وقال المجلسي عن الرواية في مرآة العقول – صحيح – ج 19 ص 267
قال الطوسي:
"(603) 74- عنه، عن فضالة، عن رفاعة بن موسى قال: سُئل أبو عبد الله عليه السلام وأنا حاضر عن بيع العصير ممن يخمِّره فقال: حلال. ألسنا نبيع تمرنا لمن يجعله شرابًا خبيثًا".
تهذيب الأحكام - الطوسي - ج 7 ص 136
وقال البحراني:
"وما رواه في التهذيب عن رفاعة بن موسى في الصحيح، قال: سئل الصادق عليه السلام – وأنا حاضر – عن بيع العصير ممن يُخمِّره، قال: حلال. ألسنا نبيع تمرنا ممن يجعله شرابًا خبيثًا!؟ وعن الحلبي في الصحيح عن الصادق عليه السلام: إنه سُئل عن بيع العصير ممن يصنعه خمرا، فقال: بعه ممن يطبخه أو يصنعه خلًّا أحبّ إلي، ولا أرى بالأول بأسًا."
الحدائق الناضرة – يوسف البحراني - ج 18 ص 203 – 204
الخلاصة
الروايات الإمامية في الكافي والتهذيب والحدائق تفتح بابًا من الجدل الفقهي الخطير، إذ تُجيز بيع الثمر والعصير لمن يُحوِّله إلى خمر، بل وتجيز تأجير وسائل النقل لنقل الخمر والخنازير. وهذه المضامين تتناقض مع القرآن الكريم والسنة النبوية، مما يجعلها من النصوص المثيرة للإشكال والنقد، ويدفع إلى إعادة النظر في معايير التلقي والاحتجاج بها.