إن من العجائب عند الشيعة والصو فية كذلك زعمهم بأن خضر - عليه السلام - حي، ويؤخذ منه الدين مباشرة، حيث يسندو ن الشريعة والحقائق إليه باعتباره أدرك زمن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -؛ ولقيه، ويلفقو ن لذلك أحاديث مو ضو عة.

و يقو ل الحافظ ابن القيم:

" الأحاديث التي يذكر فيها الخضر وحياته، كلها كذب ولا يصح في حياته حديث واحد ".

كحديث: إن رسو ل الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -؛ كان في المسجد فسمع كلاماً من ورائه، فذهبو ا ينظرو ن فإذا هو الخضر.

و حديث: يلتقي الخضر وإلياس كل عام.

و حديث: يجتمع بعرفة جبريل وميكائيل والخضر. الحديث المفترى الطو يل.

سئل إبراهيم الحربي عن تعمير الخضر وأنه باق، فقال: من أحال على غائب لم ينتصف منه وما ألقى هذا بين الناس إلا شيطان.

و سئل البخاري عن الخضر وإلياس:

هل هما أحياء؟ فقال: كيف يكو ن هذا وقد قال النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -؛ لا يبقى على رأس مئة سنة ممن هو اليو م على ظهر الأرض أحد.

و سئل عن ذلك كثير غيرهما من الأئمة: ﴿و مَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُو نَ [الأنبياء: 34]

و سئل عنه شيخ الإسلام ابن تيمية، فقال: لو كان الخضر حيا لو جب عليه أن يأتي النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -؛ ويجاهد بين يديه، ويتعلم منه، وقد قال النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -؛ يو م بدر: اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض. وكانو ا ثلاث مئة وثلاثة عشر رجلاً معرو فين بأسمائهم وأسماء آبائهم وقبائلهم فأين كان الخضر حينئذ.

قال أبو الفرج بن الجوزي:

والدليل على أن الخضر ليس بباق في الدنيا أربعة أشياء .. القرآن، والسنة، وإجماع المحققين من العلماء، والمعقو ل.

أما القرآن؛ فقو له - سبحانه وتعالى -: ﴿و مَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ [الأنبياء: 34] فلو دام الخضر كان خالداً.

و أما السنة؛ فذكر حديث:

" أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مئة سنة منها لا يبقى على ظهر الأرض ممن هو اليو م عليها أحد ". متفق عليه.

و في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه -؛ قال: قال رسو ل الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -؛ قبل مو ته بقليل: " ما من نفس منفو سة يأتي عليها مئة سنة وهي يو مئذ حية ".

و أما إجماع المحققين من العلماء؛ فقد ذكر عن البخاري، وعلي بن مو سى الرضا، أن الخضر مات. وأن البخاري سئل عن حياته، فقال: وكيف يكو ن ذلك وقد قال النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -: " أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مئة سنة منها لا يبقى ممن على ظهر الأرض أحد ".

قال: وممن قال إن الخضر مات إبراهيم بن إسحاق الحربي، وأبو الحسين بن المنادي، وهما إمامان وكان ابن المنادي يقبح قو ل من يقو ل: إنه حي.

و حكى القاضي أبو يعلى مو ته عن بعض أصحاب أحمد، وذكر عن بعض أهل العلم أنه احتج بأنه لو كان حيا لو جب عليه أن يأتي إلى النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

و قال: حدثنا أحم د، حدثنا شريح بن النعمان، حدثنا هشيم، أخبرنا مجالد عن الشعبي عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - أن رسو ل الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " والذي نفسي بيده لو أن مو سى كان حياً ما وسعه إلا أن يتبعني ". فكيف يكو ن حياً ولا يصلي مع رسو ل الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - الجمعة والجماعة ويجاهد معه؟ ألا ترو ن أن عيسى - عليه السلام - إذا نزل إلى الأرض يصلي خلف إمام هذه الأمة ولا يتقدم لئلا يكو ن ذلك خدشا في نبو ة نبينا - صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟!

قال أبو الفرج: وما أبعد فهم من يثبت وجو د الخضر وينسى ما في طي إثباته من الإعراض عن هذه الشريعة.

أما الدليل من المعقو ل؛ فمن عشرة أو جه:-

أو لهم، أن الذي أثبت حياته يقو ل إنه ولد آدم لصلبه وهذا فاسد بسبب:

أن يكو ن عمره الآن ستة آلاف سنة فيما ذكر في كتاب يو حنا المؤرخ ومثل هذا بعيد في العادات أن يقع في حق البشر.

و الثاني، أنه لو كان ولده لصلبه أو الرابع من ولد ولده كما زعمو ا وأنه كان وزير ذي القرنين فإن تلك الخلقة ليست على خلقتنا بل مفرط في الطو ل والعرض.

و في الصحيحين، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسو ل الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أنه قال: " خلق الله آدم طو له ستو ن ذراعاً فلم يزل الخلق ينقص بعد " وما ذكر أحد ممن رأى الخضر أنه رآه على خلقة عظيمة وهو من أقدم الناس.

الو جه الثالث، أنه لو كان الخضر قبل نو ح لركب معه في السفينة ولم ينقل هذا أحد.

الو جه الرابع، أنه قد اتفق العلماء أن نو حاً لما نزل من السفينة مات من كان معه، ثم مات نسلهم، ولم يبق غير نسل نو ح، والدليل على هذا قو له - سبحانه وتعالى - ﴿و جَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمْ الْبَاقِينَ [الصافات: 77] وهذا يبطل قو ل من قال إنه كان قبل نو ح.

و الو جه الخامس، أن هذا لو كان صحيحاً أن بشراً من بني آدم يعيش من حين يو لد إلى آخر الدهر ومو لده قبل نو ح، لكان هذا من أعظم الآيات والعجائب، وكان خبره في القرآن مذكو راً في غير مو ضع لأنه من أعظم آيات الربو بية، وقد ذكر الله - سبحانه وتعالى - من أحياه ألف سنة إلا خمسين عاماً وجعله آية، فكيف بمن أحياه إلى آخر الدهر؟! ولهذا قال بعض أهل العلم: ما ألقى هذا بين الناس إلا شيطان.

و الو جه السادس، أن القو ل بحياة الخضر قو ل على الله بلا علم، وذلك حرام بنص القرآن. أما المقدمة الثانية فظاهره، وأما الأو لى فإن حياته لو كانت ثابتة لدل عليها القرآن أو السنة أو إجماع الأمة، فهذا كتاب الله - سبحانه وتعالى - فأين فيه حياة الخضر؟ وهذه سنة رسو ل الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - فأين فيها ما يدل على ذلك بو جه؟ وهؤلاء علماء الأمة، هل أجمعو ا على حياته؟

الو جه السابع، أن غاية ما يتمسك به من ذهب إلى حياته حكايات منقو لة يخبر الرجل بها أنه رأى الخضر، فيا لله العجب، هل للخضر علامة يعرفه بها من رآه؟ وكثير من هؤلاء يغتر بقو له أنا الخضر، ومعلو م أنه لا يجو ز تصديق قائل ذلك بلا برهان من الله، فأين للرائي أن المخبر له صادق لا يكذب؟

الو جه الثامن، أن الخضر فارق مو سى بن عمران كليم الرحمن ولم يصاحبه، وقال له: ﴿هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وبَيْنِكَ [الكهف: 78] فكيف يرضى لنفسه بمفارقته لمثل مو سى ثم يجتمع بجهلة العباد الخارجين عن الشريعة الذين لا يحضرو ن جمعة، ولا جماعة، ولا مجلس علم، ولا يعرفو ن من الشريعة شيئاً، وكل منهم يقو ل: قال الخضر، وجاءني الخضر، وأو صاني الخضر، فيا عجباً له يفارق كليم الله - سبحانه وتعالى - ويدو ر على صحبة الجهال، ومن لا يعرف كيف يتو ضأ، ولا كيف يصلي.

الو جه التاسع، أن الأمة مجمعة على أن الذي يقو ل أنا الخضر، لو قال: سمعت رسو ل الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يقو ل كذا وكذا، لم يلتفت إلى قو له، ولم يحتج به في الدين؛ إلا أن يقال إنه لم يأت إلى رسو ل الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ولا بايعه أو يقو ل هذا الجاهل إنه لم يرسل إليه وفي هذا من الكفر ما فيه.

الو جه العاشر، أنه لو كان حياً لكان جهاده الكفار، ورباطه في سبيل الله، ومقامه في الصف ساعة، وحضو ره الجمعة، والجماعة، وتعليمه العلم، أفضل له بكثير من سياحته بين الو حو ش في القفار والفلو ات وهل هذا إلا من أعظم الطعن عليه والعيب له.

المصدر: المنار المنيف في الصحيح والضعيف، لابن القيم، ص67 - 76، ط: مكتب المطبو عات الإسلامية - حلب.

فكيف يكو ن الخضر حياً يا أو لي الألباب؟

 

قال ابن كثير فى البداية والنهاية(1/389):

و قال ابن عساكر أيضا: أنبأنا أبو القاسم بن إسماعيل بن أحمد، انبأنا أبو بكر بن الطبري، أنبأنا أبو الحسين بن الفضل، أنبأنا عبد الله بن جعفر، حدثنا يعقو ب - هو ابن سفيان الفسو ي - حدثني محمد بن عبد العزيز، حدثنا ضمرة، عن السري بن يحيى، عن رباح بن عبيدة، قال: رأيت رجلا يماشي عمر بن عبد العزيز معتمدا على يديه، فقلت في نفسي: إن هذا الرجل حاف، قال فلما انصرف من الصلاة - قلت: من الرجل الذي كان معتمدا على يدك آنفا؟ قال: وهل رأيته يا رباح؟ قلت: نعم.

قال: ما أحسبك إلا رجلا صالحا ذاك أخي الخضر بشرني أني سألي وأعدل.
قال الشيخ أبو الفرج بن الجو زي: الرملي مجرو ح عند العلماء * وقد قدح أبو الحسين بن المنادي في ضمرة والسري ورباح.

ثم أو رد من طرق أخر عن عمر بن عبد العزيز أنه اجتمع بالخضر، وضعفها كلها.
و رو ى ابن عساكر أيضا أنه اجتمع بإبراهيم التيمي وبسفيان بن عيينة وجماعة يطو ل ذكرهم.

و هذه الرو ايات والحكايات هي عمدة من ذهب إلى حياته إلى اليو م وكل من الأحاديث المرفو عة ضعيفة جدا، لا يقو م بمثلها حجة في الدين، والحكايات لا يخلو أكثرها عن ضعف في الاسناد، وقصاراها أنها صحيحة إلى من ليس بمعصو م من صحابي أو غيره، لأنه يجو ز عليه الخطأ والله أعلم.