من الأحاديث المنتشرة بين الناس والمتعلقة بزيارة القبور ما ورد في قراءة سورة الفاتحة عند رأس الميت وخاتمة سورة البقرة عند قدميه بعد دفنه. وقد اعتقد بعض الناس بصحته، بل استدل به آخرون على جواز أو استحباب القراءة عند القبور. إلا أن التحقيق العلمي لأهل الحديث، وعلى رأسهم الإمام محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله، بيّن أن هذا الحديث ضعيف جداً لا تقوم به حجة، بل فيه رواة متروكون ومجاهيل. في هذا المقال سنعرض نص الحديث، وأقوال الأئمة في إسناده، وبيان وجه ضعفه، مع ذكر موقف السلف والعلماء من القراءة على القبور.

قال الامام الالباني:

" 4140 - (إذا مات أحدكم فلا تحسبوه، وأسرعوا به إلى قبره، وليقرأ عند رأسه بفاتحة الكتاب، وعند رجليه بخاتمة البقرة في قبره) .

ضعيف جداً

أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (12/ 444/ 13613)، والبيهقي في "الشعب" (7/ 16/ 9294) من طريق يحيى بن عبد الله البابلتي: أخبرنا أيوب بن نهيك الحلبي - مولى آل سعد بن أبي وقاص - قال: سمعت عطاء بن أبي رباح: سمعت عبد الله بن عمر:

 سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول:

فذكره. وقال البيهقي: "لم يكتب إلا بهذا الإسناد فيما أعلم، وقد روينا القراءة المذكورة فيه عن ابن عمر موقوفاً عليه".

قلت: وقال الهيثمي في "المجمع" (3/ 44): "رواه الطبراني في "الكبير"، وفيه يحيى بن عبد الله البابلتي، وهو ضعيف".

وأقول: لقد شغل بإعلاله بهذا الضعيف عن إعلاله بمن هو أشد ضعفاً منه، وهو شيخه أيوب بن نهيك؛ قال الذهبي في "المغني": "تركوه".

وقد أشار إلى هذا الحافظ حين ساق له حديثاً آخر غير هذا في "اللسان" سيأتي برقم (5087)، وذكره من مناكيره عقب عليه بقوله:"ويحيى ضعيف، لكنه لا يحتمل هذا".

وهذا من دقة نقده رحمه الله تعالى.

وأما الأثر الذي أشار إليه البيهقي رحمه الله؛ فهو مع كونه موقوفاً ففيه عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج؛ وهو مجهول؛ كما حققته في "أحكام الجنائز" (ص 192)، وقول الهيثمي في "المجمع" (3/ 44): "رواه الطبراني في "الكبير"، ورجاله موثقون".

فهو مما لا ينافيه، بل هو يشير إلى جهالته؛ لأن "موثقون" غير "ثقات" عند من يفهم الهيثمي واصطلاحه، وهو يعني أن بعض رواته توثيقه لين، وهو يقول هذا في الغالب فيما تفرد بتوثيقه ابن حبان، ولا يكون روى عنه إلا راو واحد، وهذا هو الواقع في عبد الرحمن هذا كما هو مبين هناك، وقد جهل هذه الحقيقة بعض أهل الأهواء؛ فقال الشيخ عبد الله الغماري في رسالته: "إتقان الصنعة" (ص 110) معقباً على قول الهيثمي "موثقون" ومعتمداً عليه: "قلت: فإسناده حسن"!

وجعله من أدلة القائلين بوصول القراءة إلى الميت، ولا يخفى فساده! ثم أتبعه بحديث الترجمة ساكتاً عنه، متجاهلاً تضعيف الهيثمي لراويه البابلتي، وهو على علم به؛ لأنه منه نقل أثر ابن اللجلاج المذكور آنفاً. ثم ادعى اختلاف آخر الحديث عند الطبراني عنه عند البيهقي، وهو خلاف الواقع.

وقد ستر عليه ظله المقلد له:

 السقاف؛ فإنه لم يذكر الحديث بتمامه حتى لا يخالف شيخه! انظر ما أسماه بـ "صحيح صفة النبي - صلى الله عليه وسلم -" (ص 243) .

هذا أولاً.

وثانياً: إنه قال: "قلت: وهو حديث حسن، وحسنه شيخنا ... قلت: بل هو حديث صحيح، احتج به ابن معين كما في "تهذيب الكمال" للمزي (22/ 537-538) والإمام أحمد وعلي بن موسى الحداد؛ كما روى ذلك الخلال. وفي معناه حديث آخر ضعيف الإسناد إلا أنه حسن بهذا الشاهد ... ". ثم ذكر حديث الترجمة إلى قوله: "فاتحة الكتاب" دون تتمته؛ حتى لا يظهر بمظهر المخالف لشيخه كما ذكرت آنفاً!

وأقول: في هذا الكلام غير قليل من الأضاليل والأكاذيب، وهاك البيان:

الأول: ما عزاه لـ "التهذيب"؛ فإنه ليس فيه ما زعمه من الاحتجاج؛ فإن نصه فيه:

"وقال عباس الدوري: سألت يحيى بن معين عن القراءة عند القبر؟ فقال: حدثنا مبشر بن إسماعيل الحلبي عن عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج ... "

قلت: فذكر الأثر. فليتأمل القارىء كيف حرف جواب ابن معين للسائل إلى الاحتجاج بما روى له بالإسناد لينظر فيه؟!

الثاني: ما عزاه لأحمد؛ منكر لسببين:

أحدهما: أن شيخ الخلال فيه الحسن بن أحمد الوراق؛ لا يعرف.

والآخر: أنه مخالف لما رواه أبو داود قال: "سمعت أحمد سئل عن القراءة عند القبر؟ فقال: لا".

وهو مذهب جمهور السلف كأبي حنيفة ومالك، وقال هذا: "ما علمت أحداً يفعل ذلك".

فكيف مع هذا كله يكون هذا العزو لأحمد، بل وأثر ابن عمر نفسه صحيحاً؟!

الثالث: ما عزاه لعلي بن موسى الحداد، يقال فيه ما قلنا في الذي قبله؛ لأن الراوي عنه هو الوراق المذكور آنفاً، بل وزيادة؛ وذلك؛ لأن الحداد هذا غير معروف في الرواة فضلاً عن العلماء، فكيف جاز لذاك السقاف أن يقرنه مع الإمامين ابن معين وأحمد، ولا يعرف إلا في رواية الخلال هذه؛ لولا الهوى والإضلال!

الرابع: قوله: "حديث حسن" يناقض قوله: "بل هو حديث صحيح"؛ لأن الأول - وهو قول شيخه الغماري كما تقدم - إنما يعني في اصطلاح العلماء أنه حسن لغيره، وهو حديث الترجمة، ولذلك ذكره عقبه، ولولا ذاك لقال: حسن الإسناد، كما لا يخفى على النقاد. وإذا كان الأمر كذلك، فاحتجاج ابن معين به وغيره لو صح عنهم - ولم يصح كما تقدم - لا يكون دليلاً على أنه صحيح؛ لأن الحسن يحتج به أيضاً عند العلماء.

فماذا يقول القراء الكرام فيمن يتكلف ما سبق في سبيل تقوية حديث واه جداً، مع مخالفته لما عليه جماهير العلماء من القول بكراهة قراءة القرآن عند القبور كما هو مشروح في الكتاب السابق: "أحكام الجنائز"؟! فليرجع إليه من شاء الزيادة "

سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة محمد ناصر الدين الالباني ج 9 ص 153 - 156