تعد حادثة اغتيال الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه من أبرز الأحداث في التاريخ الإسلامي، وقد حاول بعض المغالطين تفسيرها تفسيرًا سطحيًا بقولهم إن أبا لؤلؤة المجوسي لم يقتل عمر إلا بدافع شخصي، متجاهلين الخلفية الشعوبية المعادية للإسلام والعرب في ذلك الزمان.
وفي هذا المقال نعرض هذه الدعوى الباطلة، ثم نرد عليها بالأدلة التاريخية والعقلية التي تُثبت أن اغتيال عمر رضي الله عنه لم يكن لثأرٍ شخصي، وإنما كان عملاً حاقدًا دافعه الكراهية للإسلام والمسلمين، وانتقامًا لما فعله عمر رضي الله عنه بفتح بلاد المجوس وإسقاط ملك الأكاسرة.
الشبهة
يدّعي بعض الطاعنين أن أبا لؤلؤة المجوسي قتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه بدافعٍ شخصي، بسبب مظلمةٍ وقعت عليه من مولاه المغيرة بن شعبة، زاعمين أن عمر لم ينصفه، وأن ما جرى كان ثأرًا بين عبدٍ ومولاه، وليس بدافع ديني أو سياسي.
الرد على الشبهة
أولًا: الخلفية الشعوبية المعادية للإسلام
إن انتشار الإسلام وقضاؤه على الممالك الكبرى – وعلى رأسها دولة الفرس – أثار حفيظة كثير من الفرس الذين حقدوا على العرب والمسلمين، فظهرت من بينهم حركة الشعوبية التي رفعت شعار المساواة ظاهريًا، لكنها كانت في حقيقتها تعبيرًا عن الحقد والانتقام من العرب الذين أسقطوا ملكهم ومجدهم الزائل.
وقد كان عمر رضي الله عنه – الذي فتح بلاد فارس وأزال عرش الأكاسرة – من أبرز ضحايا هذا الحقد الشعوبي.
ولذلك كان يمنع السبايا والمجوس من دخول المدينة إلا إذا أسلموا، لعلمه بما يضمرونه من كيدٍ وعداء، لكن بعض الصحابة ألحوا عليه بالسماح لبعضهم بدخول المدينة لخدمتهم، فوقع ما حذر منه عمر نفسه [1].
ثانيًا: اغتيال عمر رضي الله عنه لم يكن لثأر شخصي بل حقدًا على الإسلام
روى عمرو بن ميمون رضي الله عنه قصة مقتل عمر، فقال:
«... فما هو إلا أن كبّر فسمعته يقول: قتلني الكلب! فطار العلج بسكين ذات طرفين لا يمر على أحد يمينًا ولا شمالًا إلا طعنه، حتى طعن ثلاثة عشر رجلًا، مات منهم سبعة...» [4]
ولما سأل عمر رضي الله عنه ابن عباس عن القاتل، قال له: غلام المغيرة – أي أبو لؤلؤة –فقال عمر:
«الحمد لله الذي لم يجعل منيّتي بيد رجل يدّعي الإسلام!»
فلو كان القتل لثأر شخصي، لما طعن أبو لؤلؤة ثلاثة عشر رجلًا من المصلين، قتل منهم سبعة، بل كان سيقتصر على عمر وحده، لكن فعله يدل على حقدٍ دفينٍ على الإسلام وأهله.
ثالثًا: قصة أبي لؤلؤة المجوسي مع عمر رضي الله عنه
كان أبو لؤلؤة عبدًا للمغيرة بن شعبة، وكان المغيرة يستغلّه في عمل الرحى، يطالبه بأربعة دراهم يوميًا.
فجاء إلى عمر يشتكي قائلًا: "يا أمير المؤمنين، إن المغيرة قد أثقل عليَّ غلّتي، فكلمه أن يخفف عني"، فقال له عمر:
«اتقِ الله وأحسن إلى مولاك»، وكان عمر ينوي أن يكلم المغيرة في أمره، فغضب العبد وقال: "وسع الناس كلهم عدلك غيري"، فأضمر الشر وصنع خنجرًا ذا رأسين وسمّه، ثم اغتاله في صلاة الفجر [8].
فهذا ليس ثأرًا، بل حقدًا دفينًا تجلى في طعن عمر ومن حوله، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
«وأبو لؤلؤة كافر باتفاق أهل الإسلام، كان مجوسيًا من عباد النيران، فقتل عمر بغضًا في الإسلام وأهله، وحبًا للمجوس وانتقامًا للكفار لما فعل بهم عمر حين فتح بلادهم.»
رابعًا: دلائل الحقد الشعوبي في تصرف أبي لؤلؤة
تهديده المسبق لعمر:
ثبت أن عمر رضي الله عنه قال له يومًا: «ألم أحدث أنك تقول: لو أشاء لصنعت رحى تطحن بالريح؟».
فقال أبو لؤلؤة عابسًا: «لأصنعن لك رحى يتحدث الناس بها»، فقال عمر: «توعدني العبد!»
طعن ثلاثة عشر رجلًا من المسلمين:
لو كان يريد الثأر لنفسه، لما قتل غير عمر، ولكنه قتل سبعة من الصحابة أثناء صلاتهم، مما يثبت أن الهدف كان الانتقام من الإسلام لا من شخص عمر رضي الله عنه. [9]
خامسًا: تمجيد الروافض لقاتل عمر رضي الله عنه
ازداد الأمر وضوحًا في ما صنعه الروافض في إيران، إذ بنوا مشهدًا في مدينة كاشان أطلقوا عليه مرقد بابا شجاع الدين، وهو اسم أطلقوه على أبي لؤلؤة قاتل عمر، وكتبوا على جدرانه بالفارسية: "مرك بر أبو بكر، مرك بر عمر، مرك بر عثمان"
أي: الموت لأبي بكر، الموت لعمر، الموت لعثمان [10].
وهذا وحده كافٍ لفضح خلفية الحقد المجوسي الشعوبي التي كانت الدافع الحقيقي وراء قتل عمر رضي الله عنه.
الخلاصة
◘ لم يكن مقتل عمر رضي الله عنه ثأرًا شخصيًا كما يزعم أعداء الإسلام، وإنما كان عملاً شعوبيًا حاقدًا ضد الإسلام والعرب.
◘ أبو لؤلؤة المجوسي لم يكن مظلومًا، بل كان عبدًا كافرًا امتلأ صدره حقدًا بعد أن زال ملك الأكاسرة على يد المسلمين.
◘ لو كان القتل بدافع الثأر، لما قتل المصلين الأبرياء في المسجد.
◘ ما فعله الروافض من تمجيد قاتله تحت مسمى "بابا شجاع الدين" دليل دامغ على استمرار الفكر الشعوبي الفارسي المعادي للإسلام حتى اليوم.
المصادر والحواشي
[1] عمر بن الخطاب، د. علي الصلابي، دار الإيمان، الإسكندرية، 2002م، ص 718–719.
[2] الصنع: أي الصانع، ويشير إلى غلام المغيرة بن شعبة، أبي لؤلؤة فيروز.
[3] النبيذ: تمرٌ نُبذ في ماءٍ لاستعذاب الماء.
[4] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب قصة البيعة والاتفاق على عثمان بن عفان رضي الله عنه (3497).
[5] أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (1/70) رقم (77).
[6] الأرحاء: جمع رحا، وهي التي يطحن بها.
[7] وجأ: طعن أو ضرب.
[8] صحيح: أخرجه ابن حبان في صحيحه (15/331) رقم (6905)، وأبو يعلى في مسنده (5/116) رقم (2731)، وصححه الأرناؤوط.
[9] العلج: الرجل الشديد من كفار العجم، وهو يعني أبا لؤلؤة.
[10] عمر بن الخطاب، د. علي الصلابي، دار الإيمان، الإسكندرية، 2002م، ص 735–737 بتصرف يسير.