مسألة المهدي المنتظر من القضايا العقدية التي أثبتها أهل السنة والجماعة استناداً إلى ما ورد في النصوص النبوية الصحيحة. فقد جاءت أحاديث متعددة تصف خروجه في آخر الزمان، وبيّنت صفاته، ومدة حكمه، ودوره في إرساء العدل بعد أن تملأ الأرض جوراً وظلماً. وهذه الأحاديث لم تقتصر على كتب السنن والمسانيد، بل وردت أيضاً في الصحيحين في سياق نزول عيسى عليه السلام وصلاته خلف إمام من هذه الأمة.

وقد روى ابن ماجة في سننه حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النعيم الذي يعم الأمة في زمن المهدي، وورد في مسند الإمام أحمد حديث صحيح عن امتلاء الأرض جوراً ثم خروج رجل من عترة النبي ﷺ يملأها عدلاً. كما أخرج أبو داود أحاديث تصف المهدي بصفات خلقية كـ"أجلى الجبهة وأقنى الأنف"، وتؤكد أنه من نسل فاطمة رضي الله عنها.

أما ابن حبان فقد أخرج في صحيحه حديثاً عن تطابق اسم المهدي مع اسم النبي ﷺ، في حين جاء في صحيح مسلم وصحيح البخاري حديث نزول عيسى عليه السلام وصلاته خلف إمام من هذه الأمة، وهو ما فسره أهل العلم بالمهدي.

إن اجتماع هذه الروايات في مصادر معتبرة ومتنوعة يثبت أن عقيدة المهدي عند أهل السنة والجماعة ثابتة بالأحاديث الصحيحة، بخلاف من أنكرها أو حاول الطعن فيها. والمقصود بالمهدي رجل صالح من آل بيت النبي ﷺ، يقيم شرع الله، ويوحد الأمة، ويقودها في زمن الفتن الكبرى، ولا علاقة له بمزاعم الغلو أو التأويلات الباطلة التي نسبها بعض الفرق إليه 

 

قال الامام ابن ماجة:

 " 4083 - (حسن) حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ الْعُقَيْلِيُّ، حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ، عَنْ زَيْدٍ الْعَمِّيِّ، عَنْ أَبِي صِدِّيقٍ النَّاجِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "يَكُونُ فِي أُمَّتِي الْمَهْدِيُّ، إِنْ قَصُرَ فَسَبْعٌ وَإِلَّا فَتِسْعٌ، فَتَنْعَمُ فِيهِ أُمَّتِي نِعْمَةً لَمْ يَنْعَمُوا مِثْلَهَا قَطُّ، تُؤْتَى أُكُلَهَا، وَلَا تَدَّخِرُ مِنْهُمْ شَيْئًا، وَالْمَالُ يَوْمَئِذٍ كُدُوسٌ، فَيَقُومُ الرَّجُلُ فَيَقُولُ: يَا مَهْدِيُّ أَعْطِنِي، فَيَقُولُ: خُذْ " اهـ

سنن ابن ماجة تحقيق محمد ناصر الدين الالباني ص 679

وقال الامام احمد:

 " 11665 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ، وَمَطَرٌ الْوَرَّاقُ، عَنْ أَبِي الصِّدِّيقِ النَّاجِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تُمْلَأُ الْأَرْضُ جَوْرًا وَظُلْمًا، فَيَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ عِتْرَتِي، يَمْلِكُ سَبْعًا أَوْ تِسْعًا، فَيَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلًا [1]"

وسلف أيضاً برقم (11313)، من طريق عوف بن أبي جميلة، عن أبي الصديق الناجي، عن أبي سعيد دون قوله: "يملك سبعاً أو تسعاً"، وهذا إسناد صحيح "

- مسند الامام احمد تحقيق شعيب الارناؤوط ج 18 ص 205

وقال الامام ابو داود:

" حدَّثنا سهلُ بنُ تمام بنِ بَزِيع، حدَّثنا عِمرانُ القطَانُ، عن قتادةَ، عن أبي نَضرَةَ عن أبي سعيدٍ الخدريِّ، قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلم -: المهديُّ منِّي أجْلَى الجَبهَةِ، أَقنَى الأنفِ، يملأُ الأرضَ قِسطْاً وعَدلاً، كما مُلِئَت جَوْراً وظُلماً، يملِكُ سبعَ سنين تحقيق الألباني: حسن، الروض النضير (2 / 53)، المشكاة (5454) " اهـ

صحيح وضعيف سنن أبي داود محمد ناصر الدين الالباني - ج 9 ص 285

وقال: " حدَّثنا مُسدَّدٌ، أن عُمرَ بن عُبيدٍ حدَّثهم. وحدَثنا محمدُ بنُ العلاء، حدَّثنا أبو بكرٍ -يعني ابن عياشٍ-. وحدَّثنا مُسدَّدٌ، حدَّثنا يحيى، عن سُفيان. وحدَّثنا أحمد بن إبراهيمَ، حدَّثنا عُبيدُ الله بن موسى، أخبرنا زائدة. وحدَّثنا أحمد بن إبراهيمَ، حدَّثني عُبيد الله، عن فطر -المعنى واحد- كلُّهم عن عاصم، عن زِرٍّ

عن عبدِ الله، عن النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلم - قال:

"لو لم يبقَ من الدُّنيا إلا يومٌ -قال زائدة في حديثه- لطوَّل الله ذلك اليومَ -ثم اتفقوا- حتى يبعثَ اللهُ فيه رجُلاً مني أو من أهلِ بيتي، يواطئُ اسمُه اسمي، واسمُ أبيه اسمَ أبي -زاد في حديث فطر- يَملأ الأرضَ قِسطاً وعَدلاً، كما مُلِئَت ظلماً وجَوْراً". وقال في حديث سفيان: "لا تذهب -أو لا تنقضي- الدُنيا حتى يملك العربَ رجلٌ من أهل بيتي، يواطئُ اسمُه اسمي

تحقيق الألباني: حسن صحيح الترمذي (2345)/مختصرا، وانظر المشكاة (5452)، فضائل أهل الشام (16)، صحيح الجامع الصغير (5304) " اهـ

صحيح وضعيف سنن أبي داود محمد ناصر الدين الالباني - ج 9 ص 282

وقال الامام ابن حبان:

" 6785 - أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بِسْطَامٍ بِالْأُبُلَّةِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيِّ بْنِ بَحْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ زِرٍّ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(لَا تقومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَمْلِكَ النَّاسَ رجلٌ مِن أهل بيتي يُوَاطِىءُ اسمُهُ اسمي واسمُ أبيه اسم أبي فَيَمْلأُها قِسْطاً وعَدْلاً)

[تعليق الشيخ الألباني] حسن صحيح ـ مضى (5923) " اهـ

التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان محمد ناصر الدين الالباني ج 9 ص 456

وقال الامام ابو داود:

 " حدَّثنا أحمد بن إبراهيم، حدَّثنا عبد الله بن جعفرٍ الرَّقيُّ، حدَّثنا أبو المليح الحسن بن عمر، عن زياد بن بيان، عن علي بن نُفيلٍ، عن سعيدِ بن المسيِّب عن أُمِّ سلمة، قالت: سمعتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلم - يقول: "المهديُّ من عِترتي من ولَدِ فاطمة قال عبدُ الله بن جعفر: وسمعتُ أبا المليح يُثني على علىِّ بن نُفيل، ويذكر منه صلاحاً.

تحقيق الألباني: صحيح ابن ماجة (4086) " اهـ

صحيح وضعيف سنن أبي داود محمد ناصر الدين الالباني - ج 9 ص 284

وفي صحيح الامام مسلم:

" حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعٍ، وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، قَالُوا: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ وَهُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»، قَالَ: " فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ: تَعَالَ صَلِّ لَنَا، فَيَقُولُ: لَا، إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ تَكْرِمَةَ اللهِ هَذِهِ الْأُمَّةَ " اهـ

صحيح مسلم - بَابُ نُزُولِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ حَاكِمًا بِشَرِيعَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ج 1 ص 137

وفي الصحيحين:

 " حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا نَزَلَ ابْنُ مَرْيَمَ فِيكُمْ وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ؟» " اهـ

صحيح البخاري - بَابُ نُزُولِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ ج 4 ص 168، وصحيح مسلم - بَابُ نُزُولِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ حَاكِمًا بِشَرِيعَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ج 1 ص 136.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــت

[1] حديث صحيح دون قوله: "يملك سبعاً أو تسعا". مطر الوَراق: وهو ابن طهمان، وإن كان فيه ضعف من جهة حفظه متابع، وبقية رجاله ثقات رجال الصحيح غير أبي هارون العَبْدي: وهو عمارة بن جُوين، فقد روى له الترمذي وابن ماجه، وهو متروك، وقد توبع.

وأخرجه الحاكم 4/558 من طريق أسد بن موسى، عن حماد بن سلمة، به. وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، وسكت عنه الذهبي.

وقد سلف برقم (11223) من طريق حماد بن سلمة، عن مطر والمعلى بن زياد، عن أبي الصديق، وانظر ما ذكرناه هناك، وانظر (11130).