نص الشبهة:

يستند بعض القائلين بجواز رضاع الكبير إلى قصة سالم مولى أبي حذيفة، ويستدلون بها على جواز إرضاع المرأة للرجل الكبير ليصير من محارمها، وبالتالي يسوغ له الدخول عليها. ويُعزَّى هذا الرأي إلى عائشة رضي الله عنها، كما يُنقل عن بعض فقهاء الظاهر، وعلى رأسهم ابن حزم. ويُستدل بهذا على جواز التقام الثدي من الكبير، بل وتُسند الفتوى إلى داود الظاهري أيضًا.

الجواب مفصلًا:

أولًا: اتفاق الجمهور على عدم اعتبار رضاع الكبير

ذهب جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة والحنفية إلى أن الرضاعة المحرِّمة لا تكون إلا في حال الصغر، وهو ما استدلوا عليه بقول النبي ﷺ:

﴿لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ﴾ [البقرة: 233]

وقوله ﷺ كما في حديث أم سلمة:

«لَا رَضَاعَ إِلَّا مَا فَتَقَ الْأَمْعَاءَ وَكَانَ قَبْلَ الْفِطَامِ» [رواه الترمذي وابن حبان، وصححه الألباني].

ثانيًا: شذوذ قول ابن حزم وأهل الظاهر

خالف في ذلك الليث وأهل الظاهر، وقالوا إن الرضاعة المحرِّمة تكون بالتقام الثدي ومص اللبن منه، واستدل ابن حزم بقصة سالم، وأنه يجوز التقام الثدي ومسّه حتى من الرجل الكبير، وقال إن الأصل أن الرضاعة تحرِّم سواء أكانت من صغير أو كبير.

وقد شذ ابن حزم في ذلك، وهو ما أشار إليه القرطبي والنووي وغيرهم، وأوضحوا أن هذا الرأي مردود بالشريعة، لمخالفته النصوص الواضحة في حصر الرضاعة المحرِّمة في الحولين.

ثالثًا: تأويلات لقصة سالم

أجاب العلماء عن قصة سالم بعدة أوجه، أهمها:

1-  أن سَهْلَةَ حَلَبَت اللبن ثم شربه سالم دون أن يمسّ ثديها.

2-  أنها رُخصة خاصة بسالم، كما قالت أم سلمة وأزواج النبي ﷺ: "ما نرى هذا إلا رخصة رخصها رسول الله ﷺ لسالم خاصة".

3-  أن القصة منسوخة، وكان ذلك في أوائل الهجرة.

4-  أن الأصل في التحريم الرضاع أن يكون قبل الفطام، وما عداه لا يُعتبر شرعًا.

رابعًا: خطأ نسبة القول إلى داود

نُقل عن بعض المتأخرين أن داود الظاهري وافق عائشة، إلا أن ابن حزم نفسه ذكر أن داود مع الجمهور، وكذلك نقل غيره من أهل الظاهر.

خامسًا: اعتراضات القرطبي والنووي

قال القرطبي: في قوله: (فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنَ الْمَجَاعَةِ) تثبيت لقاعدة كلية، وهي أن الرضاعة المؤثرة ما كان في حال يُستغنى فيه عن الطعام باللبن.

النَّووي: أشار إلى أن فتوى عائشة معارضة لباقي أمهات المؤمنين، وهي مبنية على فهمها الخاص، لا على نص قطعي.

سادسًا: موقف الصحابة

رفض عبد الله بن الزبير والقاسم بن محمد وعروة وغيرهم من كبار التابعين فتوى عائشة، ونقل الطبراني في تهذيب الآثار أن حفصة وافقت عائشة، ولكن هذا لا يدل على عموم الحكم.

سابعًا: فتوى عائشة في التطبيق

ثبت عند أبي داود بإسناد صحيح أن عائشة كانت تأمر بنات إخوتها أن يرضعن من أرادت أن يراها من الرجال، ولكن هذا مخالف لرأي جمهور الصحابة، ووقع فيه الخلاف حتى عند الظاهرية.

الآيات القرآنية:

 • ﴿لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ﴾ [البقرة: 233]

﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ﴾ [البقرة: 233]

المصادر:

فتح الباري، ج9 ص150

النسخة الجديدة: طبعة بيت الأفكار الدولية، ج3 ص2251

سنن الترمذي

صحيح ابن حبان

تفسير القرطبي

شرح النووي على مسلم

تهذيب الآثار للطبراني

مصنف عبد الرزاق

سنن أبي داود

خلاصة:

القول بجواز رضاع الكبير شاذ ومخالف للنصوص الصريحة، وإن كانت فتوى عائشة ثابتة، فهي مرجوحة لمخالفتها أكثر الصحابة، ولا يصح اعتماد قصة سالم على إطلاقها دون اعتبار القرائن والقيود الفقهية التي بينتها النصوص.

والله أعلم.