من القواعد الأساسية في علوم الحديث أن صحة النص لا تُعرف بمجرد موافقته للعقل أو المعنى، بل لا بد من ثبوته بسند صحيح عن رسول الله ﷺ. ومن الأحاديث التي وقع حولها النقاش حديث: «أكثروا ذكر الله حتى يقولوا: مجنون»، فقد أخرجه عدد من الأئمة كالحاكم وأحمد، وحكم عليه الحاكم بالصحة، بينما تعقبه الإمام الألباني رحمه الله في سلسلة الأحاديث الضعيفة، مبينًا ضعف الحديث بسبب علل في سنده، لا سيما وجود الراوي درّاج أبي السمح، الذي تكلم فيه النقاد. في هذا المقال نعرض نص الحديث، وتخريجه، وأقوال العلماء فيه، وسبب تضعيفه.
قال الإمام الألباني رحمه الله:
«-517" أكثروا ذكر الله حتى يقولوا: مجنون". ضعيف.
أخرجه الحاكم (1 / 499) وأحمد (3 / 68) وعبد بن حميد في "المنتخب من المسند" (102 / 1) والثعلبي في "التفسير" (3 / 117 - 118) وكذا الواحدي في "الوسيط" (3 / 230 / 2) وابن عساكر (6 / 29 / 2) عن درّاج أبي السمح عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا. وقال الحاكم: "صحيح الإسناد". كذا قال! وأما الذهبي فقد سقط الحديث من "تلخيصه" المطبوع مع "المستدرك" فلم يتبين لي هل تعقبه أم أقره، والأحرى به الأول لأمرين:
مختارات من موقع السقيفة: |
الادعاءات حول ولادة المهدي في كتب المؤرخين هل نَسِيَ الإمامُ الحسنُ أنَّ زينَ العابدين إمام؟ خيانة الوزير الشيعي علي بن يقطين في عهدهارون الرشيد |
أحدهما: أنه الذي نعهده منه في غير ما حديث من أحاديث درّاج التي صححها الحاكم، فإنه يتعقبه بدراج، ويقول فيه: "إنه كثير المناكير"، وقد مضى أحدها برقم (294).
والآخر: أنه أورد درّاجًا أبا السمح في "الميزان" فقال: "قال أحمد: أحاديثه مناكير ولينه. وقال يحيى: ليس به بأس. وفي رواية: ثقة. وقال فضلك الرازي: ما هو بثقة ولا كرامة. وقال النسائي: منكر الحديث. وقال أبو حاتم: ضعيف. وقد ساق ابن عدي له أحاديث وقال: عامتها لا يُتابع عليها". وقد ساق له الذهبي من مناكيره أحاديث، هذا أحدها.
ومنه تعلم أن تحسين الحديث كما فعل الحافظ فيما نقله المناوي عنه غير حسن. والله أعلم».
سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة – محمد ناصر الدين الألباني - ج 2 ص 10.
دراسة السند
◘ الراوي الذي دار عليه الحكم هو دراج أبو السمح، وقد ضعّفه كثير من الأئمة:
قال أحمد: "أحاديثه مناكير".
قال النسائي: "منكر الحديث".
قال أبو حاتم: "ضعيف".
◘ لذلك اعتبر الألباني أن تحسين بعض العلماء للحديث ليس صوابًا، لأن العلة فيه قوية.
موقف الحاكم والذهبي
◘ الحاكم صحّح الحديث في المستدرك، وهذا منهجه المعروف في التساهل أحيانًا.
◘ الذهبي – في التلخيص – لم يذكر الحديث، والأقرب أنه تركه عمدًا لتعقّب الحاكم، لعلمه بضعف دراج.
الخلاصة
حديث: «أكثروا ذكر الله حتى يقولوا: مجنون» لا يصح عن النبي ﷺ، وضعّفه الإمام الألباني رحمه الله في سلسلة الأحاديث الضعيفة. والعلة الرئيسة فيه ضعف الراوي دراج أبي السمح وكثرة مناكيره. وبذلك لا يُحتج بهذا الحديث في فضائل الأعمال ولا في غيرها.