قصة آدم عليه السلام مع الشيطان من أعظم القضايا التي دار حولها البحث بين العلماء والمتكلمين، إذ تناولها القرآن الكريم في مواضع متعددة، مبيّنًا كيف وسوس لهما الشيطان حتى أكلا من الشجرة، فكانت المعصية ثم التوبة التي فتح الله بها باب الرجاء لذريته. وقد تفرعت عن هذه القصة مباحث عقدية مهمة، أبرزها: هل للشيطان سلطان على الأنبياء؟ وهل يمكن أن تقع منهم الذنوب؟ وكيف نفهم عصمة الأنبياء في ضوء هذه النصوص؟. هذه المسألة ليست مجرد سرد تاريخي، بل هي من أصول الدين التي تتعلق بسلامة العقيدة وفهم طبيعة الرسالة والنبوة.
قال تعالى: فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين.
اخترنا لكم من مقالات السقيفة:
إني تارك فيكم خليفتين: كتاب الله… وعترتي أهل بيتي
روايات الكافي: مزاعم إضافة أسماء علي والأئمة إلى نصوص القرآن
الروايات الشيعية في النهي عن البناء على القبور (1)
وقال الله تعالى في القران: ﴿ فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى (120) فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121): طه ﴾، وقال تعالى: ﴿ وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36) فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37): البقرة ﴾.
وفي الكافي تسلط الشيطان على ادم:
1- عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَوْ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَالَ إِنَّ آدَمَ (عليه السلام) قَالَ يَا رَبِّ سَلَّطْتَ عَلَيَّ الشَّيْطَانَ وَ أَجْرَيْتَهُ مِنِّي مَجْرَى الدَّمِ فَاجْعَلْ لِي شَيْئاً فَقَالَ يَا آدَمُ جَعَلْتُ لَكَ أَنَّ مَنْ هَمَّ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ بِسَيِّئَةٍ لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ عَلَيْهِ سَيِّئَةٌ وَ مَنْ هَمَّ مِنْهُمْ بِحَسَنَةٍ فَإِنْ لَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ فَإِنْ هُوَ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْراً قَالَ يَا رَبِّ زِدْنِي قَالَ جَعَلْتُ لَكَ أَنَّ مَنْ عَمِلَ مِنْهُمْ سَيِّئَةً ثُمَّ اسْتَغْفَرَ لَهُ غَفَرْتُ لَهُ قَالَ يَا رَبِّ زِدْنِي قَالَ جَعَلْتُ لَهُمُ التَّوْبَةَ أَوْ قَالَ بَسَطْتُ لَهُمُ التَّوْبَةَ حَتَّى تَبْلُغَ النَّفْسُ هَذِهِ قَالَ يَا رَبِّ حَسْبِي "
الكافي – الكليني - ج 2 ص 440، وقال المجلسي عن الرواية في مرآة – حسن – ج 11 ص 311
فهذه المسألة من مسائل أصول الدين الكبيرة، والتي كثر فيها الخلاف وانتشر بين النظار والمتكلمين، والحاصل أن جمعا من أهل العلم جوزوا على الأنبياء نزغ الشيطان ووسوسته، ومن ثم قالوا بوقوع صغائر الذنوب غير المزرية منهم، ولكنهم يتداركونها بتوبة عاجلة يكونون بعدها أفضل مما كانوا قبلها، واستدلوا على ذلك بظواهر قرآنية من مثل قوله تعالى: ﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ﴾ [فصلت:36]. وقوله: ﴿وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ﴾ [الأنعام:68]. وقوله: ﴿فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ﴾ [يوسف:42].
مقالات السقيفة ذات الصلة:
الشيعة - النشأة، الفرق، الأصول والعقائد
الائمة يستخدمون الولاية التكوينية للضرورة القصوى
ونحو ذلك من الآيات، ومنعوا أن تكون وسوسة الشيطان للنبي من السلطان المنفي أن يكون له على عباد الله المخلصين قال صاحب المنار: وَقَدِ اسْتشْكَلَ إِنْسَاءُ الشَّيْطَانِ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْخِطَابَ فِي الْآيَةِ لَهُ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي نَصِّ الْقُرْآنِ أَنَّ الشَّيْطَانَ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى عِبَادِ اللهِ الْمُخْلَصِينَ، وَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْلَصُهُمْ وَأَفْضَلُهُمْ وَأَكْمَلُهُمْ، بَلْ وَرَدَ فِي سُورَةِ النَّحْلِ: ﴿إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ﴾﴿16: 99ـ 100﴾ وَلَكِنَّ إِنْسَاءَ الشَّيْطَانِ بَعْضَ الْأُمُورِ لِلْإِنْسَانِ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ التَّصَرُّفِ وَالسُّلْطَانِ، وَإِلَّا لَمْ يَقَعْ إِلَّا لِأَوْلِيَائِهِ الْمُشْرِكِينَ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ فَتَى مُوسَى حِينَ نَسِيَ الْحُوتَ: ﴿وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ﴾ [18: 63] وَإِنَّمَا كَانَ فَتَاهُ ـ أَيْ خَادِمَهُ لَا عَبْدَهُ ـ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي تَفْسِيرِ: ﴿فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ﴾ [12: 42] الْآيَةَ أَنَّ يُوسُفَ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ ـ أَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ، إِذْ أَمَرَ النَّاجِيَ مِنْ صَاحِبَيْهِ فِي السِّجْنِ بِذِكْرِهِ عَنْدَ الْمَلِكِ وَابْتِغَاءِ الْفَرَجِ مِنْ عِنْدِهِ: فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ ـ عُقُوبَةً لَهُ، بَلْ ذَكَرَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ الْمَأْثُورِ حَدِيثًا مَرْفُوعًا فِي ذَلِكَ، رَوَوْهُ مُرْسَلًا وَمَوْصُولًا، وَهُوَ: لَوْ لَمْ يَقُلْ يُوسُفُ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ ـ الْكَلِمَةَ الَّتِي قَالَ، مَا لَبِثَ فِي السِّجْنِ طُولَ مَا لَبِثَ، حَيْثُ يَبْتَغِي الْفَرَجَ مِنْ غَيْرِ اللهِ تَعَالَى ـ هَذِهِ رِوَايَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَفَعَهَا، أَخْرَجَهَا عَنْهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ الْعُقُوبَاتِ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ نِسْيَانَ الشَّيْءِ الْحَسَنِ الَّذِي يُسْنَدُ إِلَى الشَّيْطَانِ لِكَوْنِهِ ضَارًّا أَوْ مُفَوِّتًا لِبَعْضِ الْمَنَافِعِ، أَوْ لِكَوْنِهِ حَصَلَ بِوَسْوَسَتِهِ وَلَوْ بِإِشْغَالِهَا الْقَلْبَ بِبَعْضِ الْمُبَاحَاتِ، لَا يَصِحُّ أَنْ يُعَدَّ مِنْ سُلْطَانِ الشَّيْطَانِ عَلَى النَّاسِي، وَاسْتِحْوَاذِهِ عَلَيْهِ بِالْإِغْوَاءِ وَالْإِضْلَالِ الَّذِي نفاه الله عن عباده المخلصين. انتهى.
وطائفة أخرى من العلماء نفت تسلط الشيطان على الرسل ولو بالوسوسة، وتأولوا هذه الظواهر القرآنية، وممن بالغ في هذا القاضي عياض ـ رحمه الله ـ في الشفا، قال الألوسيفي قوله تعالى: وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله ـ والآية على ما نص عليه بعض المحققين من باب:﴿ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ [الزمر: 65] فلا حجة فيها لمن زعم عدم عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من وسوسة الشيطان وارتكاب المعاصي، وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة قالوا: وإياك يا رسول الله قال: وإياي إلا أن الله تعالى أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير. انتهى.
هذا بعد حصول الاتفاق على عصمة الأنبياء من وسوسة الشيطان المفضية إلى الشرك أو إلى فعل كبيرة أو صغيرة من الصغائر المزرية، وعلى أنهم معصومون فيما يبلغونه عن الله تعالى، والمسألة طويلة الذيل جدا، وانظر للفائدة بحث: عصمة الأنبياء في كتب الرسل والرسالات ـ للدكتور عمر الأشقر رحمه الله.