تعد مسألة تقسيم البدعة إلى محمودة ومذمومة أو غير ذلك من أهم القضايا التي وقع فيها الخلاف بين العلماء قديمًا وحديثًا. ويستند بعض القائلين بهذا التقسيم إلى رواية عن الإمام الشافعي رحمه الله، مفادها أن البدعة بدعتان، بينما يرى آخرون أن النص النبوي «كل بدعة ضلالة» أصلٌ محكم لا يجوز تخصيصه بقول غير المعصوم. ومن هنا تأتي أهمية فحص الروايات المنقولة عن الشافعي، والنظر في أسانيدها، ومقارنتها بنصوصه الأخرى، مع دراسة الفرق بين البدعة اللغوية والبدعة الشرعية، وبيان أن مراد الأئمة –ومنهم الشافعي– لا يخالف النصوص القطعية.
حدثنا أبو بكر الآجري ثنا عبد الله بن محمد العطشي ثنا إبراهيم بن الجنيد ثنا حرملة بن يحيى قال سمعت محمد بن إدريس الشافعي يقول البدعة بدعتان بدعة محمودة وبدعة مذمومة فما وافق السنة فهو محمود وما خالف السنة فهو مذموم واحتج بقول عمر بن الخطاب في قيام رمضان نعمت البدعة هذه
(حلية الاولياء9/113).
من مقالات السقيفة:
نقد التشيع في "كشف أسرار ألف عام" لعلي أكبر حكمي زاده
في الرواية آفات منها:
حرملة بن يحيى: صدوق يكتب حديثه ولا يحتج به، وهو ثقة يغرب لكثرة روايته قال أبو حاتم لا يحتج به
(ذكر من تكلم فيه وهو موثق1/66).
- عبد الله بن محمد العطشي: مجهول
الآفة الأخيرة وهي الطامة: ضرب كلام النبي بكلام الشافعي. وأن من أصول الدين عندنا أنه إذا تعارض كلام الله ورسوله مع كلام الشافعي ضربنا بكلام الله ورسوله عرض الحائط وأخذنا بكلام الشافعي.
ألم يقل الرسول r «كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار»؟ فكيف يصير الحق بعد هذا هكذا «ليست كل بدعة ضلالة». وهل يرضى الشافعي بذلك؟ ألم يقل: «إذا رأيتم قولي يخالف قول رسول الله r فاضربوا بقولي عرض الحائط» فنحن نضرب بقول الشافعي عرض الحائط إذا عارض كلام رسول الله r. هذا هو اللازم لدى كل من يزعم أنه يحب النبي r.
قال البيهقي «أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا الربيع بن سليمان قال الشافعي رضي الله عنه: المحدثات من الأمور ضربان: ما أحدث يخالف كتاباً أو سنة أو أثراً أو إجماعاً، فهذه بدعة ضلالة. وما أحدث من الخير (((لا خلاف لواحد من هذا)))، فهذه محدثة غير مذمومة. قد قال عمر في قيام رمضان: نعمت البدعة هذه»
(أخرجه البيهقي في مناقب الشافعي1/469).
الأول: قارن بين قوله (من الأمور) وهو مطلق مبهم. وبين قول النبي (من أمرنا هذا) وهو مقيد وقطعي الدلالة في أنه من أمر الدين.
الثاني: لاحظ معي قول الشافعي: (لا خلاف لواحد من هذا). ونحن مسلمون وقد خالفنا من يقسم البدعة إلى خمسة أقسام ونعتقد أن البدعة واحدة هي ضلالة، وسبقنا في ذلك أئمة عديدون لا يرتضون تقسيم البدعة إلى قسمين منهم العلامة ابن تيمية كما وصفه الحافظ ابن حجر بذلك، ومنهم الإمام الشاطبي.
فيلزم بمقتضى كلام الشافعي ان تتركوا التقسيم لوجود الخلاف على تقسيمكم فتعودوا إلى بدعة واحدة وهي الضلالة بحسب قول النبي صلى الله عليه وسلم. لا سيما وانتم لم تستقروا على قول بينكم: هل البدعة قسمان أم خمسة أقسام؟
ونحن نخالفكم في بدعة المولد بدعة التصوف وعلم الكلام اليوناني. فعليكم تركه بمجرد وقوع الخلاف في الأمة عليه.
وقول الشافعي متعلق بأمور ليست من الدين. بخلاف من يتقرب إلى الله بأعمال يزعم أنها من الدين ولم يدرجها النبي من الدين.
هذه الرواية يظهر منها الصحة.
وورد فيها لفظ (من الأمور) مطلقا مبهما أي مطلق ما يحدثه الناس من الأمور. بخلاف قول النبي (من أحدث في امرنا). فلا تعارض حينئذ. وبسبب هذا الإبهام حمل الحافظ ابن رجب قول الشافعي على المحدثات من الأمور الدنيوية.
على أن هذه الرواية أسلم من رواية (البدعة بدعتان) والتي آفتها عبد الله بن محمد العطشي. والمفهوم من هذه الرواية أن ما يطرأ ويحدث بين الناس تحت نظر أهل العلم.
الجواب على ذلك:
وعلى فرض أن الشافعي أراد البدعة الدينية في أمر النبي. فالشافعي بشر.
وله مذهبان: مذهب في القديم ومذهب في الجديد. ومن يدري لعل هذا القول من الشافعي كان في مذهبه القديم. وثبوت مذهبين له دليل على أنه بشر غير معصوم. فمن قدم كلام غير المعصوم (البدعة بدعتان) على كلام المعصوم (كل بدعة ضلالة) كان ذلك دليلا على ضلاله وعدم توقيره النبي وإبطال كلامه بكلام غيره.
أن مراد الشافعي البدعة اللغوية بدليل قول الحافظ ابن رجب «ومراد الشافعي رحمه الله ما ذكرناه مِنْ قبل: أنَّ البدعة المذمومة ما ليس لها أصل منَ الشريعة يُرجع إليه وهي البدعةُ في إطلاق الشرع، وأما البدعة المحمودة فما وافق السنة، يعني: ما كان لها أصلٌ مِنَ السنة يُرجع إليه، وإنَّما هي بدعةٌ لغةً لا شرعاً لموافقتها السنة»
(جامع العلوم والحكم ص267).
وبدليل أن الشافعي وصف البدعة بوصف آخر وهو الاستحسان. فقال في كتابه (الرسالة ص507): «إنما الاستحسان تلذذ».
وعقد فصلاً في كتابه (الأم7/293- 304) بعنوان «إبطال الاستحسان». وقال «من استحسن فقد شرّع».
والبدعة:
هي استحسان في الدين يتقرب به المبتدع بما يرد فيه نص من كتاب او سنة. ولهذا احتج الشافعي بقول عمر (نعمت البدعة هذه) فإن الشافعي كان حريصا على السنة وشديدا على البدعة. ولم نعلم عنه في مذهبه أنه ابتدع بدعة استحسنها. بل هو مناوئ للاستحسان في الدين.