كثُرت الأحاديث التي وردت في شأن الإمام المهدي المنتظر في كتب الحديث، منها ما صحّ سنده وثبتت دلالته، ومنها ما لم يصحّ ووقع فيه الضعف أو الوضع. ومن الأحاديث التي تناقلها بعض الناس حديث «المهدي رجل من ولدي وجهه كالكوكب الدري، اللون لون عربي، والجسم جسم إسرائيلي»، وهو من الأحاديث التي استشهد بها بعض المؤلفين في وصف المهدي وصفاً دقيقاً من حيث الهيئة واللون والنسب. غير أن التحقيق العلمي في علم الحديث يكشف أن هذا الأثر لا يثبت عن النبي ﷺ، بل حكم عليه كبار الأئمة بالوضع لما في سنده من علل ظاهرة.
هذا المقال يسلّط الضوء على متن الحديث وسنده، مع بيان أقوال الأئمة والمحدثين حوله، وتوضيح سبب تضعيفه وبيان الصواب في هذه المسألة، تأصيلاً منهجياً وتحقيقاً علمياً يميز الصحيح من السقيم في روايات المهدي المنتظر
نص الحديث: |
رُوي عن أبي نعيم والروياني معلقاً، عن محمد بن إبراهيم بن كثير الأنطاكي، عن روّاد بن الجراح، عن سفيان، عن منصور، عن رُبَيِّع، عن حذيفة رضي الله عنه مرفوعاً:
«المهدي رجل من ولدي، وجهه كالكوكب الدري، اللون لون عربي، والجسم جسم إسرائيلي، يملأ الأرض عدلاً كما مُلئت جوراً، يرضى خلافته أهل السماء وأهل الأرض والطير في الجو، يملك عشرين سنةً».
رواه الديلمي في مسند الفردوس (ص 443).
دراسة السند والحكم عليه: |
قال ابن الجوزي:
«هذا حديث موضوع»
(العلل المتناهية 2/858)
وقال الإمام الألباني رحمه الله:
«أخرجه الديلمي (4/84–85)، وهذا موضوع؛ آفته الأنطاكي هذا».
ثم نقل عن الذهبي قوله:
«روى عن روّاد بن الجراح خبراً باطلاً أو منكراً في ذكر المهدي (يعني هذا الحديث)».
وقال عبد الرحمن بن حمدان الجلاب:
«هذا باطل، ومحمد الصوري – يعني الأنطاكي – لم يسمع من روّاد، وكان هذا غالياً في التشيع».
وذكر الحافظ ابن حجر في لسان الميزان:
«وهذا الكلام برمته منقول من كتاب الأباطيل للجورقاني، ومحمد بن إبراهيم قد ذكره ابن حبان في الثقات».
قال الألباني معلقاً:
«فإن ثبت أنه ثقة فالعلة من روّاد بن الجراح، فإنه وإن كان صدوقاً فقد كان اختلط بآخره فترك، كما في التقريب، فيكون الحديث من تخاليطه» (السلسلة الضعيفة 10/211، حديث رقم 4684، وانظر الجامع الصغير وزيادته 1/1272 حديث رقم 12717).
التحليل العلمي للحديث: |
هذا الحديث تضافرت أقوال العلماء على بطلانه، لأسباب أهمها:
1) الانقطاع بين محمد بن إبراهيم وروّاد بن الجراح، مما يسقط السند.
2) وجود غلوّ في التشيّع عند بعض رواته، وهو ما أشار إليه الأئمة كسبب في نكارة المتن.
3) رواية روّاد بعد الاختلاط، مما يجعل جميع مروياته المتأخرة غير مقبولة.
4) مخالفة المتن للأحاديث الصحيحة التي وردت في صفات المهدي، فلم يرد في أي حديث صحيح وصفٌ للمهدي بجسم «إسرائيلي» أو لون معين.
المصادر: |
1) مسند الفردوس – الديلمي (ص 443).
2) العلل المتناهية – ابن الجوزي( (2/858.
3) ميزان الاعتدال – الذهبي (7/317) .
4) لسان الميزان – ابن حجر.
5) السلسلة الضعيفة – الألباني (10/211، رقم 4684).
6) الجامع الصغير وزيادته – الألباني 1/1272 ) ).