مسألة الخمس ليست قضية مالية فحسب، بل هي ركيزة من ركائز الفكر السياسي والفقهي الشيعي، وقد مرت بتحولات كبرى عبر القرون. فمن الإباحة والتجميد إلى الوجوب، ومن غياب المتولي الشرعي إلى ادعاء الفقهاء النيابة عن الإمام، وصولاً إلى القول باستقلال الفقيه وشرعيته الذاتية في التصرف بالخمس. هذا التطور الطويل يكشف عن اضطراب المواقف وتغيرها بتغير الظروف، مما يجعل من الخمس قضية سياسية واجتماعية أكثر منها نصاً شرعياً ثابتاً.
كما نبين ملخصًا مكثفاً لتطور نظرية متولي الخمس كما رصده الشيخ أحمد الكاتب، مبيناً كيف انتقلت الفكرة من الحيرة والتوقف في تحديد من يتولى قبض الخمس وصرفه، إلى القول بنيابة الفقيه عن الإمام الغائب، ثم إلى تطورات لاحقة جعلت الفقيه متولياً مباشراً على الخمس بصفته ولياً وزعيماً مستقلاً. ويكشف هذا التسلسل التاريخي عن محاولات الفقهاء المستمرة لتبرير شرعية استلامهم للأموال وتكييفها مع واقعهم السياسي والاجتماعي، مما يعكس بوضوح أن موضوع الخمس لم يكن نصاً محسوماً بل اجتهاداً متغيراً عبر العصور.
ملخص تقريبي لتطور موضوع متولي الخمس عبر التاريخ:
قام الشيخ أحمد الكاتب برسم صورة رائعة لمسلسل تطور الخمس ومتوليه عبر القرون، وهو عمل ليس باليسير لاضطراب أقوال الفقهاء وعدم اجتماعها على قول واحد في عصر واحد وتراجعها المستمر من وقت لآخر، وهذا ملخص ما قاله.
تطور الفكر السياسي الشيعي (ص:356-358).
وهكذا نرى محاولات الخروج من تلك النظرية في باب الخمس قد ابتدأت منذ قرون وانتقلت عبر التاريخ من:
1- القول بإباحة الخمس.
2- إلى تجميده ودفنه وحفظه إلى حين ظهور المهدي وتسليمه له.
3- إلى القول بالوجوب... وإلى جانب هذا التطور في ذات الموضوع شاهدنا تطوراً آخر شمل موضوع (المتولي للخمس):
مقالات السقيفة ذات الصلة:
نظرية الخُمس بين الفقيه والإمام الغائب
فتوى شيخ الحوزة السيد الخوئي في الخمس
كبار فقهاء الشيعة يُسقطون الخمس
الخمس بين الفريضة الشرعية والضريبة المالية
1- فبعد قول المفيد والطوسي في القرن الخامس: أن المتولي لقبض الخمس وتفريقه في عصر الغيبة ليس بظاهر لانعدام النص المعين.
2- قال القاضي ابن براج في أواسط القرن الخامس: بضرورة إيداع الخمس أمانة عند الفقهاء لدفعه إلى الإمام المهدي عند ظهوره.
3- ثم جاء ابن حمزة في القرن السادس: ففضل دفع الخمس إلى الفقيه ليتولى القسمة وأوجب ذلك إذا لم يكن المالك يحسن القسمة.
4- ثم جاء المحقق الحلي في القرن السابع: فأوجب تسليم حصة الإمام وهي نصف الخمس إلى من له الحكم بحق النيابة لمن يتولى صرف حصة الإمام في الأصناف الموجودين.
5- وأشار الشهيد الأول في القرن الثامن إلى ضرورة استئذان نائب الغيبة العدل الإمامي الجامع لصفات الفتوى إن اختار المكلف توزيع نصيب الإمام على الأصناف.
6- وأوكل المحقق الحلي في القرن العاشر: مهمة صرف حصة الإمام إلى الحاكم الشرعي ...
7- وأفتى محمد باقر السبزواري في القرن الحادي عشر: بتولية الفقيه العدل في عملية صرف الخمس في الأصناف الموجودين احتياطاً وتحدث عن نيابة الفقيه عن الإمام المهدي .
8- وتطور الحكم في القرن الثالث عشر إلى درجة أقوى حين أفتى الشيخ محمد حسن النجفي بقوة: بوجوب تولي الفقيه العادل صرف سهم الإمام.
9- وبالرغم من عدم إيمان السيد كاظم اليزدي بنظرية (ولاية الفقيه) في سائر أبواب الفقه إلا أنه التزم بهذه النظرية في مجال الخمس، وقال في مطلع القرن الرابع عشر: بضرورة إيصال سهم الإمام في زمان الغيبة إلى نائبه وهو المجتهد الجامع للشرائط أو الدفع إلى المستحقين لإذنه.
10- وتراجع السيد محسن الحكيم في أواخر القرن الرابع عشر الهجري، ولم ير حاجة إلى مراجعة الفقيه في صرف المالك حصة الإمام في جهة معينة إذا أحرز رضا الإمام عليه السلام إلا برأي ضعيف.
11- وقام الشيخ حسن الفريد في مطلع هذا القرن الخامس عشر بثورة في باب الخمس عندما سلب حق الخمس من الإمام المهدي لغيبته وعدم قيامه بمهام الإمامة، وقال بضرورة قيام واحد من الناس باستلام الخمس وتوزيعه من باب الحسبة. وهو تطور لم يخطر على بال أحد من قبل، إذ إن غاية ما كان يقوله الفقهاء -وإلى أزمنة متأخرة جداً- إن الفقيه يأخذ نصيب الإمام بوصفه نائباً عنه، أما التطور الأخير فيعطي الشرعية للفقيه بتولي ذلك لا بوصفه نائباً عن الإمام وإنما بصورة مستقلة باعتباره ولياً وزعيماً وحاكماً وإماماً كما يقول به الشيخ الفريد والسيد محمود الهاشمي.