يحرص دعاة التشيع، مثل الحيدري والكوراني وغيرهما، على الاستدلال بأسماء كبار العلماء والمصنفين من أهل السنة والجماعة زاعمين أنهم أثبتوا ولادة المهدي المنتظر ابن الحسن العسكري. فيستشهدون بالخصيبي والبيهقي والخوارزمي والحموي وابن الأثير وابن عربي وغيرهم من الأعلام، ليصوروا للقارئ أن مسألة ولادة المهدي محل اتفاق بين السنة والشيعة. غير أن التتبع الدقيق للنصوص يبين أن معظم هذه الاستشهادات إما موضوعة أو منقولة بصيغة "بزعم الشيعة"، أو وردت في كتب مملوءة بالموضوعات، أو منسوبة إلى شخصيات غير سنية أصلًا كالحسين بن حمدان الخصيبي. هذا المقال يقدم دراسة نقدية موثقة لهذه المزاعم، ويفندها نصًا ومصدرًا، حتى يتضح للقارئ أن لا وجود لاعتراف صريح عند أهل السنة بولادة المهدي الذي تدعيه الإمامية.
(7) أبو عبد الله الخصيبي
الادعاء:
◘ 6- الحسين بن حمدان أبو عبد الله الخصيبي (ت/ 334 هـ)، وهو من أهل السنة المنصفين، وقيل بتشيعه، ولم يثبت، والأول أصح، أفرد في كتابه الهداية الكبرى بابًا في الإمام المهدي (ع)، وهو الباب الرابع عشر، أطلق عليه اسم (باب الإمام المهدي المنتظر (ع))، وقد تحدث في هذا الباب عن ولادة الإمام المهدي (ع)، وغيبته، وظهوره، وحكمه، وصفاته، وما يتصل به (ع) من أمور أخرى.
الرد:
أما بخصوص الحسين بن حمدان الخصيبي (المتوفى سنة 334 هجرية) والذي حاول كاتب كتاب "دفاع عن الكافي" أن يوهمنا أنه سني، فالغريب أنه في مقدمة كتاب "الهداية الكبرى" (الطبعة الرابعة 1411 هـ - 1991 م، مؤسسة البلاغ، لبنان - بيروت، ص 6/7) مكتوب ما يلي: «وفي لسان الميزان: الحسين بن حمدان بن خصيب الخصيبي، أحد المصنفين في فقه الإمامية، روى عنه أبو العباس بن عقدة وأثنى عليه وأطراه وامتدحه، كان يوم سيف الدولة بن حمدان في حلب.
وفي أعيان الشيعة للعلامة الكبير المجتهد، والمؤرخ والأديب والكاتب الإمامِي السيد محسن الأمين العاملي (طيب الله ثراه) ترجمة للخصيبي مفادها امتداحه والثناء عليه، وعلى أنه من علماء الإمامية، وكل ما نسب إليه من معاصريه وغيرهم لا أصل له ولا صحة، وإنما كان طاهر السريرة والجيب، وصحيح العقيدة».
مقالات السقيفة ذات صلة |
الروايات الصحيحة في كتب أهل السنة والجماعة عن المهدي مع نزول عيسى أحاديث نزول عيسى وصلاته وخروج المهدي شبهة حديث: المهدي خير من ابي بكر وعمر |
إلى أن قال: «وخلاصة القول:
كان من علماء آل محمد والإمامية، وهو في هذه الشهادة يتفق مع السيد الأمين العاملي (قدس سره). مؤلفاته كثيرة...».
وكثير من الكلام حول أنه شيعي ما لم نشأ ذكره تفاديًا للإطالة، فكيف نثق بصاحب "دفاع عن الكافي" الذي حاول إيهامنا أنه سني ليكثر من القائلين فقط ويزيد في صفحات كتابه، ويدعم رأيه ولو بالكذب؟
(8) أحمد بن الحسين البيهقي
الادعاء:
9- أحمد بن الحسين البيهقي (ت/ 458 هـ) في: شعب الإيمان، ط 1، دار المعارف الهند.
الرد: بحثتُ عسى أن أجد حديثًا واحدًا عن المهدي فلم أجد شيئًا.
(9) الخوارزمي الحنفي
الادعاء:
-12 الخوارزمي الحنفي (ت/ 568 هـ) في: مقتل الإمام الحسين (ع)، كما في الإمام المهدي في نهج البلاغة.
الرد: قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "منهاج السنة" (ص 355):
«الكتب التي يجمع فيها بين الغث والسمين التي يعلم كل عالم أن فيها ما هو كذب...
والكتب التي صنفها في الفضائل من يجمع الغث والسمين، لا سيما خطيب خوارزم، فإنه من أروى الناس للمكذوبات وليس هو من أهل العلم بالحديث».
وقال الذهبي في "المنتقى من منهاج الاعتدال" (1/477):
«وقد حشا تأليفه بالموضوعات».
وقال رحمه الله: «ولقد ساق أخطب خوارزم من طريق هذا الدجال ابن شاذان أحاديث كثيرة باطلة سمجة ركيكة في مناقب السيد علي رضي الله عنه...».
(ميزان الاعتدال 6/55).
ومن مروياته الباطلة حديث:
«يا علي لو أن عبدًا عبد الله ألف عام... ثم لم يوالك لم يرح رائحة الجنة ولم يدخلها».
رواه أخطب خوارزم.
هذا عين ما عند الرافضة، بدون زيادة ولا نقيصة، وهو أيضًا قولهم إن منكر الإمامة كافر مستحق للخلود في النار.
وهذا الكلام كافٍ ليُسقط أي استدلال به على أي أمر، حتى لو كان في أبسط الأمور، فما بالك بأمر يدّعونه من المسلمات ومن العقائد التي لا ينبغي فيها التقليد ولا الشك البسيط؟
﴿10﴾ ياقوت الحموي
الادعاء:
16- ياقوت الحموي (ت/ 626 هـ) في: معجم البلدان قال في مدينة سامراء: ((وبها السرداب المعروف في جامعها الذي تزعم الشيعة أن مهديهم يخرج منها... وبها غاب المنتظر في زعم الشيعة الإمامية)).
الرد:
إن قوله ("في زعم الشيعة"، أو "الذي تزعم الشيعة") لا يعني إنكار ولادة الإمام، بل يعني الشك في غيبته وإمامته.
فهو مثل قول من يقول لغيره: زعمت أن النجف الأشرف تبعد عن كربلاء ثلاثة فراسخ! فهو بقوله هذا لا ينكر وجود مدينة اسمها النجف.
◘ أقول: أرجو ممن لديه قليل من العقل أن يشرح لي هذا الكلام! وحين يضرب لنا مثلًا بالنجف، فبحق الله، هل هذا مثل يُقاس به كلام الحموي؟
جاء في كتاب "العين" للفراهيدي:
«زَعَمَ يَزْعُمُ زَعْمًا وَزُعْمًا: إذا شكّ في قوله، فإذا قلت: ذَكَرَ، فهو أحرى إلى الصواب.
وكذا تفسير هذه الآية: ﴿هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ﴾، ويُقرأ: بِزُعْمِهِمْ، أي: بقولهم الكذب».
(انتهى كلام الفراهيدي).
وجاء في "لسان العرب" في كلمة "زعم":
«قال الأزهري: الزَّعْمُ إنما هو في الكلام، يقال: أمر فيه مَزَاعِمُ، أي أمر غير مستقيم فيه منازعة بعدُ.
مختارات من السقيفة |
الشيعة الإمامية تخرج النبي صلى الله عليه واله وسلم من الائمة قراءة القرآن في الحمام بين الجواز والضوابط |
قال ابن السكيت: ويقال للأمر الذي لا يوثق به: مَزْعَمٌ، أي يَزْعُمُ هذا أن كذا، ويَزْعُمُ هذا أنه كذا».
ومن أين استشفّ أنه بقوله تزعم الشيعة أنه يشكّ بولادته أو غيبته، والحموي لم يذكر في النص لا موتًا ولا ولادة؟ لقد قالوا على لسان الحموي ما لم يقله، فبالله عليكم أيّ دفاع عن الكافي هذا؟! يدافعون عنه بالكذب والترّهات! فأين النصّ الصريح بأنّ الحموي حقًّا يقول بولادة المهدي الشيعي الرافضي الذي سيعذّب الصحابة وأمّنا عائشة رضي الله عنها؟!
(10) ابن الأثير
-18 ابن الأثير الجزري عزّ الدين (ت/ 630 هـ) في كتابه: الكامل في التاريخ، قال في حوادث سنة 260 هـ:
((وفيها توفي أبو محمد العلوي العسكري، وهو أحد الأئمة الاثني عشر على مذهب الإمامية، وهو والد محمد الذي يعتقدونه المنتظر...)) (1128).
وفيها توفي الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام، وهو أبو محمد العلوي العسكري – وهو أحد الأئمة الاثني عشر على مذهب الإمامية – وهو والد محمد الذي يعتقدونه المنتظر بسرداب سامرّاء، وكان مولده سنة اثنتين وثلاثين ومائتين.
(11) محيي الدين بن عربي
-19 محيي الدين بن عربي (ت/ 638 هـ) في: الفتوحات المكيّة، باب 366 في المبحث الخامس والستين، كما في اليواقيت والجواهر للشعراني، ولكن الأيدي الأمينة على ودائع التراث الإسلامي حذفته من طبعات الكتاب الأخرى بمصر، إذ لا يوجد في هذا الباب ذلك كما تتبّعته بنفسي، مع أنّ غير الشعراني قد نصّ عليه كالحمزاوي في مشارق الأنوار، والصبّان في إسعاف الراغبين.
حقيقة ابن عربي:
آخر من يمكن أن يُستشهد به على أهل السنة هو ابن عربي، فكل علماء السنة مجمعون على كفره وزندقته:
◘ اتهم السخاوي ابن عربي بأنه يقول بوحدة الوجود، وأنه من القائلين بوحدة الوجود بين الله وخلقه (الضوء اللامع 6/186 و9/220-221).
◘ قال أبو حيّان الأندلسي صاحب التفسير في تفسير سورة المائدة: ومن بعض اعتقاد النصارى استنبط من أقرب الإسلام ظاهرًا، وانتمى إلى الصوفية، حلول الله في الصور الجميلة، ومن ذهب من ملاحدتهم إلى القول بالاتحاد والوحدة كالحلاج والشعوذي وابن أحلى وابن عربي المقيم بدمشق وابن الفارض وأتباع هؤلاء كابن سبعين (تفسير البحر المحيط 3/449).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
«إِنَّ ابْنَ عَرَبِيٍّ وَأَمْثَالَهُ وَإِنِ ادَّعَوْا أَنَّهُمْ مِنَ الصُّوفِيَّةِ فَهُمْ مِنْ صُوفِيَّةِ الْمَلَاحِدَةِ الْفَلَاسِفَةِ، لَيْسُوا مِنْ صُوفِيَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونُوا مِنْ مَشَايِخِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ: كَالْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ وَأَبِي سُلَيْمَانَ الدَّارَانِي وَمَعْرُوفٍ الْكَرْخِي وَالْجُنَيْدِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَسَهْلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ التُّسْتَرِي وَأَمْثَالِهِمْ – رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ» (الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان).
وقالوا في ابن عربي:
وكذلك القول بوحدة الوجود، ويراد به أنّ الموجود واحد في الحقيقة، وكل ما نراه ليس إلا تعيّنات للذات الإلهية، وبالمعنى الأوضح أنه ليس هناك موجود إلا الله، فليس غيره في الكون، وما المظاهر التي نراها إلا مظاهر لحقيقة واحدة هي الحقيقة الإلهية، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا.
وزعيم هذه الطائفة ابن عربي الحاتمي الطائي المتوفى سنة 638 هـ.
ويقول في ذلك:
العبد ربّ والربّ عبد ... يا ليت شعري من المكلَّف
إن قلت عبد فذاك حقّ ... أو قلت ربّ أنَّى يكلَّف
ويقول أيضًا: «إن الذين عبدوا العجل ما عبدوا غير الله».
حديث:
ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان – وقفات وتأملات، للدكتور فالح بن محمد الصغير.
نقلًا عن: حقيقة الصوفية، للدكتور محمد بن ربيع المدخلي، ص: 19.
وقال ابن تيمية في مجموع الفتاوى:
مسألة تماثل الأجسام وتركيبها من الجواهر الفردة: وهؤلاء يدّعون أن العقول قديمة أزلية، وأن العقل الفعّال هو ربّ كل ما تحت هذا الفلك، والعقل الأول هو ربّ السماوات والأرض وما بينهما، والملاحدة الذين دخلوا معهم من أتباع بني عبيد – كأصحاب رسائل إخوان الصفا وغيرهم – وكملاحدة المتصوفة مثل ابن عربي.
وأظن أن هذه الأقوال لمجموعة من علماء أهل السنة كافية لإسقاط أيّ استدلال بابن عربي عليهم من طرف خصومهم.