تُعَدُّ مسألة الحدود الشرعية من أهم القضايا التي يظهر فيها التمايز بين منهج أهل السنة والجماعة وبين ما تقرره كتب الشيعة الإمامية.
ومن أبرز الأمثلة على ذلك ما ورد في مصادرهم المعتبرة حول تعامل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه مع جريمة اللواط. فرغم أن هذه الفاحشة العظيمة جاء الشرع بتشديد العقوبة عليها، فإن كتب الرافضة نسبت إلى علي رضي الله عنه أنه تراخى في إقامة الحد وأعطى المذنب حرية الاختيار بين صور من العذاب، بل انتهى الأمر – بحسب تلك الروايات – إلى إلغاء العقوبة بحجة التوبة أو إظهار كرامات مزعومة لمرتكبي الفاحشة. هذه الروايات التي أخرجها كبار مراجعهم، كالكليني في "الكافي" والمجلسي في "بحار الأنوار"، تعكس بوضوح اضطراب المنظومة الفقهية والعقدية عند الإمامية في التعامل مع كبائر الذنوب، وتثير تساؤلات عميقة حول مدى التزامهم بالنصوص القطعية في كتاب الله وسنة نبيه ﷺ، والتي جاءت صريحة في تحريم هذه الجريمة ووجوب إقامة الحد على مرتكبها.
قال الكليني:
" عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنِ ابْنِ رِئَابٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ بَيْنَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) فِي مَلَإٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّي قَدْ أَوْقَبْتُ عَلَى غُلَامٍ فَطَهِّرْنِي فَقَالَ لَهُ يَا هَذَا امْضِ إِلَى مَنْزِلِكَ لَعَلَّ مِرَاراً هَاجَ بِكَ فَلَمَّا كَانَ مِنْ غَدٍ عَادَ إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّي أَوْقَبْتُ عَلَى غُلَامٍ فَطَهِّرْنِي فَقَالَ لَهُ يَا هَذَا امْضِ إِلَى مَنْزِلِكَ لَعَلَّ مِرَاراً هَاجَ بِكَ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثاً بَعْدَ مَرَّتِهِ الْأُولَى فَلَمَّا كَانَ فِي الرَّابِعَةِ قَالَ لَهُ يَا هَذَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) حَكَمَ فِي مِثْلِكَ بِثَلَاثَةِ أَحْكَامٍ فَاخْتَرْ أَيَّهُنَّ شِئْتَ قَالَ ومَا هُنَّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ ضَرْبَةٌ بِالسَّيْفِ فِي عُنُقِكَ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ أَوْ إِهْدَاءٌ مِنْ جَبَلٍ مَشْدُودَ الْيَدَيْنِ والرِّجْلَيْنِ أَوْ إِحْرَاقٌ بِالنَّارِ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَيُّهُنَّ أَشَدُّ عَلَيَّ قَالَ الْإِحْرَاقُ بِالنَّارِ قَالَ فَإِنِّي قَدِ اخْتَرْتُهَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ خُذْ لِذَلِكَ أُهْبَتَكَ فَقَالَ نَعَمْ فَقَالَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ فِي تَشَهُّدِهِ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي قَدْ أَتَيْتُ مِنَ الذَّنْبِ مَا قَدْ عَلِمْتَهُ وإِنِّي تَخَوَّفْتُ مِنْ ذَلِكَ فَجِئْتُ إِلَى وَصِيِّ رَسُولِكَ وابْنِ عَمِّ نَبِيِّكَ فَسَأَلْتُهُ أَنْ يُطَهِّرَنِي فَخَيَّرَنِي بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَصْنَافٍ مِنَ الْعَذَابِ اللَّهُمَّ فَإِنِّي قَدِ اخْتَرْتُ أَشَدَّهَا اللَّهُمَّ فَإِنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَ ذَلِكَ كَفَّارَةً لِذُنُوبِي وأَنْ لَا تُحْرِقَنِي بِنَارِكَ فِي آخِرَتِي ثُمَّ قَامَ وهُوَ بَاكٍ حَتَّى جَلَسَ فِي الْحُفْرَةِ الَّتِي حَفَرَهَا لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) وهُوَ يَرَى النَّارَ تَتَأَجَّجُ حَوْلَهُ قَالَ فَبَكَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) وبَكَى أَصْحَابُهُ جَمِيعاً فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) قُمْ يَا هَذَا فَقَدْ أَبْكَيْتَ مَلَائِكَةَ السَّمَاءِ ومَلَائِكَةَ الْأَرْضِ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ تَابَ عَلَيْكَ فَقُمْ ولَا تُعَاوِدَنَّ شَيْئاً مِمَّا قَدْ فَعَلْتَ " اهـ
الكافي – الكليني – ج 7 ص 201 – 202، وقال المجلسي عن الرواية في مرآة العقول – حسن – ج 23 ص 306
مقالات السقيفة ذات صلة |
رواية "وإنه لذكر لك ولقومك" بين القبول والرد لا تعلّموا نساءكم سورة يوسف ولا تقرئوهنّ إياها شبهات حديث: "صورة وجه الإنسان على صورة وجه الرحمن" |
وقال المجلسي:
" 16 - الفضائل: روى عمار بن ياسر رضي الله عنه أنه قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام جالسا في دكة القضاء إذ نهض إليه رجل يقال له صفوان الأكحل، وقال له: أنا رجل من شيعتك وعلي ذنوب فأريد أن تطهرني منها في الدنيا لأصل إلى الآخرة وما معي ذنب، فقال الإمام عليه السلام: ما أعظم ذنوبك وما هي؟ فقال: أنا ألوط الصبيان، فقال عليه السلام: أيما أحب إليك ضربة بذي الفقار أو اقلب عليك جدارا أو أرمي عليك نارا؟ فإن ذلك جزاء من ارتكب تلك المعصية، فقال: يا مولاي أحرقني بالنار لأنجو من نار الآخرة، فقال عليه السلام: يا عمار اجمع ألف حزمة قصب لنضرمه غداة غد بالنار، ثم قال للرجل: انهض وأوص بمالك وبما عليك، قال: فنهض الرجل وأوصى بما له وما عليه، وقسم أمواله على أولاده، وأعطى كل ذي حق حقه، ثم بات على حجرة أمير المؤمنين عليه السلام في بيت نوح شرقي جامع الكوفة، فلما صلى أمير المؤمنين عليه السلام قال: يا عمار ناد بالكوفة: اخرجوا وانظروا حكم أمير المؤمنين عليه السلام فقال جماعة منهم: كيف يحرق رجلا من شيعته ومحبيه وهو الساعة يريد يحرقه بالنار فبطلت إمامته؟! فسمع بذلك أمير المؤمنين عليه السلام قال عمار: فأخذ الامام الرجل ورمى عليه ألف حزمة من القصب، فأعطاه مقدحة وكبريتا وقال: اقدح وأحرق نفسك، فإن كنت من شيعتي ومحبي وعارفي فإنك لا تحترق بالنار وإن كنت من المخالفين المكذبين فالنار تأكل لحمك وتكسر عظمك، فأوقد الرجل على نفسه واحترق القصب، وكان على الرجل ثياب بيض فلم تعلق بها النار ولم تقربها الدخان، فاستفتح الإمام عليه السلام وقال: كذب العادلون بالله وضلوا ضلالا بعيدا، ثم قال: إن شيعتنا منا وأنا قسيم الجنة والنار، وأشهد لي بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله في مواطن كثيرة " اهـ
بحار الأنوار - المجلسي - ج 42 ص 43 – 44
وقال الخوانساري:
" وأما الثبوت بالاقرار أربع مرات فلا خلاف فيه وتدل عليه صحيحة مالك بن عطية عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ( بينا أمير المؤمنين عليه السلام في ملأ من أصحابه إذ أتاه رجل فقال: يا أمير المؤمنين إني أوقبت على غلام فطهرني، فقال له: يا هذا امض إلى منزلك لعل مرارا هاج بك فلما كان من غد عاد إليه فقال له: يا أمير المؤمنين إني أوقبت على غلام فطهرني، فقال له: اذهب إلى منزلك لعل مرارا هاج بك، حتى فعل ذلك ثلاثا بعد مرته الأولى فلما كان في الرابعة قال: يا هذا إن رسول الله صلى الله عليه وآله حكم في مثلك بثلاثة أحكام فاختر أيهن شئت، قال: وما هن يا أمير المؤمنين؟ قال: ضربة بالسيف في عنقك بالغة ما بلغت - الحديث ) . والمستفاد من هذه الصحيحة عدم ثبوت اللواط بأقل من أربع مرات ويستفاد منه مجرد الايقاب ولو ببعض الحشفة كما في الايقاب الموجب لحرمة الأم والبنت والأخت " اهـ
جامع المدارك - الخوانساري - ج 7 ص 67
وقال الشريف المرتضى:
" [حد اللواط] ومما انفردت به الإمامية القول: بأن حد اللوطي إذا أوقع الفعل فيما دون الدبر بين الفخذين مائة جلدة للفاعل والمفعول به إذا كانا معا عاقلين بالغين لا يراعى في جلدهما وجود الإحصان، كما روعي في الزنا، فأما الإيلاج في الدبر فيجب فيه القتل من غير مراعاة أيضا للإحصان فيه، والإمام مخير في القتل بين السيف وضرب عنقه به وبين أن يلقي عليه جدارا يتلف نفسه بإلقائه أو بأن يلقيه من جدار أو جبل على وجه تتلف معه نفسه بإلقائه أو يرميه بالأحجار حتى يموت " اهـ .
الانتصار - الشريف المرتضى - ص 510