مدخل:

يثير بعض الشيعة قضية فدك في محاولة للطعن في عدالة الصحابة الكرام، وعلى رأسهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وخلق صورة عدائية مزيفة بين أهل البيت وبقية الأمة، متناسين أن العلاقة بين هؤلاء الأطهار كانت قائمة على المحبة والمودة والاحترام.

ما هي قضية فدك؟

فدك قرية تقع في خيبر أو في نواحي الحجاز، تحتوي على عين ماء ونخيل. كانت من الأراضي التي أفاء الله بها على رسوله صلى الله عليه وسلم، ولم تُفتح بقتال. وقد طلبت السيدة فاطمة رضي الله عنها هذه الأرض من أبي بكر بعد وفاة النبي، ظنًا أنها من الميراث.

لكن أبا بكر رضي الله عنه أجابها بالحديث الصحيح:

«نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركنا فهو صدقة».

وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفق من فدك على آل بيته ثم يصرف ما بقي في مصالح المسلمين. وأكد أبو بكر أنه ملتزم باتباع سنة النبي في هذا الأمر دون تغيير أو تخصيص.

رد فاطمة الزهراء ورضاها:

الروايات المعتبرة من كتب الشيعة أنفسهم (كابن الميثم البحراني والدنبلي) تذكر أن فاطمة رضي الله عنها رضيت بكلام أبي بكر وأخذت عليه العهد أن يستمر في هذا النهج.

جاء في "شرح نهج البلاغة" لابن ميثم:

"رضيت بذلك وأخذت العهد عليه به".

لكنّ بعض غلاة الشيعة لم يرق لهم أن ترضى فاطمة بالحكم، فاختلقوا روايات تطعن في الصحابة وتتهمهم بالردة، على الرغم من أن المصادر الشيعية نفسها تثبت عدالة موقف أبي بكر.

هل تصرف أبو بكر في فدك كان عدواناً؟

العجيب أن بعض كبار علماء الشيعة كابن أبي الحديد يروون أن أبا بكر كان يدفع غلة فدك لأهل البيت ما يكفيهم، ويصرف الباقي في سبيل الله، وأن الخلفاء من بعده، بل وعلي بن أبي طالب نفسه، ساروا على هذا النهج.

"كان عمر كذلك، ثم عثمان، ثم علي كذلك" – ["شرح نهج البلاغة"]

فأين الظلم المزعوم في هذا؟

حقيقة حديث "لا نورث" في مصادر الشيعة

الحديث الذي استند إليه أبو بكر مرويٌّ في كتب الشيعة أيضًا، ومنها:

"الكافي" للكليني، حيث جاء فيه أن:

"الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورثوا العلم" ["ج1، ص34"]

وفي روايات القمي:

"أما الحسن فإن له هيبتي وسؤددي، وأما الحسين فإن له جرأتي وجودي" ["الخصال" ص77]

فهذا تأكيد على أن الميراث النبوي في الدين والعلم، وليس في المال والعقار.

تناقضات فقهية شيعية في ميراث المرأة

من المفارقات المذهلة أن فقه الشيعة ينص على أن النساء لا يرثن من العقارات، ومع ذلك يحتجون بأن فاطمة كانت تطالب بفدك، وهي أرض زراعية!

جاء في "الكافي":

"النساء لا يرثن من الأرض ولا من العقار شيئاً" [ج7 ص137]

وفي "من لا يحضره الفقيه":

"أما الأرض والعقارات فلا ميراث لهن فيه" [ج4 ص347]

فكيف يطالبون اليوم بفدك على أنها ميراث لفاطمة، بينما فقههم يمنع هذا النوع من الميراث عن النساء؟

هل أغضب أبو بكر فاطمة؟

حتى هذه الدعوى باطلة؛ لأن أبا بكر رضي الله عنه عرض على فاطمة أن تأخذ من ماله الشخصي إن أرادت. ونقل المجلسي، رغم تشدده، قول أبي بكر:

"إن كنت تريدينها فخذي من مالي ما شئت، فإنك سيدة أبيك..."

فهل يُعقل بعد هذا أن يُقال إنه ظلمها أو جفاها؟

موقف علي بن أبي طالب والأئمة من قضية فدك

المثير للعجب أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهو زوج فاطمة، لم يرد فدك عندما تولى الخلافة، وقال:

"إني لأستحيي من الله أن أرد شيئاً منع منه أبو بكر وأمضاه عمر" [الشافي للمرتضى، شرح ابن أبي الحديد]

كما أن الإمام محمد الباقر أنكر أن أبا بكر أو عمر ظلمه أو ظلم أهل البيت بشيء:

"ما ظلمانا من حقنا مثقال حبة من خردل..." [شرح ابن أبي الحديد ج4 ص82]

ختام: مبالغات لا يقبلها العقل

من الطرائف التي ذكرها الكليني أن فدك حدّها: من جبل أحد إلى عريش مصر إلى دومة الجندل وسيف البحر!
أين هذا من قرية صغيرة في خيبر؟! إنها مبالغة لا يقبلها عقل ولا منطق، وتدل على أن الغرض ليس الدفاع عن فاطمة بل الطعن في الصحابة.