مقدمة: صراع الحق والباطل سنة إلهية
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ.
جديد مقالات الثقيفة:
الخضر عند الصوفية: غلوّ في الأولياء وعقائد باطنية منحرفة
كيف أصبحت الإثنا عشرية منبعاً لفرق الغلو والزندقة؟
قم.. المدينة المقدسة عند الشيعية الصفوية
تاريخ الفرق الإسلامية وغلاة الشيعة الإثنا عشرية
منذ فجر التاريخ البشري، كانت سنة الله ماضية في إرسال الرسل لهداية الناس إلى صراطه المستقيم، وفي المقابل، كانت الشياطين وأعوانها تعمل بلا كلل لصرف البشر عن هذا السبيل القويم. ولما بعث الله خاتم أنبيائه محمداً ﷺ، تكفّل بحفظ دينه من التحريف والتبديل، كما قال تعالى في كتابه الكريم: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ (الحجر: 9).
لكن هذه العصمة كانت للدين نفسه، لا لأتباعه. فقد انقسمت الأمة، فمنهم من ثبت على الدين الحق، متمسكاً بالكتاب والسنة على فهم السلف الصالح، ومنهم من انحرف متبعاً أهواءه، فأحدث في الدين ما ليس منه من بدع وضلالات.
بذرة الفتنة الأولى: من ابن سبأ إلى الغلو في آل البيت
بدأت محاولات تحريف الإسلام مبكراً، وتحديداً في أواخر عهد الخلافة الراشدة. وهنا يبرز اسم عبد الله بن سبأ، اليهودي الذي أظهر الإسلام نفاقاً، وسعى ليلعب في الإسلام نفس الدور الذي لعبه سلفه "شاؤول" (بولس) في النصرانية. أشعل ابن سبأ وأتباعه فتنة الخروج على الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه، ثم استغلوا حب المسلمين لآل البيت فجعلوه مدخلاً للغلو، فزعموا التشيع لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، ثم تجاوزوا ذلك إلى ادعاء العصمة له، ثم النبوة، حتى وصل بهم الضلال إلى إضفاء صفات الربوبية عليه وعلى أهل بيته، مع الطعن في كبار الصحابة وسب الخلفاء الثلاثة الذين مات رسول الله ﷺ وهو عنهم راضٍ.
ومن عجيب المفارقات أن هؤلاء الذين ادعوا التشيع لعلي وابنيه الحسن والحسين، كانوا أول من خانهم وتخلى عنهم، وكانت خيانتهم سبباً مباشراً في استشهاد الحسين رضي الله عنه ظلماً وعدواناً. ثم جعلوا من يوم مقتله موسماً سنوياً لإحياء الأحقاد، ولطم الخدود، وسب أولياء الله من الصحابة والتابعين.
نشأة الدولة الصفوية: تحالف التصوف والتشيع والدم
تفرقت الفرق التي خرجت من رحم هذه الفتنة، لكن جمعتهم بدعة الغلو، وفرقتهم الأهواء. ومن أكبر هذه الفرق كانت الإسماعيلية والإمامية الإثني عشرية. وبعد سقوط الدولة العبيدية الباطنية (الفاطمية) على يد البطل صلاح الدين الأيوبي رحمه الله، لم تقم للشيعة دولة قوية حتى ظهرت الدولة الصفوية في مطلع القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي).
تعود جذور هذه الدولة إلى صفي الدين الأردبيلي، وهو واعظ صوفي عاش في القرن السابع الهجري. ومع مرور الأجيال، بدأ أحفاده يميلون تدريجياً نحو التشيع، حتى اعتنقوا المذهب الإمامي الإثني عشري.
وعندما آل الأمر إلى حفيده الشاه إسماعيل الصفوي، مؤسس الدولة، استغل التركمان الصوفية والمتشيعين لمحاربة الدولة السنية القائمة آنذاك، وقضى عليها عام 907هـ. وبمجرد أن استتب له الأمر، اتخذ من "تبريز" عاصمة له، وأعلن أن المذهب الرسمي لدولته هو المذهب الإمامي الإثني عشري، وتوعد كل من يخالفه بالقتل.
وعندما نُصح بأن أهل إيران شافعية، قال قولته الشهيرة:
"إنني لا أخاف من أحد.. فإن تنطق الرعية بحرف واحد فسوف أمتشق الحسام ولن أترك أحداً على قيد الحياة".
إيران السنية.. كيف تم تشييعها بالقوة؟
بدأ الشاه إسماعيل مشروعاً دموياً لتغيير هوية إيران بالقوة. فأمر بسب الخلفاء الراشدين الثلاثة على المنابر، وسك عملة جديدة كُتب عليها "علي ولي الله"، وفرض التشيع على أهل السنة بقوة السيف.
وتشير شهادات مؤرخين، حتى من الشيعة، إلى أنه قتل ما يقارب مليون سني في بضع سنوات، لينقل نسبة الشيعة في إيران من أقل من 10% إلى الأغلبية التي نراها اليوم.
لم يتوقف طغيانه عند حدود إيران، فبعد سبع سنوات من قيام دولته، توجه إلى بغداد، حاضرة الخلافة العباسية، فانتزعها بخيانة من بعض شيعتها، ثم ارتكب فيها فظائع يندى لها جبين الإنسانية:
◙ أمر بهدم أجزاء من المدينة وقتل أهل السنة فيها.
◙ نبش قبور علماء أهل السنة وأحرق عظامهم، ومنهم الإمام أبو حنيفة النعمان رحمه الله.
◙ قتل كل من ينتسب إلى ذرية الصحابي الجليل خالد بن الوليد رضي الله عنه في بغداد.
◙ كان يضع خصومه في قدور كبيرة ويطبخهم، ويأمر جنده بأكلهم.
◙ دعا أمه، وكانت سنية حنفية، إلى التشيع، فلما أبت أمر بقتلها فقُتلت.
◙ بلغ به الكبر والجبروت أن كان يأمر جنده بالسجود له.
وقد أرّخ لهذه الفظائع مؤرخون شيعة، منهم ابن شدقم الذي قال واصفاً ما فعله إسماعيل الصفوي في بغداد: "(فعل) بأهلها النواصب ذوي العناد ما لم يسمع بمثله قط في سائر الدهور بأشد أنواع العذاب حتى نبش موتاهم من القبور".
معركة جالديران وسقوط المشروع
وصلت أخبار هذه المذابح إلى الدولة العثمانية، فأدرك السلطان سليم الأول خطورة هذا المشروع الصفوي على العالم الإسلامي.
وبعد فشل المفاوضات، قرر السلطان سليم جهادهم، وسار إليهم بجيش قوامه مئة ألف مقاتل. التقى الجيشان في صحراء جالديران عام 920هـ، وانتهت المعركة بهزيمة نكراء للصفويين، قضت على نفوذهم في العراق.
وعندما أحس بالضعف، لم يتردد الصفوي الخبيث في مكاتبة قائد البرتغال الصليبيين، عارضاً عليه مضيق هرمز وفلسطين مقابل مساعدته ضد العثمانيين، لكن الله خذلهم وأفشل مخططهم.
الصفوية الجديدة: هل التاريخ يعيد نفسه؟
إن ما نشهده اليوم في المنطقة، وخصوصاً في العراق، ليس إلا امتداداً للمشروع الصفوي القديم.
فبعد احتلال العراق، تم تسليمه للقوى الطائفية التي تعيث فيه فساداً، وتعمل على تغيير تركيبته السكانية بالقتل والتهجير، تماماً كما فعل أجدادهم. إن الشعارات التي يرفعونها حول "مظلومية الشيعة" و"حكم العالم الإسلامي" ليست جديدة، بل هي ترديد لمقولات أسلافهم.
والعجب من بعض المثقفين الذين يغضون الطرف عن هذا الخطر الطائفي، ويتهمون كل من يحذر منه بأنه "عدو للوحدة الوطنية"، بينما الواقع يصفعهم كل يوم.
إن التاريخ يشهد أن دول أهل السنة، على مر أربعة عشر قرناً، كانت ملاذاً آمناً لكل الطوائف والمذاهب، بل حتى لغير المسلمين.
فلم يعرف تاريخهم التمييز في الظلم على أساس طائفي، على عكس ما فعله الصفويون قديماً ويفعله أحفادهم اليوم.
خاتمة: عبرة لأولي الأبصار
إن هذه النوازل العظيمة التي تمر بها الأمة يجب أن تكون عبرة لأولي الأمر وعموم المسلمين، ليعرفوا عدوهم من صديقهم، وليعودوا إلى ربهم ويتوبوا من ذنوبهم. فما أحوج الأمة اليوم إلى عون الله ومدده، وهي تقع بين فكي المشاريع الصهيونية من جهة، والطموحات الصفوية الفارسية من جهة أخرى. ﴿عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا﴾ (النساء: 84).
المصادر:
◙ القرآن الكريم.
◙ كتب التاريخ الإسلامي المعتمدة (تاريخ الطبري، البداية والنهاية لابن كثير، وغيرها).
◙ دراسات متخصصة في تاريخ الدولة الصفوية والعثمانية.
◙ كتابات ومقالات الدكتور إبراهيم بن محمد الحقيل.
◙ شهادات المؤرخين الشيعة أنفسهم (مثل ابن شدقم).