يقول السيد الخوئي: يقسم الخمس في زماننا -زمان الغيبة- نصفين:
نصف لإمام العصر الحجة المنتظر، ونصف لبني هاشم، أيتامهم ومساكينهم وأبناء سبيلهم...
وقال: يجوز استقلال المالك في توزيع النصف المذكور (أي: النصف العائد لبني هاشم)، والأحوط استحباباً الدفع إلى الحاكم الشرعي أو استئذانه في الدفع إلى المستحق.
والنصف الراجع للإمام عليه السلام يرجع فيه في زمان الغيبة إلى نائبه وهو الفقيه المأمون العارف بمصارفه، إما بالدفع إليه أو الاستئذان منه.
ومصرفه ما يوثق برضاه عليه السلام بصرفه فيه كدفع ضرورات المؤمنين من السادات وغيرهم، والأحوط استحباباً نية التصدق به عنه، واللازم مراعاة الأهم فالأهم. ومن أهم مصارفه في هذا الزمان الذي قلَّ فيه الراشدون والمسترشدون إقامة دعائم الدين ورفع أعلامه وترويج الشرع المقدس ونشر قواعده وأحكامه ومؤونة أهل العلم الذين يصرفون أوقاتهم في تحصيل العلوم الدينية... والأحوط لزوماً مراجعة المرجع الأعلم المطلع على الجهات العامة. (منهاج الصالحين ص:347-349).
إن هذا التفصيل الذي يذكره الخوئي - غير معلوم للغالبية العظمى من العوام المقلدين، إذ يدفعون الخمس كله بقسميه، ويجعلونه قسماً واحداً يسلمونه إلى الفقيه على أنه واجب مطلقاً!
ومما ينبغي التنبيه عليه إن هذا الأمر مخالف جملة وتفصيلاً لفتوى الطوسي شيخ الطائفة على الإطلاق.
حق السادة :-
ومما يلاحظ -وهو مما يستغرب جداً- أن الشيخ الطوسي والسيد الخوئي كليهما لم يجعلا لأغنياء السادة نصيباً في الخمس!! فـالطوسي لا يذكر- آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم- إلا عند اليتامى والمساكين وأبناء السبيل. وهؤلاء كلهم ذوو حاجة، والخوئي يجعل من مصاريف الخمس دفع ضرورات المؤمنين من السادات وغيرهم.
والضرورة شيء أشد من الحاجة، وهذا معناه أن السيد لا حق له في الخمس إلا عند الضرورة والحاجة الماسة. وأن هذه الضرورة لا تخص السادة وحدهم وإنما تعم المؤمنين من السادات وغيرهم.
إن هذا الذي أقوله ليس استنتاجاً استخلصته من أقوال العلماء، وإنما هو ما نطقت به فتاواهم.
والنصوص التي وردت عن الأئمة:
فقد مرَّ بنا -قبل قليل- قول الخوئي : يقسَّم الخمس في زماننا نصفين، نصف لإمام العصر ونصف لبني هاشم أيتامهم ومساكينهم وأبناء سبيلهم... والنصف الراجع للإمام (ع) يرجع فيه في زمان الغيبة إلى نائبه وهو الفقيه المأمون.
أي: أن الخمس نصفه للفقيه ونصفه لفقراء بني هاشم فلم يبق لأغنيائهم شيء؛ لأنه موزع بين الفقيه والفقير.
وكون نصف الخمس يعطى للفقراء دون الأغنياء هو الذي جاء عن الأئمة، إذ يروي الكليني عن العبد الصالح عليه السلام أنه قال: (ونصف الخمس الباقي بين أهل بيته، فسهم ليتاماهم، وسهم لمساكينهم، وسهم لأبناء سبيلهم... ) وفي آخر الرواية يعود ليقول: (... وجعل للفقراء قرابة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم نصف الخمس ) (أصول الكافي (1 /540، 542) وقد مر بنا هذا النص سابقاً.
وهذا تنصيص على الفقراء دون الأغنياء.
وهذا كله يخالف الواقع المشاهد تماماً!! إذ إن السادة الذين يتولون أخذ الخمس هم من أكثر الناس غنى وترفاً!! ومسكينة هي الجماهير... فقد ضاعت عليها الحقيقة!!
وضاعت الحقيقة! :-
وعلى أية حال فما قرأته وعاينته هو كلام زعيم الحوزة ومرجع الطائفة في العصر الحديث، وفتوى مؤسس الحوزة وشيخ الطائفة على الإطلاق، وبينهما من الفرق والاختلاف ما قد علمته وزيادة! فأين الحق؟! وعند من نعثر على الحقيقة؟! وأي منهما مذهبه وفتواه وكلامه يمثل قول المعصوم! أو الإمام جعفر الصادق عليه السلام وكلاهما إمامي اثنا عشري عقيدة، وجعفري فقهاً... والمذهب -كما أعلمونا- مؤسس جملة وتفصيلاً على أقوال الإمام جعفر الصادق عليه السلام.
فهل يصح في الأذهان أن الإمام جعفراً عليه السلام! متناقض إلى هذه الدرجة؟! أم إن المنطق يقضي بأن قوله في المسألة واحد، لاسيما إذا استحضرنا القول بعصمته عليه السلام، فأي القولين هو قوله؟ مع الانتباه إلى أن كل قول منهما هو نفسه عبارة عن مجموعة أقوال وترجيحات متناقضة!! ولا شك في أن الملايين وعلى مر مئات السنين عملوا بفتوى الشيخ الطوسي وأمثاله من الفقهاء، فلم يدفعوا أخماس أموالهم إلى أي فقيه أو سيد وماتوا على ذلك! فهل هؤلاء الذين يعيشون في زماننا ثم يموتون دون أن يدفعوا الخمس إلى أحد بريئو الذمة كأولئك؟! فعلام إذن يكلف الآخرون أنفسهم ويلزمونها به؟! أم إن أولئك الذين عملوا بفتوى الطوسي وأمثالهم هم وحدهم مسامحون وغيرهم آثمون مع أن كلا الفريقين مشترك في أمر واحد وهو عدم الدفع؟! أم إن كليهما آثم محاسب؟ فما ذنب الفريق الأول؟! أم ماذا؟!
وهل الطوسي كان على الحق والخوئي على الباطل؟ أم العكس؟ أم كلاهما على حق؟ أم على باطل؟ أم ماذا؟ أفتونا مأجورين!!