من بين العقائد الغريبة والمنحرفة التي انفردت بها فرقة الشيعة الإمامية ما يُعرف بـ عقيدة الطينة، وهي من أخطر ما أنتجته كتبهم من الخرافات التي تمسّ جوهر العدالة والمسؤولية الفردية في الإسلام.
تقوم هذه العقيدة على تقسيم البشر منذ الخلق إلى فريقين: خُلق بعضهم من طينة الجنة وآخرون من طينة النار، وبناءً على هذه الطينة تُحدد أفعالهم في الدنيا ومصيرهم في الآخرة! فالمؤمن عندهم مهما فعل من الذنوب والمعاصي فهو مغفور له لأنها تُنسب إلى “طينة الناصب”، أما المخالف (أي السني) فمهما عمل من خيرٍ وبرٍّ فهو مردود عليه لأنه من “طينة النار”.
هذه العقيدة لا تهدم فقط مبدأ العدل الإلهي الذي هو أساس الدين، بل تُسقط كذلك مفهوم المسؤولية الفردية وتفتح باب الانحراف والفساد الأخلاقي على مصراعيه، إذ تبرر ارتكاب الكبائر ما دام الفاعل من “شيعتهم”!
عقيدة الطينة:
حيث وضعوا فيها عشرات الروايات، حتى قال في ذلك الجزائري: إنّ أصحابنا قد رووا هذه الأخبار بالأسانيد المتكثّرة في الأصول وغيرها، فلم يبق مجال في إنكارها، والحكم عليها بأنّها أخبار آحاد، بل صارت أخبارًا مستفيضة، بل متواترة[1].
وهي من العقائد الخطيرة التي تحث الشيعة على فعل المنكرات وإفساد المجتمعات، ومن ثم تحثهم على نسبة وإرجاع كل هذه الموبقات إلى صحيفة السني يوم القيامة، ولعل ذكرنا بعض الروايات في الباب يإيجاز يوضح هذه العقيدة، وفيها - أيضاً - بيان لأخلاق الشيعة باعترافهم.
فعن أبي إسحاق الليثي قال:
قلت لأبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام: يا بن رسول الله! أخبرني عن المؤمن المستبصر إذا بلغ في المعرفة وكمل هل يزنى؟ قال: اللهم لا، قلت: فيلوط؟ قال: اللهم لا، قلت: فيسرق؟ قال: لا، قلت: فيشرب الخمر؟ قال: لا، قلت: فيأتي بكبيرة من هذه الكبائر أو فاحشة من هذه الفواحش؟ قال: لا. قلت: فيذنب ذنباً؟ قال: نعم. هو مؤمن مذنب ملم، قلت: ما معنى (ملم)؟ قال: الملم بالذنب لا يلزمه ولا يصير عليه. قال: فقلت: سبحان الله! ما أعجب هذا لا يزنى ولا يلوط ولا يسرق ولا يشرب الخمر ولا يأتي بكبيرة ولا فاحشة! فقال: لا عجب من أمر الله، إن الله تعالى يفعل ما يشاء ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون فمم عجبت يا إبراهيم؟ قلت: يا ابن رسول الله! إني أجد من شيعتكم من يشرب الخمر ويقطع الطريق ويخيف السبل ويزني ويلوط ويأكل الربا ويرتكب الفواحش ويتهاون بالصلاة والصيام والزكاة ويقطع الرحم ويأتي الكبائر، فكيف هذا، ولم ذاك؟! فقال: يا إبراهيم! هل يختلج في صدرك شئ غير هذا؟ قلت: نعم يا ابن رسول الله، أخرى أعظم من ذلك! فقال: وما هو يا أبا إسحاق؟ قال: فقلت: يا ابن رسول الله! وأجد من أعدائكم ومناصبيكم من يكثر من الصلاة ومن الصيام، ويخرج الزكاة، ويتابع بين الحج والعمرة، ويحرص على الجهاد، ويأثر على البر وعلى صلة الأرحام، ويقضي حقوق إخوانه ويواسيهم من ماله، ويتجنب شرب الخمر والزنا واللواط وسائر الفواحش، فمم ذاك؟! ولم ذاك؟! فَسِّره لي يا ابن رسول الله وبرهنه وبينه؛ فقد - والله - كدر فكري وأسهر ليلي وضاق ذرعي.
قال: فتبسم الباقر صلوات الله عليه، ثم قال: يا إبراهيم! إن الله تعالى خلق أرضاً سبخة خبيثة منتنة، ثم فجر منها ماء أجاجاً آسناً مالحاً فعرض عليها ولايتنا - أهل البيت - فلم تقبلها، فأجرى ذلك الماء عليها سبعة أيام حتى طبقها وعمها، ثم نضب ذلك الماء عنها، ثم أخذ من ذلك الطين فخلق منه الطغاة وأئمتهم، ثم مزجه بثفل طينتكم، ولو ترك طينتهم على حالها ولم يمزجها بطينتكم لم يشهدوا الشهادتين ولا صلوا ولا صاموا ولا زكوا ولا حجوا ولا أدوا الأمانة ولا أشبهوكم في الصور، وليس شيء أكبر على المؤمن من أن يرى صورة عدوه مثل صورته. قلت: يا ابن رسول الله! فما صنع بالطينتين، قال: مزج بينهما بالماء الأول والماء الثاني، ثم عركهما عرك الأديم، ثم أخذ من ذلك قبضة، فقال: هذه إلى الجنة ولا أبالي، وأخذ قبضة أخرى، وقال: هذه إلى النار ولا أبالي، ثم خلط بينهما، فوقع من سنخ المؤمن وطينته على سنخ الكافر وطينته، ووقع من سنخ الكافر وطينته على سنخ المؤمن وطينته، فما رأيته من شيعتنا من زنا أو لواط أو ترك صلاة أو صوم أو حج أو جهاد أو خيانة أو كبيرة من هذه الكبائر فهو من طينة الناصب وعنصره الذي قد مزج فيه؛ لأن من سنخ الناصب وعنصره وطينته اكتساب المآثم والفواحش والكبائر، وما رأيت من الناصب من مواظبته على الصلاة والصيام والزكاة والحج والجهاد وأبواب البر فهو من طينة المؤمن وسنخه الذي قد مزج فيه؛ لأن من سنخ المؤمن وعنصره وطينته اكتساب الحسنات واستعمال الخير واجتناب المآثم، فإذا عرضت هذه الأعمال كلها على الله تعالى قال: أنا عدل لا أجور، ومنصف لا أظلم، وحكم لا أحيف ولا أميل ولا أشطط، الحقوا الأعمال السيئة التي اجترحها المؤمن بسنخ الناصب وطينته، وألحقوا الأعمال الحسنة التي اكتسبها الناصب بسنخ المؤمن وطينته، ردوها كلها إلى أصلها. خذها إليك يا أبا إسحاق، فوالله إنه لمن غرر أحاديثنا وباطن سرائرنا ومكنون خزائننا، وانصرف ولا تطلع على سرنا أحداً إلا مؤمناً مستبصراً؛ فإنك إن أذعت سرنا بليت في نفسك ومالك وأهلك وولدك[2].
وعن عبد الله بن كيسان قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أخالط الناس في التجارات وغير ذلك، فأرى الرجل حسن السمت وحسن الخلق والأمانة، ثم أفتشه فأفتشه عن عداوتكم، وأخالط الرجل فأرى فيه سوء الخلق وقلة أمانة وزعارة، ثم أفتشه فأفتشه عن ولايتكم، فكيف يكون ذلك؟! قال: فقال لي: أما علمت - يا ابن كيسان - أن الله تبارك وتعالى أخذ طينة من الجنة وطينة من النار فخلطهما جميعاً، ثم نزع هذه من هذه، فما رأيت من أولئك من الأمانة وحسن السمت وحسن الخلق فمما مستهم من طينة الجنة، وهم يعودون إلى ما خلقوا منه، وما رأيت من هؤلاء من قلة الأمانة وسوء الخلق والزعارة فمما مستهم من طينة النار، وهم يعودون إلى ما خلقوا منه[3].
وفي رواية أنه سئل:
أرى الرجل من أصحابنا ممن يقول بقولنا خبيث اللسان، خبيث الخلطة، قليل الوفاء بالميعاد، فيغمني غماً شديداً، وأرى الرجل من المخالفين علينا حسن السمت، حسن الهدي، وفياً بالميعاد، فأغتم لذلك غما شديدا، فقال: أو تدرى لم ذاك؟! قلت: لا. قال: إن الله تبارك وتعالى خلط الطينتين فعركهما، وقال بيده هكذا راحتيه جميعاً واحدة على الأخرى، ثم فلقهما، فقال: هذه إلى الجنة، وهذه إلى النار، ولا أبالي، فالذي رأيت من خبث اللسان والبذاء وسوء الخلطة وقلة الوفاء بالميعاد من الرجل الذي هو من أصحابكم يقول بقولكم فبما التطخ بهذه من الطينة الخبيثة، وهو عائد إلى طينته، والذي رأيت من حسن الهدي وحسن السمت وحسن الخلطة والوفاء بالميعاد من الرجال من المخالفين فبما التطخ به من الطينة الطيبة. فقلت: جعلت فداك، فرجت عني فرج الله عنك[4].
وقد تفطن الشيعة إلى خطورة عقائد الزنادقة هذه، فالتمسوا الأعذار في علة إخفائها، بدلاً من إنكارها، حتى قال الجزائري في قول الصادق رحمه الله الآنف الذكر (ولا تطلع على سرنا أحداً). إنه يجوز أن يكون تقية - أو إتقاءً - على الشيعة، فإن عوامهم إذا سمعوا بمثل هذا أقبلوا على الإتيان بأنواع المحارم والذنوب، لعلمهم بأن وبالها الأخروي إنما هو على غيرهم[5].
والحق أننا قد أعرضنا عن تفصيل بيان هذه العقائد وذكر غيرها، خشية خروجنا عن موضوع الكتاب؛ فإن بيانها يتطلب مجلدات، ومن أراد التفصيل فعليه بطلبها في مظانها، وفيما ذكرناه كفاية لمعرفة علة أخذ القوم بالتقية؛ فإن أمثال هذه العقائد لا علاقة لها بالإسلام، فوجب على القائلين بها إخفاؤها وسترها، خشية أخذهم بها بحجة الزندقة والإلحاد، ومن ثم حملوا هذا الإخفاء على مبدأ التقية، الذي قد عرفت أنه إظهار الكفر عند الضرورة مع إبطان الإيمان، وليس العكس، فتأمل!
[1] الأنوار النعمانية، لنعمة الله الجزائري (1/293).
[2] علل الشرائع، للصدوق (2/606)، بحار الأنوار للمجلسي (5/228)، تفسير الميزان، للطباطبائي (1/182)، حديث الطلب والإرادة للجيلاني (153).
[3] المحاسن، للبرقي (1/136)، الكافي، للكليني (2/4)، شرح أصول الكافي، للمازندراني (8/10)، بحار الأنوار للمجلسي (5/251، 64/86)، موسوعة أحاديث أهل البيت (ع)، لهادي النجفي (3/159، 5/183)، تفسير نور الثقلين، للحويزي (1/702)، تفسير الميزان، للطباطبائي (8/98).
[4] المحاسن، للبرقي (1/137)، بحار الأنوار للمجلسي (5/251)، موسوعة أحاديث أهل البيت (ع)، لهادي النجفي (2/30).
[5] الأنوار النعمانية، لنعمة الله الجزائري (1/295).