القراءات السبع في القرآن بين مصادر الإمامية وأهل السنة

من القضايا العقدية والعلمية الدقيقة التي وقع فيها الخلاف بين العلماء، مسألة القراءات السبع الواردة في القرآن الكريم، والتي تُمثّل وجهاً من وجوه الإعجاز الإلهي في التنوع اللفظي مع وحدة المعنى. وقد نقلت الأمة الإسلامية عبر أجيالها المتتابعة القراءات المتواترة التي أُجمع على صحتها، إذ نزل القرآن على سبعة أحرف تيسيراً ورحمة بالأمة، كما ورد في الحديث الصحيح المتواتر عن النبي ﷺ.

إلا إن بعض الفرق الضالة - كالإمامية الاثني عشرية - قد تناولت مفهوم الأحرف السبعة والقراءات بطرحٍ مختلف عن جمهور المسلمين، مما أدى إلى ظهور إشكالات عقدية ومنهجية في تفسيرهم للقرآن الكريم وطريقة تلاوته. وفي هذا المقال نستعرض أقوال كبار علمائهم في تفسير الأحرف السبعة وموقفهم من القراءات، مع مناقشة هذه المرويات من حيث المضمون والدلالة، وبيان التناقض الواضح في عقيدتهم بخصوص القرآن وقراءاته، وموقفهم من المصحف العثماني الذي أجمعت الأمة عليه.

قول المازندراني بالأحرف السبعة:

لقد صرح المازندراني وهو من علماء الامامية بأن المراد من الأحرف السبعة سبع لغات من لغات العرب، حيث قال: "

قوله (إن اسم الله الأعظم على ثلاثة وسبعين حرفا) أي على ثلاثة وسبعين لغة مثل قوله (عليه السلام) «نزل القرآن على سبعة أحرف» فإن المراد إنه على سبع لغات من لغات العرب كلغة قريش ولغة هذيل ولغة هوازن ولغة اليمن وغيرها "

شرح أصول الكافي - محمد صالح المازندراني - ج 5 - ص 317

وقال الحر العاملي:

" 74 - باب وجوب القراءة في الصلاة وغيرها بالقراءات السبعة المتواترة دون الشواذ والمروية

(7630) 1 - محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن عبد الرحمن بن أبي هاشم عن سالم أبي سلمة قال قرأ رجل على أبي عبد الله (عليه السلام) وأنا أستمع حروفا من القرآن ليس على ما يقرأها الناس فقال أبو عبد الله (عليه السلام) كف عن هذه القراءة اقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم فإذا قام القائم قرأ كتاب الله على حده وأخرج المصحف الذي كتبه علي (عليه السلام) الحديث.

 (7631) 2 - وعن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن محمد بن سليمان عن بعض أصحابه عن أبي الحسن (عليه السلام) قال قلت له جعلت فداك إنا نسمع الآيات من القرآن ليس هي عندنا كما نسمعها ولا نحسن إن نقرأها كما بلغنا عنكم فهل نأثم؟ فقال لا اقرؤا كما تعلمتم فسيجيئكم من يعلمكم.

(7632) 3 - وعنهم عن سهل عن علي بن الحكم عن عبد الله بن جندب عن سفيان بن السمط قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن تنزيل القرآن فقال: اقرؤا كما علمتم.

(7633) 4 - وعن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن داود بن فرقد والمعلى بن خنيس جميعا قالا: كنا عند أبي عبد الله (عليه السلام) فقال إن كان ابن مسعود لا يقرأ على قراءتنا فهو ضال

(7634) 5 - ثم قال أما نحن فنقرؤه على قراءة أبى الفضل بن الحسن الطبرسي في (مجمع البيان) نقلا عن الشيخ الطوسي قال روى عنهم عليهم السلام جواز القراءة بما اختلف القراء فيه.

(7635) 6 - محمد بن علي بن الحسين في كتاب (الخصال) عن محمد بن علي ماجيلويه عن محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد عن أحمد بن هلال عن عيسى بن عبد الله الهاشمي عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله أتاني آت من الله فقال: إن الله يأمرك إن تقرأ القرآن على حرف واحد فقلت: يا رب وسع على أمتي فقال: إن الله يأمرك إن تقرأ القرآن (على حرف واحد فقلت: يا رب وسع على أمتي فقال إن الله يأمرك إن تقرأ القرآن ) على سبعة أحرف "

وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 6 ص 162 – 164

فالمفهوم من اسم الباب والروايات الواردة إن الشيعة مأمورون بأن يقرأوا كما يقرأ الناس ((والمقصود بالناس هم أهل السنة وهذا واضح لانهم هم الذين حفظوا القرآن الكريم ونقلوه جيلا بعد جيل وتحقق بهم التواتر))، وفي بعض هذه الروايات ايضا امر الله تعالى لنبيه صلى الله عليه واله وسلم إن يقرأ القرآن على سبعة أحرف، والنبي صلى الله عليه واله وسلم هو المعلم للإمة، ومنه يأخذون التشريع، وذلك لان الله تعالى قد امتن به على الامة في تلاوة الآيات، والتزكية، وتعليمهم الكتاب والحكمة، كما قال الله تعالى: {لقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [ال عمران: 164]، فما علمهم النبي صلى الله عليه واله وسلم فهم مقتدون به، ولقد قرا النبي صلى الله عليه واله وسلم القرآن على سبعة أحرف، وقد اخذت الامة قراءة القرآن الكريم من نبيها صلى الله عليه واله وسلم.

وتوجد اشكالية عند الامامية الا وهي:

إنه قد ورد عندهم إن القراءة الصحيحة المعتبرة هي قراءة إبي بن كعب رضي الله عنه، وقد اعترف الفيض الكاشاني بأن هذه القراءة لم تُضبط عند الامامية ولم تصل اليهم جميع الفاظها.

قال الفيض الكاشاني:

" 9085 3 الكافي، 2/ 634/ 27/ 1 محمد عن أحمد عن علي بن الحكم عن عبد اللَّه بن فرقد و المعلى بن خنيس قالا كنا عند أبي عبد اللَّه ع و معنا ربيعة الرأي فذكر القرآن فقال أبو عبد اللَّه ع إن كان ابن مسعود لا يقرأ على قراءتنا فهو ضال فقال ربيعة ضال فقال نعم ضال ثم قال أبو عبد اللَّه ع أما نحن فنقرأ على قراءة أبي.

بيان المستفاد من هذا الحديث:

إن القراءة الصحيحة هي قراءة أبي بن كعب وأنها الموافقة لقراءة أهل البيت ع إلا أنها اليوم غير مضبوطة عندنا إذ لم يصل إلينا قراءته في جميع ألفاظ القرآن و ربما يجعل المكتوب بصورة أبي في هذا الحديث الأب المضاف إلى ياء المتكلم و هو بعيد جدا "

الوافي - الفيض الكاشاني - ج 9 ص 1776

فنقول للإمامية إن لم تقولوا، أو تعتقدوا بما يقوله أهل السنة، فأنكم على ضياع، وضلال، وذلك لعدم وجود قرآن محفوظ عندكم، فالمحفوظ هو القرآن الكريم الذي كتبه الصحابة الكرام بأمر أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه نقلا عن النبي صلى الله عليه واله وسلم.

ولقد ورد عند الامامية وجوب القراءة بالقراءات السبعة المتواترة الموجودة عند أهل السنة، ولقد نقلت كلام الحر العاملي بذلك في اسم الباب الذي بوبه في وسائل الشيعة.

وقال محمد جواد العاملي:

"وقال الشهيد الثاني في «المقاصد العلية»: إن كلا من القراءات السبع من عند الله تعالى نزل به الروح الأمين على قلب سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلم الطاهرين تخفيفا على الأمة وتهوينا على أهل هذه الملة "

مفتاح الكرامة - محمد جواد العاملي - ج 7 - شرح ص 215

وقال الحلي:

" يجوز إن يقرأ بأي قراءة شاء من السبعة لتواترها أجمع ولا يجوز إن يقرأ بالشاذ وإن اتصلت روايته لعدم تواترها وأحب القرآن إلى ما قرأه عاصم من طريق أبي بكر بن عياش وقراءة أبي عمرو بن أبي العلا فإنهما أولى من قراءة حمزة والكسائي لما فيهما من الادغام والإمالة وزيادة المد وذلك كله تكلف ولو قرأ به صحت صلاته بلا خلاف "

منتهى المطلب - الحلي - ج 1 ص 273

وقال اليزدي:

" مسألة 50: الأحوط القراءة بإحدى القراءات السبعة وإن كان الأقوى عدم وجوبها، بل يكفي القراءة على النهج العربي وإن كانت مخالفة لهم في حركة بنية أو إعراب " العروة الوثقى - اليزدي - ج 2 ص 519 – 520

وقال الوحيد البهبهاني:

" والمشهور بيننا: جواز العمل بقراءة السبعة المشهورة، والدليل على ذلك تقرير الأئمة عليهم السلام بل الامر بأنه يقرأ كما يقرأ الناس إلى قيام القائم عليه السلام " الفوائد الحائرية - الوحيد البهبهاني - ص 286

وقال الفياض: " مسألة 614:

يجب أن تكون القراءة صحيحة، بمعنى أن تكون موافقة لما هو مكتوب في المصحف الشريف أو لإحدى القراءات السبعة المشهورة، فيجب على المصلي أداء حروف الكلمات وإخراجها من مخارجها على النحو اللازم في لغة العرب، وأن تكون هيئة الكلمة موافقة للأسلوب العربي الصحيح في الحركات والإعراب والبناء والسكون والحذف والقلب والإدغام والمد الواجب وغير ذلك، فإن أخل بشيء من ذلك عامدا وملتفتا بطلت الصلاة"

منهاج الصالحين - محمد إسحاق الفياض - ج 1 - ص 251

ومن طوام المجلسي في هذا الموضوع إنه نقل جواز القراءة بهذا القرآن إلى أن يظهر مهديهم فيقرأ بقراءة واحدة، وهذا يعني أن هناك خللا في هذا القرآن والعياذ بالله تعالى، فلو لم يعتقد المجلسي، وغيره ممن يقول بقوله بخلل في القرآن، فلماذا يعلمهم مهديهم قراءة واحدة فقط، ويلغي الباقي؟ !!!،

قال المجلسي:

" " ولا ريب في إنه يجوز لنا الان إن نقرأ موافقا لقراءاتهم المشهورة كما دلت عليه الأخبار المستفيضة إلى أن يظهر القائم عليه السلام، ويظهر لنا القرآن على حرف واحد، وقراءة واحدة، رزقنا الله تعالى إدراك ذلك الزمان"

بحار الأنوار - المجلسي - ج 82 ص 65 – 66

فقد أكد المجلسي في قوله إن الإمام يُظهر القرآن الموجود عنده على حرف واحد، وقراءة واحدة، ولو كان القرآن الموجود عنده موافقا لمصاحف المسلمين لما كانت هناك حاجة إلى اظهاره، وحصر القراءة به!!!.