علم الحديث من أشرف العلوم التي عني بها المسلمون، وقد وضع العلماء قواعد دقيقة لحفظ السنة النبوية من التحريف والدسّ. ومن أبرز هذه القواعد ما يتعلق بـ التدليس، إذ إن رواية المدلِّس تثير إشكالات حول قبولها أو ردّها، خاصة إذا جاءت بصيغة "العنعنة" من غير تصريح بالسماع. ويُعَدّ موضوع عنعنة المدلِّس من المسائل الجوهرية في مصطلح الحديث، إذ لا يُقبل حديثه إلا بشروط صارمة. وقد أشار الإمام الألباني رحمه الله في "السلسلة الضعيفة" إلى خطورة هذا الأمر، مؤكداً أن وجود المدلِّس مع العنعنة يورث ضعف الحديث ويدخل فيه الريبة. في هذا المقال نستعرض الأدلة والأقوال التي تثبت أن عنعنة المدلِّس لا تُقبَل، مع بيان التطبيق العملي من خلال كلام الألباني.
قال الألباني رحمه الله:
«موضوع. وهذا إسناد مظلم. وفيه أبو الزبير وهو مدلس وقد عنعنه. أبو الزبير مدلس وقد عنعنه. ومن دونه عبد الله لم أجد لهما ترجمة، فأحدهما هو الآفة».
السلسلة الضعيفة 4925
يتبيّن من كلام الألباني أن وجود أبي الزبير – وهو مدلس – قد أضعف الإسناد، لأنه روى بالعنعنة من غير تصريح بالسماع. والعلماء متفقون على أن المدلِّس إذا عنعن لا يُقبل حديثه حتى يصرّح بالسماع، لأن صيغة العنعنة تحتمل السماع وتحتمل الانقطاع، والاحتمال يُسقط الاحتجاج.
مختارات من موقع السقيفة: |
الادعاءات حول ولادة المهدي في كتب المؤرخين هل نَسِيَ الإمامُ الحسنُ أنَّ زينَ العابدين إمام؟ خيانة الوزير الشيعي علي بن يقطين في عهدهارون الرشيد |
تعريف التدليس
التدليس في اللغة مأخوذ من الدَّلَس، وهو الظلام، وفي الاصطلاح هو: رواية الراوي عن شيخه ما لم يسمعه منه بلفظٍ يوهم السماع، كـ "عن" أو "قال". ويُعَدّ التدليس من أسباب ضعف الرواية إذا لم يتبيّن اتصال السند.
أقوال العلماء في قبول رواية المدلس
الإمام الشافعي رحمه الله: شدد على أن رواية المدلِّس بالعنعنة لا تُقبل إلا إذا ثبت سماعه للحديث بعينه.
ابن حجر العسقلاني: نصَّ في "النخبة" على أن رواية المدلِّس لا تُقبَل إلا مع التصريح بالسماع.
الذهبي: قال إن التدليس جرح خفيف، لكنه مؤثر إذا وُجد بالعنعنة.
تطبيق عملي من كلام الألباني
الألباني رحمه الله عند تحقيقه لبعض الأحاديث في "السلسلة الضعيفة" حكم عليها بالوضع أو الضعف الشديد بسبب وجود مدلسين يروون بالعنعنة، كما في هذا المثال. فوجود "أبي الزبير" في السند بالعنعنة جعله مظلماً لا يُعتمد عليه.
الخلاصة
يتضح أن عنعنة المدلس لا تُقبَل عند جمهور العلماء، إلا إذا صرّح بالسماع. وكلام الألباني في "السلسلة الضعيفة" مثال بيّن على تطبيق هذه القاعدة، إذ ردّ الحديث لمجرد وجود أبي الزبير وهو مدلس قد عنعن. وبذلك يُفهم أن الحفاظ على السنة النبوية يقتضي التحري الشديد في الأسانيد، وعدم التساهل مع روايات المدلسين.