تحتل قضية عصمة الأنبياء موقعًا محوريًا في العقيدة الإسلامية، إذ تمس صميم النبوة والرسالة، وتحدد حدود الكمال البشري الذي خصّ الله به أنبياءه ورسله. وقد أجمع المسلمون على أن الأنبياء معصومون في التبليغ عن الله عز وجل، لا يخطئون ولا يكذبون ولا ينسون ما أوحاه إليهم ربهم، كما أجمعوا على عصمتهم من الكبائر والفواحش والخيانة. غير أن الخلاف وقع في مسألة الصغائر: هل تقع منهم عمدًا أو سهوًا؟ وهل تُغتفر مع التوبة والإنابة أم تُنفى عنهم مطلقًا؟
لقد تناول هذه القضية أعلام الأمة من مفسرين ومحدثين وأصوليين، من أمثال القاضي عياض، الفخر الرازي، الذهبي، ابن تيمية، وأبي حنيفة، وغيرهم، فبيّنوا ضوابط العصمة وحدودها، وأكدوا أن الأنبياء وإن وقع منهم بعض الهفوات أو الصغائر فإن الله تعالى لا يقرّهم عليها، بل ينبههم ويعصمهم من التمادي فيها، ليظلوا قدوة للأمة وموضع ثقتها.

قال القاضي عياض:

فأجمع المسلمون على عصمة الأنبياء من الفواحش والكبائر الموبقات.

الشفا بتعريف حقوق المصطفى ج 2 ص 144

مقالات السقيفة ذات الصلة:

طلاسم سحرية ينصح علماء الشيعة استخدامها لعلاج امراض الطحال

طلاسم وخرافات الشيعة لعلاج عُسر الولادة

المرعشي ينصح بعمل طلسم لزوال البواسير 

وقال: أنهم معصومون عن تكرار الصغائر وكثرتها إذ يلحقها ذلك بالكبائر ولا في صغيرة أدت إلى إزالة الحشمة وأسقطت المروؤة وأوجبت الإزراء والخساسة، فهذا أيضا مما يعصم عنه الأنبياء إجماعا.

الشفا بتعريف حقوق المصطفى ج 2 ص 145

وقال الفخر الرّازي:

والذي نقول به أنه لم يقع منهم ذنب على سبيل القصد لا صغيرا ولا كبيرا أما السهو فقد يقع منهم لكن بشرط أن يتذكروه في الحال وينبهوا غيرهم على أن ذلك كان سهوا وقد سيقت هذه المسألة في علم الكلام ومن أراد الاستقصاء فعليه بكتابنا في عصمة الأنبياء والله أعلم.

المحصول ج 3 ص 228

قال الذهبي:

وما زال المصطفى محفوظا محروسا قبل الوحي وبعده، ولو احتمل جواز ذلك، فبالضرورة ندري أنه كان يأكل من ذبائح قريش قبل الوحي، وكان ذلك على الإباحة، وإنما توصف ذبائحهم بالتحريم بعد نزول الآية، كما أن الخمرة كانت على الإباحة إلى أن نزل تحريمها بالمدينة بعد يوم أحد.

اخترنا لكم من مقالات السقيفة:

إني تارك فيكم خليفتين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي

روايات الكافي: مزاعم إضافة أسماء علي والأئمة إلى نصوص القرآن

الروايات الشيعية في النهي عن البناء على القبور (1)

والذي لا ريب فيه أنه كان معصوما قبل الوحي وبعده، وقبل التشريع من الزنى قطعا، ومن الخيانة، والغدر، والكذب، والسكر، والسجود لوثن، والاستقسام بالأزلام، ومن الرذائل، والسفه، وبذاء اللسان، وكشف العورة، فلم يكن يطوف عريانا، ولا كان يقف يوم عرفة مع قومه بمزدلفة، بل كان يقف بعرفة.

سير اعلام النبلاء ج 1 ص 130

قال شيخ الإسلام ابن تيمية:

فإن القول بأن الأنبياء معصومون عن الكبائر دون الصغائر هو قول أكثر علماء الإسلام وجميع الطوائف حتى إنه قول أكثر أهل الكلام كما ذكر " أبو الحسن الآمدي " أن هذا قول أكثر الأشعرية وهو أيضا قول أكثر أهل التفسير والحديث والفقهاء بل هو لم ينقل عن السلف والأئمة والصحابة والتابعين وتابعيهم إلا ما يوافق هذا القول ولم ينقل عنهم ما يوافق القول.

مجموع الفتاوى ج 4 ص 319

وقال: وما أنبأ به النبي عن الله لا يكون يطابق كذباً، لا خطأ ولا عمداً، فلا بد أن يكون صادقاً فيما يخبر به عن الله يطابق خبره مخبره لا تكون فيه مخالفة لا عمداً ولا خطأ.

النبوات ج 2 ص 873

قال أبو حنيفة:

والأنبياء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام كلهم منزهون عَن الصَّغَائِر والكبائر وَالْكفْر والقبائح وَقد كَانَت مِنْهُم زلات وخطايا.

الفقة الاكبر ص 37

قال سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب:

واتفقوا على عصمة الأنبياء من تعمد الكبائر قبل الوحي وبعده، وتنازعوا هل تقع منهم بعض الصغائر مع التوبة منها أو لا تقع بحال، فقال كثير من المتكلمين من الشيعة والمعتزلة وبعض أهل الحديث من أهل السنة منهم ابن السبكي وغيره لا تقع منهم الصغيرة بحال ولا قبل النبوة ولا بعدها زادت الشيعة لا يمكن وقوعها منهم خطأ ولا عمداً، والصحيح عند السلف وجمهور أهل الفقه والحديث والتفسير لا تقع الصغائر منهم عمداً. واتفقوا على وقوعها منهم سهواً وخطأً. كما نقله السعد التفتازاني في حاشية الكشاف إلاَّ ما يدل على الخسة كسرقة لقمة والتطفيف بحبة فلا يجوز عليهم، واشترط جمع من المحققين أن ينبهوا على ما فعلوه سهواً فينتهوا عنه، وقال قوم من علماء أهل السنة من أهل الحديث من أصحاب الأشعري وغيرهم وقد دلت نصوص الكتاب والسنة على أن الأنبياء صلوات الله وسلامه علهم أجمعين تقع منهم بعض الصغائر مع التوبة منها والله يحب التوابين ويحب المتطهرين، وإذا ابتلي بعض الأكابر بما يتوب منه فذلك لكمال النهاية لا لنقص البداية، كما قال بعضهم لو لم تكن التوبة أحب الأشياء إليه لما ابتلى بالذنب أكرم الخلق عليه، وفي الأثر أن العبد ليعمل السيئة فيدخل بها الجنة، وأن العبد ليعمل الحسنة فيدخل بها النار، يعني أن السيئة يذكرها ويتوب منها فيدخله ذلك الجنة، والحسنة يعجب بها ويستكبر فيدخله ذلك النار.

التوضيح ص 341