مقدمة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين. يُعد التصوف ظاهرة دينية واجتماعية واسعة الانتشار في العالم الإسلامي، له أتباعه ومريدوه، كما أن له نقاده ومخالفوه. وبينما يرى أتباعه أنه يمثل "لباب الدين" و"علم تزكية النفس" للوصول إلى أعلى درجات القرب من الله، يرى نقاده أنه انحرف في كثير من جوانبه عن جادة الصواب، وأدخل في الدين ما ليس منه من بدع وخرافات.

جديد مقالات الثقيفة:

التقية عند الرافضة دين ومعتقد

الخضر عند الصوفية: غلوّ في الأولياء وعقائد باطنية منحرفة

مصادر الشيعة الإثني عشرية

كيف أصبحت الإثنا عشرية منبعاً لفرق الغلو والزندقة؟

قم.. المدينة المقدسة عند الشيعية الصفوية

تاريخ الفرق الإسلامية وغلاة الشيعة الإثنا عشرية

 

في خضم هذا الجدل، تبرز مجموعة من الأسئلة النقدية العميقة التي وجهها الشيخ الراحل صفوت الشوادفي (1955-2000م)، نائب الرئيس العام لجماعة أنصار السنة المحمدية في مصر سابقاً، والتي شكلت حواراً فكرياً ومنهجياً مع الفكر الصوفي. لم تكن هذه الأسئلة مجرد اعتراضات عابرة، بل كانت بمثابة استجوابات منطقية تستند إلى أصول الدين وقواعده، وتكشف عن إشكاليات جوهرية في بنية الفكر الصوفي وممارساته.

 الصوفية ومراتب الدين: أين الموقع؟

من المعلوم أن الدين، كما جاء في حديث جبريل المشهور، له ثلاث مراتب: الإسلام، والإيمان، والإحسان. وقد عرّف النبي ﷺ الإحسان بأنه:  (أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ).

 وأجمع العلماء على أن الإحسان هو أعلى هذه المراتب.

وهنا يبرز التساؤل الأول الذي طرحه الشيخ الشوادفي:

 إذا كانت الصوفية هي أعلى مراتب العبودية، فهل هي في مرتبة الإحسان، أم أعلى منها، أم أقل؟

•  إن قالوا إنها في مرتبة الإحسان: فلماذا استبدلوا الاسم الذي سماهم به الرسول ﷺ "المحسنين" باسم "الصوفية"؟ أليس هذا استبدالاً للذي هو خير بالذي هو أدنى؟

•  وإن قالوا إنها أعلى من مرتبة الإحسان: فقد كذبوا على الرسول ﷺ الذي جعل الإحسان أعلى مرتبة في الدين.

•  وإن قالوا إنها أقل من الإحسان: فقد تساووا مع سائر المسلمين، فما وجه تميزهم وتخصيصهم بهذا الاسم الذي لم يرد في كتاب ولا سنة؟

هذا التساؤل يضع الفكر الصوفي أمام حقيقة لا مفر منها: أي مصطلح أو طريق يزعم أنه يوصل إلى الله يجب أن يندرج تحت المراتب التي حددها الشرع، وإلا كان ابتداعاً في الدين.

عقيدة الظاهر والباطن: إحياء لفكر قديم؟

من الأصول التي تعتمد عليها بعض الطرق الصوفية القول بأن للقرآن ظاهراً وباطناً. الظاهر هو المعنى المتبادر لعامة الناس، أما الباطن فهو الحقيقة الخفية التي لا يصل إليها إلا "أهل الكشف" و"العارفون بالله" من شيوخهم.

وهنا يأتي التساؤل:

 أليس هذا القول إحياءً لفكر "الباطنية" الذين قالوا بنفس المبدأ قديماً؟ إن القول بالباطن الذي يخالف الظاهر يفتح باباً خطيراً لتحريف النصوص الشرعية وتأويلها بما يوافق أهواء ومصالح معينة، وهو ما حذر منه العلماء قديماً وحديثاً. فالقرآن نزل بلسان عربي مبين ليفهمه الناس ويعملوا به، والقول بأن له معنى خفياً يناقض ظاهره هو قول على الله بغير علم.

 "من اعترض انطرد": غياب الشورى وتقديس الشيخ

من القواعد الراسخة في كثير من الطرق الصوفية مقولة: "كن بين يدي شيخك كالميت بين يدي مغسله"، وشعار "من اعترض انطرد". هذه المبادئ تلغي شخصية المريد وتجعله مسلوب الإرادة أمام شيخه، وتغلق باب النقاش والمساءلة والمراجعة

وهذا يطرح سؤالاً جوهرياً عن مدى توافق هذا المنهج مع روح الإسلام التي قامت على الشورى والنصيحة، كما في قوله تعالى: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ (آل عمران: 159)، وقوله: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ (الشورى: 38). إن الإسلام كرّم العقل ودعا إلى السؤال والتفكر، بينما تكرس هذه المبادئ الصوفية الطاعة العمياء التي قد تقود إلى مخالفة الشرع نفسه.

4. الأولياء والكرامات: خلط بين الرحماني والشيطاني

يقر أهل السنة والجماعة بكرامات الأولياء، ويعتبرونها حقاً ثابتاً بالكتاب والسنة. لكنهم يفرقون بوضوح بين الكرامة الربانية التي يجريها الله على يد عبده الصالح، وبين الخارقة الشيطانية التي تجري على يد السحرة والمشعوذين وأهل الضلال.

وهنا يأتي تساؤل الشيخ الشوادفي:

 لماذا تخلط الصوفية بين الكرامة الربانية والخارقة الشيطانية؟

المعيار في التفريق بينهما هو مدى استقامة الشخص على الكتاب والسنة. فالكرامة لا تحدث لمبتدع أو مخالف للشرع، بل لعبد تقي مؤمن. أما الخوارق التي تحدث لمن يُعرف عنه الشرك والبدع ومخالفة السنة، فهي من أحوال الشياطين وليست من كرامات الرحمن.

5. الأقطاب والأبدال: تراتبية لا أصل لها

تؤمن الصوفية بوجود هرمية روحية تحكم الكون، تتكون من "الأقطاب" و"الأوتاد" و"الأبدال" و"النجباء". ويزعمون أن هناك "قطباً غوثاً" واحداً في كل زمان، وأربعة أقطاب، وأربعين بدلاً، وهكذا.

وهنا تبرز عدة تساؤلات:

•  من الذي جعل الأقطاب أربعة؟ ولماذا ليسوا أكثر أو أقل؟

•  لماذا تخلو هذه القائمة المزعومة من أسماء الصحابة الكرام، وهم أفضل هذه الأمة بعد نبيها؟ هل يعقل أن يصل المتأخرون إلى مراتب لم يصلها أبو بكر وعمر وعثمان وعلي؟

•  من أين جاء تحديد عدد الأولياء في كل عصر بـ 124 ألف ولي؟ وهل الولاية، التي هي إيمان وتقوى، تخضع لنظام "كوتا" محددة سلفاً؟

إن هذه التراتبية والتحديدات العددية هي من الأمور الغيبية التي لا يمكن إثباتها إلا بنص من الكتاب أو السنة، وهو ما لم يرد. بل إنها تفتح الباب أمام ادعاءات باطلة وتؤسس لكهوت ديني لا يعرفه الإسلام.

6. النذور والموالد: مخالفات صريحة للإجماع والفتاوى

تنتشر في الأوساط الصوفية ممارسات تخالف ما أجمع عليه العلماء، مثل النذر للأولياء وبناء القباب على القبور وإقامة الموالد.

أ. النذر لغير الله:

من الشائع أن ينذر المريدون للأولياء، كأن يقول أحدهم: "للسيد البدوي عجل" أو "للسيدة زينب كذا وكذا". وقد أصدرت دار الإفتاء المصرية وغيرها من الهيئات العلمية فتاوى قاطعة بأن "النذر لأولياء الله الصالحين باطل بالإجماع"، لأنه نذر لمخلوق، والنذر عبادة لا تكون إلا لله. فلماذا الإصرار على مخالفة الإجماع؟

ب. بناء القباب على القبور:

نهى النبي ﷺ عن البناء على القبور وتجصيصها، وقد بعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأمره "ألا يدع قبراً مشرفاً إلا سواه". وقد صدرت فتاوى رسمية من كبار العلماء بتحريم بناء القباب والأضرحة على القبور، لأنها ذريعة للشرك والغلو في أصحابها. فلماذا تتحدى الطرق الصوفية هذه الفتاوى وتصر على بناء القباب وتعظيمها؟

ج. الموالد:

تُقام الموالد للاحتفال بذكرى الأولياء، وهنا يُطرح سؤال منطقي: لماذا يُقام مولد للحسين رضي الله عنه، ولا يُقام مولد لأبيه علي بن أبي طالب، وهو أفضل منه بإجماع الأمة؟ الجواب الذي يلمح إليه الشيخ الشوادفي يتعلق بالتأثير الشيعي، فالشيعة لا يرغبون في إقامة مولد لعلي حتى لا يطالب جمهور المسلمين بإقامة موالد للخلفاء أبي بكر وعمر وعثمان، وهو ما يتعارض مع عقيدتهم.

الأموال والمنافع: استغلال باسم الدين؟

يثير الشيخ الشوادفي قضية الأموال الطائلة التي تُجمع من صناديق النذور في الموالد، ويتساءل عن مصيرها. لماذا يتسلم "خليفة السيد البدوي" مبالغ ضخمة سنوياً مقابل ركوبه حصاناً لدقائق معدودة، بينما هذه الأموال هي في الأصل من أموال الفقراء والمحتاجين؟ أليس هذا نوعاً من الابتزاز المالي باسم الدين؟ ولماذا تقف وزارة الأوقاف، المسؤولة عن هذه الصناديق، عاجزة عن وقف هذا الأمر؟

الخاتمة

إن التساؤلات التي طرحها الشيخ صفوت الشوادفي رحمه الله ليست مجرد جدل فكري، بل هي دعوة صادقة للعودة إلى ينابيع الدين الصافية: كتاب الله وسنة رسوله ﷺ بفهم سلف الأمة. إن حب الأولياء والصالحين أمر مشروع، بل هو من الإيمان، ولكن هذا الحب لا يبرر عبادتهم من دون الله، أو ابتداع عبادات لم يأذن بها الله، أو مخالفة ما أجمعت عليه الأمة. إن الطريق إلى الله واحد، وهو الطريق الذي رسمه النبي ﷺ، وأي طريق آخر يزعم الوصول إلى الله خارج هذا الإطار هو طريق محفوف بالمخاطر والانحرافات.

المصادر:

•  القرآن الكريم.

•  صحيح البخاري ومسلم.

•  فتاوى دار الإفتاء المصرية.

•  مؤلفات وكتابات الشيخ صفوت الشوادفي.

•  مواقع إسلامية موثوقة (إسلام ويب، الدرر السنية، صيد الفوائد).