علم الحديث الشريف هو الميزان الذي حفظ الله به سنّة نبيّه ﷺ من التحريف والزيادة والنقصان، فتميّزت الأمة الإسلامية بدقّة نقدها للرواة والمتون. ومن أبرز جهود العلماء في العصر الحديث ما قام به الإمام محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله من تتبع طرق الأحاديث، وبيان صحيحها من ضعيفها وموضوعها.

ومن الأحاديث التي كثر الاستشهاد بها بين الناس حديث: «من لا يهتم بأمر المسلمين فليس منهم»، وهو حديث اشتهر على الألسنة، بل جُعل شعارًا لبعض الدروس والمواعظ، غير أن التحقيق العلمي يثبت أنه لا يصح مرفوعًا إلى النبي ﷺ. فقد اجتهد الإمام الألباني في بيان حال هذا الأثر، فجمع طرقه ودرسها بإسنادها، وخرج بنتيجة دقيقة تبين أنه ضعيف أو موضوع بجميع طرقه.

هذا المقال يستعرض نصوص الأحاديث الواردة في هذا الباب، ويعرض أحكام الألباني عليها، موضحًا علل الأسانيد، وموقف العلماء منها، حتى يكون المسلم على بصيرة فلا يُنسب إلى النبي ﷺ ما لم يثبت عنه.

نصوص الأحاديث وأحكام الألباني:(309)

لقد حقق الإمام الألباني هذا الأثر وبين عدم صحته من جميع الطرق التي وردت به حيث قال:

«من أصبح والدنيا أكبر همّه فليس من الله في شيء، ومن لم يتق الله فليس من الله في شيء، ومن لم يهتم للمسلمين عامة فليس منهم».

حكم الألباني: موضوع 

أخرجه الحاكم (4/317) والخطيب في تاريخه (9/373) من طريق إسحاق بن بشر، عن سفيان الثوري، عن الأعمش، عن شقيق بن سلمة، عن حذيفة مرفوعًا.

سكت عليه الحاكم، وتعقبه الذهبي بقوله: «قلت: إسحاق عدم، وأحسب الخبر موضوعًا».

أورده ابن الجوزي في الموضوعات (3/132)، وذكر السيوطي في اللآلي المصنوعة (2/316-317) طرقًا أخرى لا تصح.

أما طرقه عن حذيفة فمنها ما هو ضعيف جدًا لوجود أبان بن أبي عياش فاثنان آخران:

الأول: عن أبان عن أبي العالية عن حذيفة أراه رفعه، مثل رواية الخطيب.

قلت: وهذا إسناد لا يستشهد به، لأن أبان وهو ابن أبي عياش كذبه شعبة وغيره، لكنه قد توبع كما سيأتي بعد حديثين.

الآخر: عن عبد الله بن سلمة بن أسلم عن عقبة بن شداد الجمحي عن حذيفة رفعه.

وهذا سند ضعيف جدا، عبد الله هذا ضعفه الدارقطني، وقال أبو نعيم: متروك، وعقبة لا يعرف كما في " الميزان "، وفيه جماعة آخرون لم أعرفهم

وأما الشواهد فهي من حديث ابن مسعود وأنس وأبي ذر، وكلها لا تصح وقد ذكرتها عقب هذا.

«من أصبح وهمّه الدنيا، فليس من الله في شيء، ومن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم، ومن أعطى الذلة من نفسه طائعًا غير مكره فليس منا».

حكم الألباني: ضعيف جدًا.

أخرجه الطبراني في الأوسط من طريق يزيد بن ربيعة، عن أبي الأشعث الصنعاني، عن أبي عثمان النهدي، عن أبي ذر مرفوعًا.

قال الطبراني: تفرد به يزيد بن ربيعة، وهو متروك.

قلت: وقد أنكر أبو حاتم أحاديثه عن أبي الأشعث كما في " الجرح والتعديل " (4 / 2 / 261) وهذا منها كما ترى

قال المنذري: ضعيف، وقال الجوزجاني: «أخاف أن تكون أحاديثه موضوعة».

(311)

«من أصبح وهمّه غير الله عز وجل فليس من الله في شيء، ومن لم يهتم للمسلمين فليس منهم».

حكم الألباني: موضوع.

أخرجه ابن بشران في الأمالي، والحاكم (4/320) من طريق إسحاق بن بشر عن مقاتل بن سليمان عن حماد عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد عن ابن مسعود مرفوعًا، سكت عليه الحاكم، وقال ابن بشران: هذا حديث غريب تفرد به إسحاق بن بشر.

قال الذهبي: «إسحاق ومقاتل ليسا بثقتين ولا صادقين».

قلت: إسحاق بن بشر أبو حذيفة البخاري كذبه ابن المدني والدارقطني، كما في " الميزان " وساق له هذا الحديث ثم قال عقبه: مقاتل أيضا تالف.

قلت: وابن سليمان هذا هو البلخي، قال وكيع: كان كذابا.

والحديث روي من حديث أنس، فقال أبو حامد الحضرمي الثقة في " حديثه " (156/ 2) أخبرنا سليمان بن عمر، حدثنا وهب بن راشد عن فرقد السبخي عن أنس مرفوعا، ومن هذا الوجه رواه المخلص في " الفوائد المنتقاة " (9 / 193 / 2) وأبو نعيم (3 / 48) وقال: لم يروه عن أنس غير فرقد، ولا عنه إلا وهب بن راشد، ووهب وفرقد غير محتج بحديثهما وتفردهما.

قلت: فرقد ضعيف لسوء حفظه، ووهب بن راشد هو الرقي، قال ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (4 / 2 / 27) : سئل أبي عنه، فقال: منكر الحديث، حدث بأحاديث بواطيل، وقال ابن حبان:لا يجوز الاحتجاج به بحال.

قلت: فالحمل عليه في هذا الحديث، والراوي عنه سليمان بن عمر الرقي ترجمه ابن أبي حاتم (2 / 1 / 131) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. ووثقه ابن حبان (8 / 280) .

وله طريق أخرى ذكرها السيوطي في " اللآليء المصنوعة " (2 / 316) شاهدا لحديث حذيفة المتقدم من رواية ابن النجار بسنده عن عبد الله بن زبيد الأيامي عن أبان عن أنس مرفوعا، وسكت عنه السيوطي وليس بجيد، فإن عبد الله بن زبيد غير معروف العدالة، ذكره ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (2 / 2 / 62) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، ووثقه ابن حبان (7 / 23) ، وشيخه أبان هو ابن أبي عياش كذبه شعبة وغيره، فمثله لا يستشهد به، وله طريق أخرى عن أنس مختصرا بلفظ: من أصبح وأكبر همه الدنيا فليس من الله عز وجل.

أخرجه ابن أبي الدنيا في " ذم الدنيا " (6 / 1) عن الحارث بن مسلم الرازي وكانوا يرونه من الأبدال، عن زياد عنه.

وهذا سند واه جدا، زياد هذا هو ابن ميمون الثقفي وهو كذاب، ويحتمل أنه النميري وهو ضعيف، انظر الحديث (296) والحارث قال السليماني: فيه نظر، وله شاهد عن علي، أخرجه أبو بكر الشافعي في " مسند موسى بن جعفر الهاشمي (70 / 1) وفيه

موسى بن إبراهيم المروزي، كذبه يحيى بن معين.

وروى الحديث عن حذيفة وأبي ذر وابن مسعود، وتقدمت ألفاظهم قريبا، ومن ألفاظ حديث حذيفة:

312 - " من لا يهتم بأمر المسلمين فليس منهم، ومن لا يصبح ويمسي ناصحا لله ورسوله ولكتابه ولإمامه ولعامة المسلمين فليس منهم ".

ضعيف.

أخرجه الطبراني في " الصغير " (ص 188) و" الأوسط " (2 / 171 / 1 / 7626) وعنه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 252) من طريق عبد الله بن أبي جعفر الرازي عن أبيه عن الربيع عن أبي العالية عن حذيفة بن اليمان مرفوعا، وقال: لا يروى عن حذيفة إلا بهذا الإسناد.

قلت: وهو ضعيف من أجل عبد الله بن أبي جعفر وأبيه فإنهما ضعيفان، واقتصر الهيثمي في " المجمع " (1 / 87) في إعلال الحديث على تضعيف الابن فقط وهو قصور، فإن الأب أشد ضعفا من الابن "

سلسلة الاحاديث الضعيفة والموضوعة محمد ناصر الدين الالباني ج 1 ص 479 483