من المسائل التي كثر فيها الجدل بين العلماء والمذاهب مسألة الخُمس، إذ ورد ذكره في نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية، واختلف الفقهاء في بعض تفاصيل صرفه ومصارفه. وقد ورد في صحيح مسلم حديثٌ جليل يروي حوارًا بين نَجْدَة الحَرُوري وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما، سأل فيه الأول عن خمس مسائل منها حكم الخُمس، فأجابه ابن عباس بجواب جامع يوضح فهم الصحابة لمعناه ومصرفه.

وقد حاول بعض المتأولين الاستدلال بهذا الحديث على مقاصد بعيدة عن معناه الصحيح، ففهموه على غير وجهه، في حين أن كلام ابن عباس رضي الله عنه بيّن واضح لا لبس فيه، كما شرحه الإمام النووي وغيره من كبار العلماء.

في هذا المقال سنعرض نص الحديث كما ورد في صحيح مسلم، ثم نشرح معناه استنادًا إلى أقوال الأئمة كالإمام النووي، والشافعي، وابن الجوزي، ليتضح أن هذا الأثر لا حجة فيه لمن حاول الاستدلال به على مسائل لا علاقة لها بفهم السلف ولا بمسألة الخمس الشرعية الواردة في النصوص.

نص الحديث كما في صحيح مسلم:

قال الإمام مسلم رحمه الله تعالى: "137 - (1812) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ يَعْنِي ابْنَ بِلَالٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ، أَنَّ نَجْدَةَ، كَتَبَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَسْأَلُهُ، عَنْ خَمْسِ خِلَالٍ، فَقَالَ:

ابْنُ عَبَّاسٍ: لَوْلَا أَنْ أَكْتُمَ عِلْمًا مَا كَتَبْتُ إِلَيْهِ، كَتَبَ إِلَيْهِ نَجْدَةُ: أَمَّا بَعْدُ، فَأَخْبِرْنِي هَلْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْزُو بِالنِّسَاءِ؟ وَهَلْ كَانَ يَضْرِبُ لَهُنَّ بِسَهْمٍ؟ وَهَلْ كَانَ يَقْتُلُ الصِّبْيَانَ؟ وَمَتَى يَنْقَضِي يُتْمُ الْيَتِيمِ؟ وَعَنِ الْخُمْسِ لِمَنْ هُوَ؟ فَكَتَبَ إِلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَتَبْتَ تَسْأَلُنِي هَلْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْزُو بِالنِّسَاءِ؟ "وَقَدْ كَانَ يَغْزُو بِهِنَّ، فَيُدَاوِينَ الْجَرْحَى، وَيُحْذَيْنَ مِنَ الْغَنِيمَةِ، وَأَمَّا بِسَهْمٍ فَلَمْ يَضْرِبْ لَهُنَّ، وَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَقْتُلُ الصِّبْيَانَ، فَلَا تَقْتُلِ الصِّبْيَانَ، وَكَتَبْتَ تَسْأَلُنِي مَتَى يَنْقَضِي يُتْمُ الْيَتِيمِ؟ فَلَعَمْرِي، إِنَّ الرَّجُلَ لَتَنْبُتُ لِحْيَتُهُ وَإِنَّهُ لَضَعِيفُ الْأَخْذِ لِنَفْسِهِ، ضَعِيفُ الْعَطَاءِ مِنْهَا، فَإِذَا أَخَذَ لِنَفْسِهِ مِنْ صَالِحِ مَا يَأْخُذُ النَّاسُ فَقَدْ ذَهَبَ عَنْهُ الْيُتْمُ، وَكَتَبْتَ تَسْأَلُنِي عَنِ الْخُمْسِ لِمَنْ هُوَ؟ وَإِنَّا كُنَّا نَقُولُ: هُوَ لَنَا، فَأَبَى عَلَيْنَا قَوْمُنَا ذَاكَ "

 صحيح مسلم - بَابُ النِّسَاءِ الْغَازِيَاتِ يُرْضَخُ لَهُنَّ وَلَا يُسْهَمُ، وَالنَّهْيِ عَنْ قَتْلِ صِبْيَانِ أَهْلِ الْحَرْبِ ج 3 ص 1444

شرح الإمام النووي للحديث:

قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم (12/191 192):

" قَوْلُهُ (وَكَتَبْتَ تَسْأَلُنِي عَنِ الْخُمُسِ لِمَنْ هُوَ وَإِنَّا كُنَّا نَقُولُ هُوَ لَنَا فَأَبَى عَلَيْنَا قَوْمُنَا ذَاكَ) مَعْنَاهُ خُمُسُ خُمُسِ الْغَنِيمَةِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ لِذَوِي الْقُرْبَى وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ فقال الشافعي مثل قول بن عَبَّاسٍ وَهُوَ أَنَّ خُمُسَ الْخُمُسِ مِنَ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ يَكُونُ لِذَوِي الْقُرْبَى وَهُمْ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَالْأَكْثَرِينَ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ وَقَوْلُهُ (أَبَى علينا قومنا ذاك) أي رأوا أنه لَا يَتَعَيَّنُ صَرْفُهُ

إِلَيْنَا بَلْ يَصْرِفُونَهُ فِي الْمَصَالِحِ وَأَرَادَ بِقَوْمِهِ وُلَاةَ الْأَمْرِ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ وَقَدْ صَرَّحَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ فِي رِوَايَةٍ لَهُ بِأَنَّ سُؤَالَ نَجْدَةَ لِابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ هَذِهِ المسائل كان في فتنة بن الزبير وكانت فتنة بن الزُّبَيْرِ بَعْدَ بِضْعٍ وَسِتِّينَ سَنَةً مِنَ الْهِجْرَةِ

ويضيف النووي نقلًا عن الإمام الشافعي:

وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجُوزُ أَنَّ بن عباس اراد بقوله أبي ذاك عينا قَوْمُنَا مَنْ بَعْدَ الصَّحَابَةِ وَهُمْ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ "

 شرح صحيح مسلم يحيى بن شرف النووي ج 12 ص 191 192

خلاصة القول:

فشرح الأثر واضح جدًا ولا حجة فيه للرافضة ويتلخص بعدة نقاط:

1) أن الخمس الذي نختلف فيه مع الرافضة هو خمس المكاسب الذي يأخذه علماء الرافضة من عوامهم، وأما خمس الفيء، والغنيمة فالنصوص القرآنية، والنبوية صريحة فيها، ولا يقول أحد بخلاف ذلك، فالخمس المشروع يكون من الغنيمة، والفيء كما صرح حبر الامة رضي الله عنه.

2) اعتراف ابن عباس رضي الله عنه أن ولاة الأمر يصرفون هذه الأموال في المصالح، أي أن تهمة السرقة، والعداء لأهل البيت مرفوعة عن ولاة الأمور.

3) أن سؤال نجدة الحروري كان في فتنة ابن الزبير رضي الله عنه، أي بعد موت معاوية رضي الله عنه، فنقل الامام النووي بعد نقله للأحداث كلام الإمام الشافعي بجواز أن يكون المراد بالولاة يزيد بن معاوية.

تفسير ابن الجوزي:

قال الإمام ابن الجوزي في كشف المشكل من حديث الصحيحين (1/459 460):

أن المقصود من قول ابن عباس رضي الله عنه أبى علينا قومنا هم بني المطلب، حيث قال: " وَأما الْخمس فَاعْلَم أَن الْغَنِيمَة إِذا حصلت عَن الْقِتَال بَدَأَ الإِمَام بالأسلاب، فَأَعْطَاهَا للمقاتلين، ثمَّ أخرج مُؤنَة الْغَنِيمَة: وَهِي أُجْرَة الَّذين حملوها وجمعوها وحفظوها، ثمَّ أخرج خمسها فَقَسمهُ على خَمْسَة أسْهم: سهم لله تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ، يصرف فِي الْمصَالح وسد الثغور وأزراق الْجند وَغَيرهَا. وَسَهْم لِذَوي الْقُرْبَى، وهم بَنو هَاشم وَبَنُو الْمطلب، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ ابْن عَبَّاس: فَأبى علينا قَومنَا، كَأَنَّهُ قَالَ: هُوَ لبني هَاشم، فَقَالَ بَنو الْمطلب: وَلنَا.... "

كشف المشكل من حديث الصحيحين عبد الرحمن بن علي بن الجوزي ج 1 ص 459 460

فخلاصة الكلام أن الأثر لا احتجاج به للرافضة، فالأمر يتعلق بمسألة فقهية خلافية عند الفقهاء في صرف الخمس، وهذا الخلاف مبني على فهم النصوص الشرعية لا أكثر.

المصادر:

1)    صحيح مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب النساء الغازيات يُرضخ لهن ولا يُسهم (ج 3 ص 1444).

2)    شرح صحيح مسلم يحيى بن شرف النووي (ج 12 ص 191192).

3)    كشف المشكل من حديث الصحيحين عبد الرحمن بن علي بن الجوزي (ج 1 ص 459460).

4)    القرآن الكريم، سورة الأنفال، الآية (41).