كثرت الروايات التاريخية التي تتناول الخلافات السياسية والدينية بين الصحابة والتابعين، ومن أبرزها ما يُنسب إلى مروان بن الحكم من سبٍّ لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه على المنابر لسنوات طويلة. وهذه الرواية كثيرًا ما يستشهد بها بعض المغرضين لتشويه صورة الصحابة أو إثارة الفتنة بين المسلمين. ومن هنا تأتي أهمية التثبت من صحة الروايات سندًا ومتنًا، ومقارنتها بما ورد في المصادر المعتبرة، ليظهر للقارئ بوضوح الفرق بين الرواية الصحيحة وبين ما شذّ وضعف سنده.

أن مروان بن الحكم كان يسب عليا على المنابر

النص:

أن مروان بن الحكم كان يسبّ عليًا على المنابر.

محمد بن سعد، نا إسماعيل بن إبراهيم الأسدي، عن ابن عون، عن عمير بن إسحاق قال:

«إن مروان بن الحكم أميرا علينا ست سنين، فكان يسبّ عليًا كل جمعة على المنبر، ثم عُزل فاستُعمل سعيد بن العاص سنتين، فكان لا يسبّه، ثم عُزل وأعيد مروان فكان يسبّه» 

هذا سند ضعيف، ولو صح لكان شاذًا. فإنه يتعارض مع ما أخرجه الشافعي والبيهقي وابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن حاتم بن إسماعيل، عن جعفر بن محمد، عن أبيه: «أن الحسن والحسين رضي الله عنهما كانا يصليان خلف مروان، قال: فقيل له: ما كانا يصليان إذا رجعا إلى منازلهما؟ فقال: لا والله ما كانا يزيدان على صلاة الأئمة»

(مصنف ابن أبي شيبة 2/271، سنن البيهقي 3/122، مسند الشافعي ص56).

قال الألباني:

«وهذا سند صحيح على شرط مسلم إن كان أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم قد سمع من جديه الحسن والحسين، فقد قيل إنه لم يسمع من أحد من الصحابة، والله أعلم»

(إرواء الغليل 2/304).

وهذا الخبر يكذّب ما روي من أن مروان كان يسبّ عليًا على المنبر ست سنوات. فهل يتصور عاقل أن يصلي الحسن والحسين خلف من كان يسبّ أباهما عليًا رضي الله عنه؟

وسبب تضعيف هذه الرواية أو شذوذها ما حكاه أهل العلم عن عمير بن إسحاق.

فقد قالوا: «لا يساوي حديثه شيئًا».

وقال أبو حاتم: «ولا نعلم روى عنه غير ابن عون».

وذكر أن يحيى بن معين سئل عن حديثه فقال: «ثقة»

(الجرح والتعديل 6/375).

ولكن أكد يحيى جهالة حاله إلا من طريق ابن عون، فقال:
«سمعت يحيى يقول: كان عمير بن إسحاق لا يساوي شيئًا، ولكن يكتب حديثه.

قال أبو الفضل:

 يعني يحيى بقوله: إنه ليس بشيء، يقول إنه لا يُعرف، ولكن ابن عون روى عنه. فقلت ليحيى: ولا يكتب حديثه؟ قال: بلى»

(تاريخ ابن معين الدوري 2/195).

فتأكد أنه مجهول لا يُعرف إلا من خلال عبد الله بن عون. ولهذا اعتبرت رواياته من المراسيل.

قال الخطيب في الكفاية في تعريف المجهول:

«المجهول عند أصحاب الحديث هو كل من لم يشتهر بطلب العلم في نفسه، ولا عرفه العلماء به، ومن لم يُعرف حديثه إلا من جهة راوٍ واحد مثل: عمرو ذي مر، وجبار الطائي، وعبد الله بن أَغَرّ الهمداني، والهيثم بن حنش... ومثل عمير بن إسحاق، لم يروِ عنه سوى عبد الله بن عون»

الكفاية في علم الرواية 1/88، التقييد والإيضاح للعراقي 1/147.

وهذه الرواية الضعيفة تتعارض مع الروايات الأخرى المؤكِّدة لصلاة الحسن والحسين خلف مروان بن الحكم.

ومن أدلة كذب الرواية أن خبر هذا السبّ المزعوم لم يتواتر بين الصحابة ولا التابعين، مع أن الرواية تتضمن أنه كان يُعلن أمام الآلاف سبَّ عليٍّ رضي الله عنه كل جمعة، ولم يلتفت أحد إلى مثل هذه الرواية. بل بقيت من شذوذ الروايات وغرائبها، لا سيما وقد كُذِب على مروان كثيراً. ولهذا نجد البخاري قد روى عنه رواية.