من القضايا التي يتداولها الباحثون في علم الحديث ما نُقل عن الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنه في مسألة الاستغفار لغير المسلم بعد وفاته. فقد ورد أثرٌ عنه يُظهر إجازة الاستغفار لرجل نصراني بعد موته، لكن علماء الحديث بيّنوا علله وضعفه سندًا ومتنًا. في هذا المقال نسلط الضوء على الرواية، ونتتبع أسانيدها، ونكشف وجوه ضعفها، مع بيان أقوال العلماء حولها، ليتضح للقارئ الكريم المنهج الصحيح في التعامل مع هذه المرويات.
نص الأثر:
حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا فضيل عن ضرار بن مُرّة عن سعيد بن جُبير قال:
«مات رجل نصراني، فوكله ابنه إلى أهل دينه، فأتيتُ ابن عباس فذكرتُ ذلك له فقال: ما كان عليه لو مشى معه وأجنه واستغفر له؟ ثم تلا قوله تعالى:
﴿وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ﴾ [التوبة: 114]».
دراسة الإسناد:
هذا الأثر ضعيف لعدّة أمور:
1- ابن وكيع: وهو سفيان بن وكيع، وأقل أحواله أنه ضعيف جدًّا.
2- في السند جاء "فضيل"، والصواب محمد بن فضيل، إذ هو الذي يروي عنه ابن وكيع ويروي عن ضرار بن مُرّة. وهذا التصحيف يزيد من اضطراب السند.
3- المتن فيه شذوذ، إذ يظهر منه جواز الاستغفار للكافر بعد موته، وهذا يخالف نصوص القرآن والسنة.
مختارات من موقع السقيفة: |
الادعاءات حول ولادة المهدي في كتب المؤرخين هل نَسِيَ الإمامُ الحسنُ أنَّ زينَ العابدين إمام؟ خيانة الوزير الشيعي علي بن يقطين في عهدهارون الرشيد |
كلام العلماء:
◘ نبه العلامة أحمد شاكر في تحقيق تفسير الطبري إلى هذا الخلل، وبيّن أن ظاهر المتن غير صحيح.
◘ اتفاق جمهور العلماء على أن الاستغفار للمشرك بعد وفاته ممنوع شرعًا، وهو ما دل عليه صريح القرآن.
الخاتمة:
يتبين من خلال هذه الدراسة أن الأثر المروي عن ابن عباس رضي الله عنه في جواز الاستغفار للنصراني بعد موته ضعيف سندًا ومتنًا، ولا يصح الاحتجاج به. كما أنه مخالف للنصوص القرآنية المحكمة التي تمنع الاستغفار للمشركين. وهذا يوضح أهمية التحقيق الحديثي والتثبت قبل نسبة الأقوال إلى الصحابة رضوان الله عليهم.