تُعدّ مسألة "الرايات" التي تُرفع قبل خروج المهدي المنتظر من القضايا المحورية في الفكر الإمامي، إذ وردت فيها روايات عديدة تُحذّر من أي دعوة مسلّحة أو حركة سياسية قبل قيام القائم. وقد جعلت هذه الروايات كل راية تُرفع في غيبته راية ضلال، وصاحبها "طاغوت يُعبد من دون الله". هذا المبدأ انعكس بقوة في الفكر السياسي الشيعي، حيث أصبح الخروج المسلّح قبل المهدي مرفوضًا، وهو ما أدى إلى خلافات داخل البيت الشيعي نفسه بين دعاة السكون وانتظار القائم، وبين من رأى مشروعية الثورة. وفي هذا المقال نستعرض النصوص التي وردت في مصادرهم الأساسية، مع شروح العلماء، ومواقف بعض المراجع كالمجلسي والمازندراني والنعماني والفقهاء المتأخرين كالخميني والشهيد الثاني، لنقف على أبعاد هذه العقيدة وانعكاساتها.
النص
قال الكليني: عَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْمُخْتَارِ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عَلَيْهِ السَّلَام) قَالَ: كُلُّ رَايَةٍ تُرْفَعُ قَبْلَ قِيَامِ الْقَائِمِ فَصَاحِبُهَا طَاغُوتٌ يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ". اهـ
📖 الكافي – للكليني – ج 8 ص 295، وقال المجلسي عن الرواية في مرآة العقول – "موثق" – ج 26 ص 325.
مقالات السقيفة ذات صلة |
رواية "وإنه لذكر لك ولقومك" بين القبول والرد لا تعلّموا نساءكم سورة يوسف ولا تقرئوهنّ إياها شبهات حديث: "صورة وجه الإنسان على صورة وجه الرحمن" |
وقال المازندراني في شرح هذه الرواية:
الأصل: 452 – عنه، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن حماد بن عيسى، عن الحسين بن المختار، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كل راية ترفع قبل قيام القائم فصاحبها طاغوت يعبد من دون الله عز وجل. الشرح: (كل راية ترفع قبل قيام القائم) (عليه السلام) وإن كان رافعها يدعو إلى الحق (فصاحبها طاغوت يعبدون من دون الله).
الطاغوت: الشيطان والأصنام وكل ما يعبد من دون الله، ويطلق على الواحد والجمع. (ويعبدون) بالضم وصف له". اهـ
شرح أصول الكافي – المازندراني – ج 12 ص 410 – 411.
ولقد جاءت رواية تبين أن راية رسول الله ﷺ لا يرفعها إلا مهدي الرافضة، قال النعماني:
"1- حدثنا محمد بن همام، قال: حدثنا أحمد بن مابنداذ، قال: حدثنا أحمد بن هلال، عن محمد بن أبي عمير، عن أبي المغرا، عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): لما التقى أمير المؤمنين (عليه السلام) وأهل البصرة نشر الراية، راية رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فزلزلت أقدامهم، فما اصفرت الشمس حتى قالوا: أمنا يا بن أبي طالب. فعند ذلك قال: لا تقتلوا الأسرى، ولا تجهزوا على الجرحى، ولا تتبعوا مولياً، ومن ألقى سلاحه فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن. ولما كان يوم صفين سألوه نشر الراية فأبى عليهم، فتحملوا عليه بالحسن والحسين (عليهما السلام) وعمار بن ياسر (رضي الله عنه)، فقال للحسن: يا بني، إن للقوم مدة يبلغونها، وإن هذه راية لا ينشرها بعدي إلا القائم صلوات الله عليه". اهـ
الغيبة – النعماني – ص 320 باب ما جاء في ذكر راية رسول الله ﷺ وأنه لا ينشرها بعد يوم الجمل إلا القائم عليه السلام.
وقال الخميني عن الجهاد عند الرافضة في عصر الغيبة:
في عصر غيبة ولي الأمر وسلطان العصر – عجل الله فرجه – الشريف، يقوم نوابه العامة وهم الفقهاء الجامعون لشرائط الفتوى والقضاء مقامه في إجراء السياسات وسائر ما للإمام، إلا البدأة بالجهاد". اهـ
تحرير الوسيلة – الخميني – ج 1 ص 482.
وقال الشهيد الثاني:
قوله: (أو من نصبه للجهاد). يتحقق ذلك بنصبه له بخصوصه، أو بتعميم ولايته على وجه يدخل فيه الجهاد. فالفقيه في حال الغيبة، وإن كان منصوبا للمصالح العامة، لا يجوز له مباشرة أمر الجهاد بالمعنى الأول". اهـ
مسالك الأفهام – الشهيد الثاني – ج 3 – شرح ص 9.
وقال الطبرسي عن محمد بن جعفر الصادق:
وأما محمد بن جعفر: فكان يرى رأي الزيدية في الخروج بالسيف، وكان سخياً شجاعاً، وكان يصوم يوماً ويفطر يوماً، وكان يذبح كل يوم كبشاً للضيافة. وخرج على المأمون في سنة تسع وتسعين ومائة، فخرج لقتاله عيسى الجلودي فهزم أصحابه وأخذه وأنفذه إلى المأمون، فوصله وأكرمه، وكان مقيماً معه بخراسان يركب إليه في موكب بني عمه، وكان المأمون يحتمل منه ما لا يحتمل السلطان من رعيته". اهـ
إعلام الورى بأعلام الهدى – الطبرسي – ج 1 ص 547.