تُعدُّ مسألة "الذبيح" من أبرز القضايا التي دار حولها جدل طويل في التراث الإسلامي، إذ انقسمت الآراء بين من يرى أن الذبيح هو إسماعيل عليه السلام وهو القول المشهور عند جمهور المسلمين ومن يرى أنه إسحاق عليه السلام. أما في الموروث الشيعي فقد وردت روايات متعددة متناقضة في هذا الباب، بعضها يصرح بأن الذبيح هو إسماعيل، وبعضها الآخر يؤكد أنه إسحاق، حتى وقع الاضطراب في النقل عن الأئمة. ولذا حاول علماء الشيعة معالجة هذا التعارض بتفسيرات مختلفة، فمنهم من حمله على الجمع بين الفضيلتين، ومنهم من عزاه إلى التقية، ومنهم من اعتبر أن إطلاق وصف "الذبيح" على إسحاق كان من باب التشريف. في هذا المقال نستعرض أبرز الروايات الشيعية في المسألة، ونبين كيفية تعامل كبار علمائهم معها.

قال محمد تقي المجلسي:

روى المصنف في الموثق كالصحيح، عن الحسن بن علي بن فضال قال: سألت أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام، عن معنى قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أنا ابن الذبيحين، قال: يعني إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهما السلام وعبد الله بن عبد المطلب...." اهـ

روضة المتقين محمد تقي المجلسي - ج 12 ص 230، والخصال - الصدوق - ص 55 57

وقال القمي:

وحدثني أبي عن صفوان بن يحيى وحماد، عن عبد الله بن المغيرة، عن ابن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألناه عن صاحب الذبح، فقال: إسماعيل" اهـ

تفسير القمي - علي بن إبراهيم القمي - ج 2 - ص 226

لقد نقل الرافضة عن أهل البيت أن الذبيح هو إسماعيل عليه السلام، وكذلك نقلوا أن الذبيح هو إسحاق عليه السلام.

قال الصدوق:

 حدثنا أبو الحسن محمد بن عمرو بن علي بن عبد الله البصري بايلاق، قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أحمد بن جبلة الواعظ، قال: حدثنا أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا علي بن موسى الرضا عليه السلام، قال: حدثنا أبي موسى بن جعفر، قال: حدثنا أبي جعفر بن محمد، قال: حدثنا أبي محمد بن علي، قال: حدثنا أبي علي بن الحسين، قال: حدثنا أبي الحسين بن علي عليهم السلام قال: كان علي بن أبي طالب عليه السلام بالكوفة في الجامع، إذ قام إليه رجل من أهل الشام فقال: يا أمير المؤمنين، إني أسألك عن أشياء. فقال: سل تفقهاً ولا تسأل تعنتاً. فأحدق الناس بأبصارهم فقال: أخبرني عن أول ما خلق الله تعالى؟ فقال عليه السلام: خلق النور. قال: فمم خلقت السماوات؟ قال عليه السلام: من بخار الماء.....................................................

وسأله عن أكرم الناس نسباً فقال: صديق الله يوسف بن يعقوب إسرائيل الله بن إسحاق ذبيح الله بن إبراهيم خليل الله صلوات الله عليهم" اهـ

عيون أخبار الرضا - الصدوق - ج 2 ص 218 222، وموسوعة كلمات الإمام الحسين - لجنة الحديث في معهد باقر العلوم (ع) - ص 232 237

ولقد جاء في مقدمة موسوعة كلمات الحسين:

هذا الكتاب ليس دراسة تحليلية تأريخية، ولا هو دراسة أدبية، ولا هو متابعة تحقيقية، بل هو كتاب (جامع) لكل ما ورد عن الإمام الحسين (عليه السلام) من قول أو فعل كريم في أي مجال من مجالات الفكر والأخلاق والدين والحياة... ومن شأن هذا الكتاب الجامع أن يحتوي على الروايات والأخبار الصحيحة والضعيفة... بل حتى الروايات التي نعتقد بمخالفتها لاعتقاداتنا الحقة في الإمامة والشرائط اللازمة في شخص الإمام، أو بمخالفتها لمسلمة من المسلمات التأريخية... نعم في كل مورد من مثل هذه الموارد رأينا من اللازم أن ننبه القارئ الكريم في ذيل الخبر أو في الهامش إلى الحق والصواب في ذلك الأمر" اهـ

موسوعة كلمات الإمام الحسين - لجنة الحديث في معهد باقر العلوم - ص 11

وفي تفسير العياشي:

  عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا رفعه قال: كتب يعقوب النبي إلى يوسف: عن يعقوب بن إسحاق ذبيح الله بن إبراهيم خليل الله إلى عزيز مصر، أما بعد، فأنا أهل بيت لم يزل البلاء سريعاً إلينا" اهـ

تفسير العياشي - محمد بن مسعود العياشي - ج 2 - ص 192

وللإجابة على هذا السؤال يجيبنا الصدوق حيث يقول:

قد اختلفت الروايات في الذبيح، فمنها ما ورد بأنه إسماعيل، ومنها ما ورد بأنه إسحاق، ولا سبيل إلى رد الأخبار متى صح طرقها، وكان الذبيح إسماعيل، لكن إسحاق لما وُلد بعد ذلك تمنى أن يكون هو الذي أُمر أبوه بذبحه، فكان يصبر لأمر الله ويسلم له كصبر أخيه وتسليمه، فينال بذلك درجته في الثواب، فعلم الله عز وجل ذلك من قلبه فسماه الله عز وجل بين ملائكته ذبيحاً لتمنيه لذلك" اهـ

الخصال - الصدوق - ص 57 58

ولقد أتى البحراني بحل آخر حيث قال:

أقول: بل الوجه في اختلاف الأخبار هو التقية، فإن الذبيح عند العامة هو إسحاق كما صرحوا به، واستبعاده الحمل على التقية لا أعرف له وجها..." اهـ

الحدائق الناضرة - البحراني - ج 17 ص 382 385