علم الرجال من أهم العلوم التي ميّزت الأمة الإسلامية، إذ به يُعرف الثقة من غيره، ويُميّز المقبول من المردود. لكن الغريب أن بعض المعترضين على أهل السنة – ومنهم عبد الحسين الأميني في كتابه الغدير لم يسلموا من التناقض، حيث طعن الأميني في اعتماد أهل السنة على زياد بن أبيه، بينما نجد أن علماء الشيعة أنفسهم قد ذكروه في مصنفاتهم، بل عدّوه من المعتبرين ورووا عنه، بل واستعمله علي بن أبي طالب رضي الله عنه عاملاً على البصرة. وفي هذا المقال نعرض نصوص الأميني واعتراضه، ثم نورد ما جاء في مصادر الإمامية من اعتماد على زياد، لنُظهر التناقض الصارخ.

اعتراض الأميني

قال الأميني في الغدير:

 «مشكلة الثقة والثقات هذا شأن من لا يوثق به وبحديثه عند القوم، وأما من يوصف بالثقة فهناك مشكلة عويصة... فهلم معي نقرأ تاريخ جمع نص على ثقتهم نظراء:

1- زياد بن أبيه صاحب الطامات والجرائم الموبقة... قال خليفة بن خياط: كان يعد من الزهاد. وقال أحمد بن صالح: لم يكن يتهم بالكذب. تاريخ ابن عساكر 5 406، 414].

2- عمر بن سعد بن أبي وقاص قاتل الإمام السبط الشهيد قال العجلي: ثقة صه ص 140....

3- عمران بن حطان رأس الخوارج...» صاحب الشعر المعروف في ابن ملجم المرادي يا ضربة من تقي ما أراد بها:

إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا إني لأذكره حينا فأحسبه.

أوفى البرية عند الله ميزانا وثقه العجلي وجعله البخاري من رجال صحيحه وأخرج عنه

الغدير عبد الحسين أحمد الأميني - ج 5 ص 293 294.

الأميني اعترض على أن أهل السنة وثّقوا زياد بن أبيه، وعدّه من الطامات.

موقف علماء الإمامية

لكن المدهش أن الإمامية أنفسهم اعتمدوا على زياد بن أبيه، وذكروه ضمن المعتبرين:

قال الطوسي:

«زياد بن عبيد، عامله عليه السلام على البصرة».

(رجال الطوسي ص 65).

وقال الحلي:

«زياد بن عبيد، عامل علي (عليه السلام) على البصرة».

(خلاصة الأقوال ص 148).

والطامة التي اتى بها الحلي في ترجمة زياد ذكره في القسم الأول، وهذا القسم قد جعله الحلي لمن تُعتمد روايته، او ترجح قبوله عنده، حيث قال: " وقد سمينا هذا الكتاب ب‍ " خلاصة الأقوال في معرفة الرجال ":

«الأول: فيمن اعتمد على روايته، أو ترجح عندي قبول قوله».


(خلاصة الأقوال ص 44 45).

وقال ابن داود:

«زياد بن عبيدي، عامله على البصرة».

(رجال ابن داود ص 99).

وقد جاء في الكافي:

 " 12 - مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ النُّعْمَانِ عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَالَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَا سُلَيْمَانُ أَ تَدْرِي مَنِ الْمُسْلِمُ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ أَنْتَ أَعْلَمُ قَالَ الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَ يَدِهِ ثُمَّ قَالَ وَ تَدْرِي مَنِ الْمُؤْمِنُ قَالَ قُلْتُ أَنْتَ أَعْلَمُ قَالَ إِنَّ الْمُؤْمِنَ مَنِ ائْتَمَنَهُ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ وَ الْمُسْلِمُ حَرَامٌ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَظْلِمَهُ أَوْ يَخْذُلَهُ أَوْ يَدْفَعَهُ دَفْعَةً تُعَنِّتُهُ " اهـ

الكافي الكليني ج 2 ص 233 234، وقد قال المجلسي عن الرواية في مرآة العقول صحيح ج 9 ص 241

تناقض واضح:

إذن، كيف يطعن الأميني في توثيق أهل السنة لزياد، في حين أن عليًا رضي الله عنه استعمله واليًا على البصرة، وأن كبار أئمة الإمامية ذكروه ضمن المعتبرين؟ أكان خفيًا على علي رضي الله عنه ما تبين للأميني؟!

بل إن الكافي يروي عن زياد، وجاء فيه عن أبي جعفر عليه السلام:

«يا سليمان، أتدري من المسلم؟... المؤمن من ائتمنه المسلمون على أموالهم وأنفسهم».

(الكافي الكليني ج 2 ص 233 234).

وقال المجلسي عن هذه الرواية: صحيح.

(مرآة العقول ج 9 ص 241).