المقدمة:
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، فطرَنا موحدين، واصطفى لنا خيرَ دين، وأرسل إلينا الهاديَ الأمين ﷺ، فما ترك خيرًا إلا دلَّنا عليه، ولا شرًّا إلا حذرنا منه، فصلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله الطيبين، وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
جديد مقالات الثقيفة:
الخضر عند الصوفية: غلوّ في الأولياء وعقائد باطنية منحرفة
كيف أصبحت الإثنا عشرية منبعاً لفرق الغلو والزندقة؟
قم.. المدينة المقدسة عند الشيعية الصفوية
تاريخ الفرق الإسلامية وغلاة الشيعة الإثنا عشرية
أما بعد:
فما زالت الأمة الإسلامية -بفضل الله- محافظة على معالم دينها القويم قرونًا، حتى ظهرت طوائف باطنية منحرفة، طعنت في الشريعة، وزعمت لنفسها مراتب فوق الأنبياء، فجاءت ببدع وخرافات، من أبرزها التصوف الباطني الفلسفي.
ومن أخطر ما روّج له المتصوفة: الاعتقاد ببقاء الخضر حيًّا، وجعله مصدرًا للتشريع والعلم الباطني، بل ادعوا أنه أعلم من الأنبياء، وأن الولي يمكنه الاستغناء عن الوحي النبوي!
أولًا: زعم حياة الخضر حتى يومنا هذا
ادّعى الصوفية أن الخضر عليه السلام لا يزال حيًّا، بل يلقونه ويتعلّمون منه! فقال ابن عطاء الله السكندري: "واعلم أن بقاء الخضر قد أجمع عليه هذه الطائفة، وتواتر عن أولياء كل عصر لقاؤه والأخذ عنه".
وقال أبو العباس المرسي: "وأما الخضر فهو حي، وقد صافحته بكفي هذا، فلو جاءني ألف فقيه يجادلونني ما رجعت إليهم".
ويروي أبو الحسن الشاذلي: "رأيتُ الخضر عليه السلام في برية عيذاب، فقال لي: يا أبا الحسن، أصحبك الله بلطفه الجميل...".
وهذه الحكايات مروية في كتبهم مثل: لطائف المنن وجامع الكرامات والرسالة القشيرية.
لكن الحق أن الخضر قد مات، ولم يدرك بعثة النبي ﷺ، ولو كان حيًّا لآمن به ونصره؛ قال تعالى:
﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ ٱلْخُلْدَ أَفَإِيْن مِّتَّ فَهُمُ ٱلْخَـٰلِدُونَ﴾ [الأنبياء: ٣٤].
وقد قال النبي ﷺ في آخر حياته:
"أرأيتكم ليلتكم هذه؟ فإنه على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد" [رواه البخاري].
فكيف يقال بعد هذا إن الخضر لا يزال حيًّا ويخالط الناس؟!
قال ابن القيم:
"الأحاديث التي يذكر فيها الخضر وحياته كلها كذب، ولا يصح في حياته حديث واحد". المنار المنيف، ص: 67
ثانيًا: زعم أن الخضر ولي وليس بنبي، وأن الولي أفضل من النبي!
يعتقد المتصوفة أن الخضر وليٌّ، لا نبي، ويستدلون بذلك على أن الولي يجوز له الخروج عن الشريعة كما فعل الخضر مع موسى! ويزعمون أن الولي يمكنه الوصول إلى الله دون اتباع الرسول!
قال القرطبي في تفسيره:
"ذهب قوم من زنادقة الباطنية إلى أن الأحكام العامة إنما تلزم الأنبياء والعامة، أما الأولياء فلا يحتاجون إلى النصوص، بل يعتمدون على ما يقع في قلوبهم".
وهذا من الكفر الصريح، فالشريعة ملزمة لكل من كان بعد النبي ﷺ، قال الله تعالى:
﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلْإِسْلَـٰمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى ٱلْـَٔاخِرَةِ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ﴾ [آل عمران: ٨٥].
وقد اختلف العلماء في الخضر: هل هو نبي أم ولي؟ والأرجح – كما رجّحه ابن باز وابن تيمية – أنه نبي، والدليل قوله تعالى:
﴿فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَآ ءَاتَيْنَـٰهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَـٰهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا﴾ [الكهف: ٦٥].
والرحمة والعلم هنا بمعنى الوحي والنبوة.
قال الرازي:
"موسى لا يتبع أحدًا من البشر إلا إذا كان نبيًّا، وإلا لكان ذلك مخالفًا لشريعة نبيٍّ من أولي العزم" . التفسير الكبير، 22/148
فمن زعم أن الخضر وليٌّ فقط، ثم بنا على ذلك أن الأولياء يُستغنون عن الشريعة، فقد خرج عن الإسلام.
ثالثًا: جعل الخضر مصدرًا للوحي والإلهام
ادّعى المتصوفة أن الخضر مصدر لتلقي العقائد، بل نسبوا إليه علومًا غيبية باطنية، يسمونها "العلم اللدني"، وهو علم – بزعمهم – لا يتلقى عن الأنبياء بل مباشرة من الله، بغير وحي.
وقد قال ابن الجوزي:
"يفارق الخضر كليمَ الرحمن، ثم يجتمع بجهال العباد؟! من لا يحضر جمعة، ولا يعرف كيف يتوضأ؟ كلٌّ منهم يقول: قال لي الخضر! يا عجبًا له!" المنار المنيف، ص64
وقال ابن تيمية:
"من ادعى أنه يستغني عن الرسول ولو في مسألة واحدة، فهو زنديق باتفاق المسلمين". مجموع الفتاوى، 2/132
وقد ذكر محيي الدين بن عربي في الفتوحات المكية أن الخضر يُلقِّن بعض الأولياء تعليمًا مباشرًا، وأن علمه فوق علم الشريعة.
وهذا الكلام كفري باطني يضرب بجدار النبوة عرض الحائط، ويجعل الأولياء أندادًا للرسل!
الرد على الشبهات باختصار:
◘ الخضر عليه السلام نبي وليس وليًا فقط.
◘ لم يدرك بعثة النبي محمد ﷺ، فلو كان حيًّا لآمن به، وهذا لم يحدث.
◘ النبي ﷺ نصّ أن كل من كان على الأرض في زمنه مات بعد مئة سنة.
◘ العلم الذي عند الخضر هو وحي من الله، لا علم لدني باطني مستقل عن الأنبياء.
◘ ادعاء الصوفية بلقاء الخضر هو من أوهام الشياطين أو ترويج للباطل.
◘ لا يجوز لأحدٍ أن يستغني عن شريعة النبي ﷺ، ولا أن يدّعي أن قلبه يغنيه عن النصوص.
◘ ما نقلوه عن الخضر كله خرافات بلا سند، وبعضها يخالف الدين والعقل.
المصادر:
1- مقدمة ابن خلدون (3/261)
2- المنار المنيف لابن القيم، ص: 67
3- مجموع الفتاوى لابن تيمية، 2/133 وما بعدها
4- الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة، ص: 125-133
5- مظاهر الانحرافات العقدية عند الصوفية، ج2، ص: 511-516
6- التفسير الكبير للفخر الرازي، 22/148
7- مقالات الفرق، ص: 28، 405، 406
8- جامع الكرامات، 1/521
9- الرسالة القشيرية، ص: 166
10- الإسلام سؤال وجواب، رقم الفتوى: 332928، 6001
11- مجموع فتاوى ابن باز، 9/287
والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.