من المعلوم أن الشيعة الإمامية الاثني عشرية ليست طائفة واحدة كما يُصوِّرها أتباعها، بل هي مذهب متشعب مليء بالفرق المتنازعة التي تتكفّر فيما بينها، حتى صارت كل طائفة تكذّب الأخرى وتلعنها باسم "الولاء لآل البيت". وهذه الفرق التي خرجت من رحم التشيّع - كالزيدية والواقفية والفطحية - إنما هي دليل واضح على أن هذا المذهب ليس من الإسلام في شيء، وإنما هو بناء بشري مضطرب يعتمد على الأحاديث الموضوعة والمرويات الباطلة التي وضعها رواة كذّابون لغايات دنيوية وسياسية.
وفي هذا المقال نسلّط الضوء على الفطحية، إحدى فرق الشيعة القديمة التي نشأت بعد وفاة الإمام جعفر الصادق - بحسب زعمهم - حيث انقسم أتباعه، فذهب بعضهم إلى إمامة ابنه عبد الله بن جعفر الأفطح، بينما تابع آخرون موسى الكاظم. وسنرى من خلال كتب الشيعة أنفسهم كيف أن الإمامية كفّروا الفطحية وعدّوهم من الضلال والمبتدعة.
تعريف الفطحية
فرقة شيعية قالت إن الإمامة بعد وفاة جعفر الصادق رحمه الله في ولده عبد الله المعروف بالأفطح. ويدخلونه بين أبيه وأخيه الكاظم، وقال البعض: أنهم يدخلونه بين الكاظم والرضا[1].
والاَفطح كما في اللسان: عريض الرأس، ورأس أفطح ومفطّح: عريض[2].
وقال الطريحي: الأفطح هو عبد الله بن جعفر الصادق ع، هو أفطح الرأس، وقيل أفطح الرجلين - أي عريضهما -. ورأس مفطح بالتشديد أي عريض. ورجل أفطح: بين الفتح أي عريض الرأس. وفطحه فطحا: جعله عريضا[3].
تعريف الفطحية من كتاب رجال الكشي
جاء في رجال الكشي الجزء الثالث، صفحة 245، ما نصه:
472 - الفطحية:
"هم القائلون بإمامة عبد الله بن جعفر بن محمد، وسموا بذلك لأنه قيل إنه كان أفطح الرأس، وقال بعضهم كان أفطح الرجلين، وقال بعضهم إنهم نسبوا إلى رئيس من أهل الكوفة يقال له عبد الله بن فُطيح.
والذين قالوا بإمامته عامة مشايخ العصابة، وفقهاؤها مالوا إلى هذه المقالة، فدخلت عليهم الشبهة لما رُوي عنهم (عليهم السلام) أنهم قالوا: الإمامة في الأكبر من ولد الإمام إذا مضى."
رجال الكشي – ج 3 ص 245
الفطحية: الانقسام العقائدي في أصل الإمامة
إنّ هذه الرواية تكشف أن عامة فقهاء الشيعة الأوائل كانوا على مذهب الفطحية، أي أنهم لم يؤمنوا بإمامة موسى الكاظم، بل عبد الله الأفطح، وهذا يهدم زعم الإمامية بأنهم ورثة خط آل البيت الصحيح.
إذ إنّ أصل الخلاف نشأ من الاعتماد على روايات غير معصومة في تحديد الأئمة، فوقعوا في التناقض، حتى انقسموا إلى عشرات الفرق، منها:
الفطحية: أتباع عبد الله بن جعفر الأفطح.
الواقفية: أتباع موسى الكاظم الذين أنكروا إمامة الرضا.
الزيدية: أتباع زيد بن علي بن الحسين.
الإسماعيلية: أتباع إسماعيل بن جعفر.
وبذلك يتبيّن أن ما يسمّى بـ"التشيّع الاثني عشري" لم يكن موجودًا أصلًا في القرن الثاني الهجري، بل هو مذهب تطوّر سياسيًّا وعقائديًّا عبر القرون.
الفطحية في نظر علماء الشيعة
لقد نصّ كبار مراجع الشيعة على ضلال الفطحية وكفرهم، حتى إنّ المجلسي والبحراني والأنصاري وغيرهم جعلوهم في منزلة واحدة مع النواصب والواقفية.
قال يوسف البحراني في الحدائق الناضرة (ج 5 ص 189):
"إن جميع من خرج عن الفرقة الإثني عشرية من أفراد الشيعة كالزيدية والواقفية والفطحية ونحوها، فإن حكمهم كحكم النواصب..."
أي أن الفطحية عند الشيعة الإمامية كالنواصب تمامًا، بل لا يُفرّقون بينهم في الحكم، رغم أن الفطحية من صميم المذهب الشيعي القديم!
وهذا يبرهن على أن عقيدة الإمامية قائمة على تكفير كل مخالف، حتى من داخل دائرتهم الضيقة.