من القضايا التي أثارت نقاشاً واسعاً في كتب الشيعة الإمامية مسألة نسبة بعض الأفعال إلى عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، ومنها زعمهم أنه تحرَّم بعض الطيبات التي أباحها الله تعالى. فقد وردت عندهم روايات تُشير إلى أنَّ نزول قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [المائدة: 87] كان بسبب عليّ رضي الله عنه مع بلال وعثمان بن مظعون. هذه الرواية تثير عدداً من التساؤلات الجوهرية: هل كان فعل عليٍّ رضي الله عنه صواباً أم خطأ؟ وهل وقع بذلك في المحظور حتى يُوجِّه النبي صلى الله عليه وسلم التحذير بقوله: «فمن رغب عن سنتي فليس مني»؟ أم أن القضية مفتراة من أصلها لرفع مكانة عليٍّ عند الشيعة وربط كل خطاب قرآني به؟
النص
قال الصدوق:
وما من آية أولها: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ إلا ابن أبي طالب قائدها، وأميرها، وشريفها، وأولها." اهـ
الاعتقادات في دين الإمامية – الصدوق – ص 87
مقالات السقيفة ذات صلة |
رواية "وإنه لذكر لك ولقومك" بين القبول والرد لا تعلّموا نساءكم سورة يوسف ولا تقرئوهنّ إياها شبهات حديث: "صورة وجه الإنسان على صورة وجه الرحمن" |
وجاء في تفسير المجلسي:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [المائدة: 87].
وقد ورد أن سبب نزول هذه الآية الكريمة عند الرافضة في عليّ رضي الله عنه، حيث قال المجلسي:
"وروى علي بن إبراهيم بسند صحيح في تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم) عن أبي عبد الله عليه السّلام أنّه قال: نزلت هذه الآية في أمير المؤمنين عليه السّلام، وبلال، وعثمان بن مظعون. فأمّا أمير المؤمنين عليه السّلام فحلف أن لا ينام في الليل أبداً، وأما بلال فحلف أن لا يفطر بالنهار أبداً، وأما عثمان بن مظعون فإنّه حلف أن لا ينكح أبداً.
فدخلت امرأة عثمان على عائشة وكانت امرأة جميلة، فقالت عائشة: ما لي أراك متعطّلة؟ فقالت: ولمن أتزين؟ فوالله ما قربني زوجي منذ كذا وكذا، فإنّه قد ترهَّب، ولبس المسوح وزهد في الدنيا.
فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخبرته عائشة بذلك، فخرج فنادى: الصلاة جامعة.
فاجتمع الناس، فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ما بال أقوام يحرِّمون على أنفسهم الطيبات؟ ألا إنّي أنام بالليل، وأنكح، وأفطر بالنهار، فمن رغب عن سنتي فليس مني.
فقام هؤلاء فقالوا: يا رسول الله فقد حلفنا على ذلك، فأنزل الله:
﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَـٰكِنْ يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ ....﴾ المائدة –89 ثم بيَّن كفارته." اهـ
عين الحياة – المجلسي – ج 1 ص 368
التساؤلات المطروحة:
– هل كان تحريم علي رضي الله عنه للطيبات التي أحلها الله تعالى صواباً، أم خطأً؟
– وهل وقع علي رضي الله عنه في المحظور، فكان سبباً في قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «فمن رغب عن سنتي فليس مني»؟
– وهل كان علي رضي الله عنه يعلم أنه قد خالف سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أم أن الأمر لم يكن مقصوداً منه؟
هذه التساؤلات تكشف أن الرواية – إن صحت – توضح أن النبي صلى الله عليه وسلم حسم الموقف بقوله: «فمن رغب عن سنتي فليس مني»، مؤكداً أن دين الله قائم على الاعتدال، لا على الرهبانية ولا تحريم الطيبات. لكن عند التحقيق، يظهر أن نسبة مثل هذا الفعل إلى علي رضي الله عنه تتعارض مع مكانته وعلمه واتباعه الدقيق لسنة النبي صلى الله عليه وسلم. لذا فالراجح أن هذه المرويات أقحمت لربط علي بكل آية تبدأ بـ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾، وهو منهج بارز عند الشيعة في تضخيم مقامه وإقحام اسمه في كل فضيلة.