يُعَدّ موضوع الإمامة عند الشيعة الإمامية من أعقد المسائل العقدية وأكثرها إثارةً للجدل عبر التاريخ، حيث نُسِجَت حوله روايات كثيرة، بعضها متعارض في ظاهرها، مما يثير تساؤلات عميقة حول مدى دقتها وصحتها. ومن أبرز هذه التساؤلات: هل يمكن أن يَغفَل إمامٌ معصوم ـ كما يعتقدون ـ عن الإشارة إلى إمامٍ لاحق بعده؟ أم أن هذه التناقضات ناتجة عن اختلاف المرويات وتضارب الأسانيد؟ هذا المقال يتناول بالنقد والتحليل روايتين وردتا في كتاب الكافي للكليني، إحداهما تُظهِر الإمام الحسن عليه السلام وكأنه حصر الإمامة فيه وفي أخيه الحسين دون ذكر علي بن الحسين زين العابدين، بينما الأخرى تُثبت تسلسل الوصية من أمير المؤمنين علي إلى الحسن ثم الحسين ثم زين العابدين ومن بعده محمد الباقر عليهم السلام.
قال الكليني:
" 5 - أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ومُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ رِجَالِهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ إِنَّ الْحَسَنَ (عليه السلام) قَالَ إِنَّ لِلَّهِ مَدِينَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا بِالْمَشْرِقِ والْأُخْرَى بِالْمَغْرِبِ عَلَيْهِمَا سُورٌ مِنْ حَدِيدٍ وعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفُ أَلْفِ مِصْرَاعٍ وفِيهَا سَبْعُونَ أَلْفَ أَلْفِ لُغَةٍ يَتَكَلَّمُ كُلُّ لُغَةٍ بِخِلَافِ لُغَةِ صَاحِبِهَا وأَنَا أَعْرِفُ جَمِيعَ اللُّغَاتِ ومَا فِيهِمَا ومَا بَيْنَهُمَا ومَا عَلَيْهِمَا حُجَّةٌ غَيْرِي وغَيْرُ الْحُسَيْنِ أَخِي " اهـ
الكافي - الكليني - ج 1 ص 462، وقال المجلسي عن الرواية في مرآة العقول - صحيح - ج 5 ص 357
مقالات السقيفة ذات صلة |
رواية "وإنه لذكر لك ولقومك" بين القبول والرد لا تعلّموا نساءكم سورة يوسف ولا تقرئوهنّ إياها شبهات حديث: "صورة وجه الإنسان على صورة وجه الرحمن" |
جاء في الكافي:
" 1 - عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُمَرَ الْيَمَانِيِّ وعُمَرَ بْنِ أُذَيْنَةَ عَنْ أَبَانٍ عَنْ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ شَهِدْتُ وَصِيَّةَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) حِينَ أَوْصَى إِلَى ابْنِهِ الْحَسَنِ (عليه السلام) وأَشْهَدَ عَلَى وَصِيَّتِهِ الْحُسَيْنَ (عليه السلام) ومُحَمَّداً وجَمِيعَ وُلْدِهِ ورُؤَسَاءَ شِيعَتِهِ وأَهْلَ بَيْتِهِ ثُمَّ دَفَعَ إِلَيْهِ الْكِتَابَ والسِّلَاحَ وقَالَ لِابْنِهِ الْحَسَنِ (عليه السلام) يَا بُنَيَّ أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) أَنْ أُوصِيَ إِلَيْكَ وأَنْ أَدْفَعَ إِلَيْكَ كُتُبِي وسِلَاحِي كَمَا أَوْصَى إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) ودَفَعَ إِلَيَّ كُتُبَهُ وسِلَاحَهُ وأَمَرَنِي أَنْ آمُرَكَ إِذَا حَضَرَكَ الْمَوْتُ أَنْ تَدْفَعَهَا إِلَى أَخِيكَ الْحُسَيْنِ (عليه السلام) ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى ابْنِهِ الْحُسَيْنِ (عليه السلام) فَقَالَ وأَمَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) أَنْ تَدْفَعَهَا إِلَى ابْنِكَ هَذَا ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ (عليه السلام) ثُمَّ قَالَ لِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وأَمَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) أَنْ تَدْفَعَهَا إِلَى ابْنِكَ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وأَقْرِئْهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) ومِنِّي السَّلَامَ " اهـ
الكافي - الكليني - ج 1 ص 297 - 298، وقال المجلسي عن الرواية في مرآة العقول - مجلسي حسن على الظاهر - ج 3 ص 291
خلاصة:
الرواية الأولى تنص بوضوح على أن الحجة بعد الحسن هي الحسين فقط دون غيرهما، وهو ما يفيد إقصاء زين العابدين من سلسلة الإمامة في زمن الحسن. بينما الرواية الثانية ترسم خطًّا متصلاً للوصية والإمامة من أمير المؤمنين علي إلى الحسن ثم الحسين ثم زين العابدين ثم الباقر.
هذا التناقض يثير التساؤل:
هل يمكن أن يَغفَل الإمام الحسن ـ وهو معصوم بحسب العقيدة الإمامية ـ عن ذكر الإمامة لمن بعده؟
أم أن الروايات نُسبت زورًا أو شابها وضعٌ وتحريف في النقل؟