من أبطل ما تروّجه الفرق الضالّة في عقائدها المنحرفة، زعمهم أن القرآن الكامل الحقيقي ليس هو الذي بين أيدي المسلمين، بل هو مصحف خاص بالإمام عليّ رضي الله عنه، وأن هذا المصحف محفوظ اليوم عند المهدي المنتظر المزعوم! وتُعدّ هذه الدعوى من أخطر الافتراءات التي تهدم أصلًا من أصول الدين، وهو الإيمان بحفظ الله تعالى لكتابه إلى يوم القيامة، كما قال سبحانه: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: 9]
وقد نقلت بعض كتبهم المعتمدة هذا الزعم الباطل، منها كتاب إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب لعلي الحائري (ت 1333هـ)، حيث ذكر روايات تنصّ على أن القرآن الذي جمعه عليّ بن أبي طالب عليه السلام محفوظ عند (صاحب الأمر)، أي المهدي المنتظر، وأن القرآن الموجود بين أيدي المسلمين اليوم ناقص أو محرّف! وهذه المقالة تتناول بالنقد العلمي هذا الزعم، وتكشف جذوره ومخالفته الصريحة للقرآن والعقل والإجماع.
النص المنقول من كتبهم: |
جاء في إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب لعلي الحائري (الجزء 2، صفحة 82):
«فنادى ابن أبي قحافة بالمسلمين وقال لهم: كل من عنده قرآن من آية أو سورة فليأت بها، فجاءه أبو عبيدة بن الجراح، وعثمان، وسعد بن أبي وقاص، ومعاوية بن أبي سفيان، وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة بن عبيد الله، وأبو سعيد الخدري، وحسان بن ثابت، وجماعات المسلمين، وجمعوا هذا القرآن، وأسقطوا ما كان فيه من المثالب التي صدرت منهم بعد وفاة سيد المرسلين صلى الله عليه وآله، فلهذا ترى الآيات غير مرتبطة، والقرآن الذي جمعه أمير المؤمنين عليه السلام بخطه محفوظ عند صاحب الأمر عليه السلام، فيه كل شيء حتى أرش الخدش، وأما هذا القرآن فلا شك ولا شبهة في صحته، وإنما كلام الله سبحانه هكذا صدر عن صاحب الأمر عليه السلام».
التعقيب على الرواية: |
القول بتحريف القرآن كفر صريح:
الزعم بأن القرآن ناقص أو أن منه أجزاء مفقودة يناقض نصّ القرآن الكريم الذي يؤكد حفظه. قال تعالى: ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ [فصلت: 42].
مختارات من موقع السقيفة: |
موقف عمر سهم أهل البيت من الخمس خطورة الرافضة على الإسلام وأهله أسماء أشخاص أو فرق حذر الذهبي من مصنفاتهم |
ومن يعتقد أن المصحف الحقيقي مفقود أو عند شخص غائب فقد طعن في وعد الله بحفظ كتابه، وكذّب النصوص القطعية، وخرج عن جماعة المسلمين.
تناقض الرواية نفسها:
الراوي يعترف في نهاية النص بقوله: «وأما هذا القرآن فلا شك ولا شبهة في صحته»، ثم يناقض نفسه بالادعاء أن فيه نقصًا وحذفًا! وهذا يدلّ على اضطراب الرواية وتهافتها، مما يقطع بأنها من وضع الغلاة المتأخرين.
تاريخ جمع القرآن معروف ومثبت:
ثبت تاريخيًا أن جمع القرآن تمّ في عهد أبي بكر رضي الله عنه ثم نُسخ في المصاحف في عهد عثمان بن عفّان رضي الله عنه، على مرأى ومسمع من مئات الصحابة، وحُفظ بالتواتر جيلاً بعد جيل، دون زيادة أو نقصان.
بطلان زعم وجود (مصحف خاص بعليّ):
لم يثبت عن عليّ رضي الله عنه ولا عن أحد من الصحابة أنه أنكر جمع أبي بكر للقرآن، بل كان من المشاركين فيه. وما يُروى عن (مصحف عليّ) لا يعني نصًّا مختلفًا، بل ترتيبًا بحسب النزول، وهذا ما ذكره العلماء من أهل السنة والشيعة المعتدلين على السواء.
خلاصة القول: |
خرافة (المصحف مع المهدي) أكذوبة كبرى اخترعها الغلاة لإضفاء طابع القداسة على إمامهم الغائب، وهي عقيدة باطلة تخالف القرآن الكريم والسنة النبوية وإجماع الأمة. والقرآن الكريم الذي بين أيدي المسلمين اليوم هو كلام الله المحفوظ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو ذاته الذي تلاه رسول الله ﷺ وبلّغه لأصحابه رضي الله عنهم.