يُعَدّ القرآن الكريم المصدر الأول للتشريع والهدى في الإسلام، وقد أجمع المسلمون على كونه كتاباً مبيناً، نزل بلسان عربي واضح، ليكون هادياً للبشرية إلى يوم القيامة. إلا أن الفكر الشيعي الإمامي يطرح تصوراً مختلفاً لسلطة القرآن وفهمه، إذ يرى أن معانيه وتفسيره الصحيح لا يمكن الوصول إليهما إلا عبر الأئمة المعصومين، بدءاً من علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأن أي محاولة لفهم النص بعيداً عنهم تُعد باطلة بل وموجبة للهلاك. وتؤكد المصادر الإمامية الكبرى على أن الأئمة وحدهم هم المخاطَبون بالقرآن، وهم الحجة المطلقة فوق النص، ما يثير إشكاليات عميقة حول دور النص القرآني ذاته ومكانته في منظومة الاستدلال الشرعي والعقدي.
قال الحر العاملي:
باب 120 - أنه لا يعرف تفسير القرآن إلا الأئمة ع [633]
1 - محمد بن يعقوب، عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن محمد بن سنان، عن زيد الشحام، قال: دخل قتادة بن دعامة (1) على أبي جعفر ع فقال له: يا قتادة أنت فقيه أهل البصرة؟ فقال: هكذا يزعمون، فقال له: بلغني أنك تفسر القرآن؟ قال: نعم، إلى أن قال: ويحك يا قتادة، إن كنت إنما فسرت القرآن برأيك فقد هلكت وأهلكت وإن كنت قد أخذته من الرجال فقد هلكت وأهلكت إلى أن قال: ويحك يا قتادة إنما يعرف القرآن من خوطب به.
من مقالات السقيفة:
نقد التشيع في "كشف أسرار ألف عام" لعلي أكبر حكمي زاده
أقول: والأحاديث في ذلك كثيرة ذكرنا نبذة منها في كتاب القضاء من وسائل الشيعة.
الفصول المهمه في اصول الائمة - الحر العاملي ج 1 ص 452
قال الريشهري:
من يعرف القرآن- الإمام الباقر (عليه السلام) - لقتادة بن دعامة -:
يا قتادة، أنت فقيه أهل البصرة؟ فقال: هكذا يزعمون، فقال أبو جعفر (عليه السلام): بلغني أنك تفسر القرآن، قال له قتادة: نعم، فقال أبو جعفر (عليه السلام): بعلم تفسره أم بجهل؟ قال: لا، بعلم - إلى أن قال - يا قتادة، إنما يعرف القرآن من خوطب به.
ميزان الحكمة ج 3 ص 2532 ط دار الحديث
قال هاشم البحراني:
غير أن أسرار تأويله لا تهتدي إليه العقول، وأنوار حقائق خفياته لا تصل إليه قريحة المفضول، ولهذا اختلف في تأويله الناس، وصاروا في تفسيره على أنفاس وانعكاس، قد فسروه على مقتضى أديانهم، وسلكوا به على موجب مذاهبهم واعتقادهم، وكل حزب بما لديهم فرحون، ولم يرجعوا فيه إلى أهل الذكر (صلى الله عليهم أجمعين)، أهل التنزيل والتأويل، القائل فيهم جل جلاله: ﴿وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَه إِلَّا اللَّه والرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ﴾ لا غيرهم.
وهم الذين أوتوا العلم، وأولوا الأمر، وأهل الاستنباط، وأهل الذكر الذين أمر الناس بسؤالهم كما جاءت به الآثار النبوية والأخبار الإمامية، ومن ذا الذي يحوي القرآن غيرهم؟ ويحيط بتنزيله وتأويله سواهم؟
1 / [1] - ففي الحديث:
عن مولانا باقر العلم أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام)، قال: (ما يستطيع أحد أن يدعي أنه جمع القرآن كله ظاهره وباطنه غير الأوصياء)
2 / [2] - وفي حديث آخر عن جابر، قال:
سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: (ما من أحد من الناس ادعى) أنه جمع القرآن كله كما أنزل الله إلا كذب، وما جمعه وحفظه كما أنزل الله إلا علي بن أبي طالب، والأئمة من بعده.
3 / [3] - وفي الحديث:
عن مولى الأمة وإمامها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) أن عبدالله بن عباس جاءه (عليه السلام) يسأله عن تفسير القرآن، فوعده بالليل، فلما حضر قال: (ما أول القرآن؟). قال: الفاتحة.
قال: (وما أول الفاتحة؟) قال: بسم الله.
قال: (وما أول بسم الله؟). قال: بسم.
قال: (وما أول بسم؟). قال: الباء، فجعل (عليه السلام) يتكلم في الباء طول الليل، فلما قرب الفجر قال: (لو زادنا الليل لزدنا).
4 / [4] - وقال (عليه السلام) في حديث آخر:
(لو شئت لأوقرت * سبعين بعيرا في تفسير فاتحة الكتاب).
5 / [5] - وقال الباقر (عليه السلام) في تفسير سورة الإخلاص:
(لو وجدت لعلمي الذي آتاني الله عز وجل حملة لنشرت التوحيد، والإسلام، والإيمان، والدين، والشرائع من الصمد، وكيف لي بذلك ولم يجد جدي أمير المؤمنين (عليه السلام) حملة لعلمه؟! حتى كان يتنفس الصعداء ويقول على المنبر: سلوني قبل أن تفقدوني، فإن بين الجوانح مني لعلما جما، لا يحصى ولا يحد، ألا وإني عليكم من الله الحجة البالغة ف لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّه عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ)). 3
6 / [6] - وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) لرجل:
(ياك أن تفسر القرآن برأيك حتى تفقهه عن العلماء، فإنه رب تنزيل يشبه كلام البشر وهو كلام الله، وتأويله لا يشبه كلام البشر، كما ليس شيء من خلقه يشبهه، كذلك لا يشبه فعله تبارك وتعالى شيئا من أفعال البشر، ولا يشبه شيء من كلامه كلام البشر، وكلام الله تبارك وتعالى صفته، وكلام البشر أفعالهم، فلا تشبه كلام الله بكلام البشر، فتهلك وتضل).
7 / [7] - وقال أبو عبدالله (عليه السلام):
(إن الله علم نبيه (صلى الله عليه وآله) التنزيل والتأويل، فعلمه رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليا (عليه السلام)).
8 / [8] - وقال أبو جعفر الباقر (عليه السلام):
في حديث له مع قتادة، وقد أخطأ قتادة في تفسير آية - فقال (عليه السلام): (يا قتادة، إنما يعرف القرآن من خوطب به).
9 / [9] - وقال أبو جعفر الباقر (عليه السلام) في حديث آخر:
(ليس شيء أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن، إن الآية ينزل أولها في شيء، وأوسطها في شيء، وآخرها في شيء)، ثم قال: ﴿إِنَّما يُرِيدُ اللَّه لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) [1]
10 / [10] - وعن عبدالرحمن بن الحجاج، قال:
سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: (ما أبعد عقول الرجال من تفسير القرآن).
11 / [11] - وعن جابر قال:
قال أبو عبدالله (عليه السلام): (يا جابر، إن للقرآن بطنا، وللبطن ظهرا).
ثم قال: (يا جابر، وليس شيء أبعد من عقول الرجال منه، إن الآية لينزل أولها في شيء، وأوسطها في شيء، وآخرها في شيء، وهو كلام متصل يتصرف على وجوه).
12 / [12] - وقال أبو عبدالله الصادق (عليه السلام):
(من فسر برأيه آية من كتاب الله فقد كفر).
13 / [13] - وعن مرازم، عن أبي عبدالله (عليه السلام):
قال: (إن الله تبارك وتعالى أنزل القرآن تبيانا لكل شيء، حتى والله، ما ترك الله شيئا يحتاج إليه العباد - لا يستطيع عبد أن يقول: لو كان هذا أنزل في القرآن - إلا وقد أنزل الله فيه).
14 / [14] - وعن عمر بن قيس، عن أبي جعفر (عليه السلام):
قال: سمعته يقول: (إن الله تبارك وتعالى لم يدع شيئا تحتاج إليه الأمة 2) إلا أنزله في كتابه، وبينه لرسوله (صلى الله عليه وآله)، وجعل لكل شيء حدا، وجعل دليلا يدل عليه، وجعل على من تعدى ذلك الحد حدا).
15 / [15] - وعن معلى بن خنيس، قال:
قال أبو عبدالله (عليه السلام): (ما من أمر يختلف فيه اثنان إلا وله أصل في كتاب الله عز وجل، ولكن لا تبلغه عقول الرجال).
أقول: إذا عرفت ذلك فقد رأيت عكوف أهل الزمان على تفسير من لم يرووه عن أهل العصمة (سلام الله عليهم)،
الذين نزل التنزيل والتأويل في بيوتهم، وأوتوا من العلم ما لم يؤته غيرهم، بل كان يجب التوقف حتى يأتي تأويله عنهم، لأن علم التنزيل والتأويل في أيديهم، فما جاء عنهم (عليهم السلام) فهو النور والهدى، وما جاء عن غيرهم فهو الظلمة والعمى.
والعجب كل العجب من علماء علمي المعاني والبيان، حيث زعموا أن معرفة هذين العلمين تطلع على مكنون سر الله جل جلاله من تأويل القرآن قال بعض أئمتهم: ويل ثم ويل لمن تعاطى التفسير وهو في هذين العلمين راجل.
وذلك أنهم ذكروا أن العلمين مأخوذان من استقراء تراكيب كلام العرب البلغاء، باحثان عن مقتضيات الأحوال والمقام كالحذف، والإضمار، والفصل، والوصل، والحقيقة، والمجاز، وغير ذلك.
ولا ريب أن محل ذلك من كتاب الله جل جلاله تحتاج معرفة إلى العلم به من أهل التنزيل والتأويل، - وهم أهل البيت (عليهم السلام) - الذين علمهم الله سبحانه وتعالى، فلا ينبغي معرفة ذلك إلا منهم، ومن تعاطى معرفته من غيرهم ركب متن عمياء، وخبط خبط عشواء، فما ذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون؟...
البرهان في تفسير القران - هاشم البحراني - ج 1 ص 3 - مقدمة المؤلف
[1] من ميلاد الجاهلية.