تُعَدُّ مسألة الولاية والمودّة للأئمّة من أبرز القضايا التي ركّزت عليها المرويّات الشيعية، واعتبرتها أصلاً من أصول الدين. وقد وردت في مصادرهم روايات متعدّدة تجعل الحج والطواف بالكعبة مرتبطاً بالذهاب إلى الأئمّة وتقديم البيعة لهم.

ومن أبرز هذه الروايات ما أورده الكليني في "الكافي"، حيث ذكر أنّ الناس لم يُؤمروا بالطواف فقط، بل أن يُعقَب ذلك بالذهاب إلى الأئمّة ليُعلِنوهم بولائهم ويعرضوا عليهم نصرتهم. هذه الرواية وغيرها تثير إشكالات عقدية ومنهجية مهمّة، أبرزها: أين الإمام المعصوم اليوم كي يُقصَد ويُعرض عليه الولاء؟ وهل من العدل أن يُكلّف الله العباد بأمرٍ لا سبيل إلى تنفيذه؟ ولماذا لم يُبيَّن هذا الأمر في القرآن الكريم بشكل واضح ومباشر، إذا كان من أعمدة الحج والإيمان؟

نصّ الرواية:

قال الكليني: «عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ عَنِ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَالَ: نَظَرَ إِلَى النَّاسِ يَطُوفُونَ حَوْلَ الْكَعْبَةِ فَقَالَ: هَكَذَا كَانُوا يَطُوفُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، إِنَّمَا أُمِرُوا أَنْ يَطُوفُوا بِهَا ثُمَّ يَنْفِرُوا إِلَيْنَا فَيُعْلِمُونَا وَلَايَتَهُمْ وَمَوَدَّتَهُمْ وَيَعْرِضُوا عَلَيْنَا نُصْرَتَهُمْ، ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ﴾»

الكافي الكليني ج 1 ص 392، وقال المجلسي في "مرآة العقول": حسن (ج 4 ص 285).

أَيْنَ هُوَ الْإِمَامُ الْمَعْصُومُ الْآنَ لِيَذْهَبَ إِلَيْهِ الشِّيعَةُ وَيَعْرِضُوا عَلَيْهِ النُّصْرَةَ؟

هَلْ مِنَ الْعَدْلِ أَنْ يَأْمُرَ اللَّهُ تَعَالَى النَّاسَ أَنْ يَذْهَبُوا إِلَى شَخْصٍ لَا يَسْتَطِيعُونَ الْوُصُولَ إِلَيْهِ؟

 ♦ وَلِمَاذَا لَمْ يُبَيِّنِ اللَّهُ تَعَالَى لَنَا هَذِهِ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وَأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِمَنَاسِكِ الْحَجِّ؟

 الخلاصة:

الرواية الواردة في "الكافي" وما شابهها تثير إشكالات عقدية كبيرة، فهي تجعل الحج غير مكتمل إلا بالذهاب إلى الإمام المعصوم، بينما الإمام غائب لا يُعرف مكانه ولا يُمكن الوصول إليه. كما أنّها تُناقض عدل الله الذي لا يكلّف بما لا يُطاق، وتُناقض القرآن الذي لم يربط بين الحج والولاية على الإطلاق. وهذه الأسئلة الجوهرية تكشف أنّ مثل هذه الروايات لا يمكن أن تكون من عند الله، بل هي اجتهادات أو إضافات لاحقة هدفت إلى ربط الدين بمفهوم الإمامة الغائب.