في خضمّ موجة إحياء التراث الصوفي الفلسفي، وانتشار مظاهر الترويج لعقائد الحلول والاتحاد ووحدة الوجود، يجد المؤمن نفسه بين واجب البيان والذبّ عن العقيدة، وبين خطر الانخداع بمسميات ظاهرها الرحمة وباطنها من قبله العذاب. وليس غريبًا أن نرى اليوم من يروّج لرموز التصوف الاتحادي ويجعلهم أئمة للهدى، بينما هم في الحقيقة من أعظم دعاة الضلال والانحراف العقدي.
جديد مقالات الثقيفة:
الخضر عند الصوفية: غلوّ في الأولياء وعقائد باطنية منحرفة
كيف أصبحت الإثنا عشرية منبعاً لفرق الغلو والزندقة؟
قم.. المدينة المقدسة عند الشيعية الصفوية
تاريخ الفرق الإسلامية وغلاة الشيعة الإثنا عشرية
وفي هذا السياق، لا بد من تذكير الأمة بكلامٍ نفيس لشيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – كشف فيه حقيقة هذه الطائفة، وبيَّن خطرها الداهم على الدين والعقل والمجتمع.
الشبهة:
يزعم أتباع التصوف الفلسفي أن عقيدة وحدة الوجود تمثل ذروة العرفان والروحانية، ويستدلون بكلام مشوش رمزي ينسبونه لأئمة التصوف، مثل قولهم: "ما في الجبة إلا الله"، أو "أنا الحق"، ويؤولون النصوص الشرعية تأويلاً باطنيًا يفضي إلى القول بأن الخالق هو عين المخلوق، وأن كل ما في الوجود مظاهر للذات الإلهية، بل يُقرّ بعضهم بأن اليهود والنصارى وعبّاد الأصنام على حقٍّ ما داموا يعبدون "الوجود المطلق" بزعمهم!
وهذا النوع من التصوف الفلسفي لم يكن من دين النبي ﷺ، بل هو دخيل على الأمة من فلسفات وثنية وفارسية وهندية.
الرد على الشبهة من كلام ابن تيمية:
قال الإمام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية رحمه الله:
"القيام على هؤلاء - أي الصوفية الاتحادية - من أعظم الواجبات؛ لأنهم أفسدوا العقول والأديان على خلق من المشايخ والعلماء والملوك والأمراء، وهم يسعون في الأرض فسادًا ويصدون عن سبيل الله. فضررهم في الدين أعظم من ضرر من يفسد على المسلمين دنياهم ويترك دينهم، كقطاع الطريق وكالتتار الذين يأخذون منهم الأموال ويبقون لهم دينهم" مجموع الفتاوى 2/133
ثم يصف حالهم وصفًا شديدًا، فيقول:
"ولا يستهين بهم من لم يعرفهم، فضلالهم وإضلالهم أعظم من أن يُوصف، وهم أشبه الناس بالقرامطة الباطنية".
وهنا يُظهر ابن تيمية أن هؤلاء القوم لا يختلفون في حقيقتهم عن الباطنية الذين كانوا يُظهرون الإسلام ويبطنون الكفر، فيقول:
"ولهذا هم يريدون دولة التتار ويختارون انتصارهم على المسلمين، إلا من كان عاميًا من شيعتهم وأتباعهم فإنه لا يكون عارفًا بحقيقة أمرهم".
ثم يتابع التحذير من موقفهم من أهل الأديان الأخرى:
"ولهذا يقرون اليهود والنصارى على ما هم عليه، ويجعلونهم على حق، كما يجعلون عباد الأصنام على حق، وكل واحدة من هذه من أعظم الكفر".
ومن أسوأ ما فيهم أنهم يروجون للكفر باسم التأويل:
"وأما من قال لكلامهم تأويل يوافق الشريعة؛ فإنه من رؤوسهم وأئمتهم؛ فإنه إن كان ذكيًا فإنه يعرف كذب نفسه فيما قاله".
وهنا يقصد ابن تيمية أولئك الذين يتظاهرون بأنهم "يفسرون" كلام الصوفية بما يوافق الشريعة، في حين أنهم إما مضللون أو مخدوعون أو شركاء في هذا الانحراف.
بيان عقيدة وحدة الوجود وخطرها:
عقيدة وحدة الوجود تعني أن الله – عز وجل – هو عين هذا الكون، لا فرق بين الخالق والمخلوق، وهذا شرك صريح. فقد قال تعالى:
﴿ وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الصافات: ٩٦]
وقال سبحانه: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِۦ شَىْءٌ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: ١١]
أما الصوفية الاتحادية فيرون أن كل شيء هو الله، بل صرّح بعضهم بأن فرعون لم يكن كافرًا لأنه قال: ﴿ أَنَا رَبُّكُمُ ٱلْأَعْلَىٰ﴾، زاعمين أن هذا تجلٍّ من تجليات "الوجود المطلق"!
وهذا من أبطل الباطل، بل من أعظم صور الإلحاد في أسماء الله وصفاته، والتعدي على جناب التوحيد، الذي جاء به الأنبياء والمرسلون.
موقف أهل السنة والجماعة من الصوفية الباطنية:
أهل السنة لا يُنكرون الزهد المشروع، ولا مقام الإحسان في العبادة، ولا الورع عن الشبهات، بل هم أولى الناس بتحقيق ذلك؛ لكنهم يردّون الغلو والانحراف، وخاصة حين يُتخذ التصوف ستارًا لتمرير العقائد الباطنية والفلسفية الوثنية.
قال الإمام الذهبي في "السير" (10/211):
"دين الإسلام الحق لا يجتمع مع القول بوحدة الوجود، ومن زعم ذلك فقد كفر كفرًا بواحًا".
خطر الاتحادية على المسلمين:
♦ يفسدون الدين باسم "المحبة والعشق الإلهي".
♦ يفسدون العقول باسم "الكشف والإلهام".
♦ يقرّون كل ملة ونحلة باسم "التجلي والوحدة الكونية".
♦ يروجون للكفر باسم "التأويل الباطني".
♦ يوالون الكفار والظلمة ويعادون أهل الإسلام الحق.
ولهذا قال ابن تيمية:
"من كان محسنًا للظن بهم وادعى أنه لم يعرف حالهم، عُرف حالهم، فإن لم يباينهم ويظهر لهم الإنكار وإلا أُلحق بهم وجُعل منهم".
واجب المسلمين تجاه هؤلاء:
♦ معرفة عقائدهم وخطرهم.
♦ كشف انحرافاتهم للعامة والخاصة.
♦ عدم الانخداع بعباراتهم الباطنية.
♦ تمييز التصوف السني المشروع عن التصوف الفلسفي الفاسد.
♦ بيان أن الزهد لا يعني ترك التوحيد ولا تعطيل الشريعة.
المصادر:
♦ ابن تيمية، مجموع الفتاوى، الجزء 2، صفحة 133
♦ الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج10
♦ عبد الرحمن الوكيل، هذه هي الصوفية
♦ محمد خليل هراس، الصوفية معتقدًا ومنهجًا