من الموضوعات التي كثر حولها البحث والنقاش في كتب التراث الإسلامي مسألة مكانة المهدي المنتظر، ومدى تفوقه أو مقارنته بأئمة الصحابة الكرام كأبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما. وقد نُسبت إلى الإمام محمد بن سيرين (رحمه الله) عدة روايات تفيد بأن المهدي "خير من أبي بكر وعمر" أو "لا يفضل عليه أبو بكر ولا عمر"، بل ذُكر في رواية أخرى أنه "قد كان يفضل على بعض الأنبياء".

هذه العبارات، وإن وردت في بعض كتب الرواية كـ"مصنف ابن أبي شيبة" و"كتاب الفتن" لنعيم بن حماد، إلا أنها تحتاج إلى تحقيق علمي دقيق، إذ إن مقام الصحابة متفق على تفضيله على من بعدهم، والإجماع منعقد على أن أبا بكر وعمر أفضل الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم.

من هنا برز دور العلماء في تمحيص الأسانيد وبيان ما صح وما لم يصح من هذه الأقوال، ثم توجيه العبارات بما لا يخالف أصول الاعتقاد، كما فعل الإمام الدارقطني والسيوطي وغيرهما، حيث قرروا أن المقصود من كلام ابن سيرين إن صح عنه، هو المساواة في العدل والقيام بالحق زمن الفتن العظيمة، لا في الفضل والمرتبة عند الله.

يقول الإمام ابن سيرين:

 ((أن المهدي خير من أبي بكر وعمر، قد كان يفضل على بعض الأنبياء)) وقال أيضا: ((يكون في هذه الأمة خليفة لا يفضل عليه أبو بكر ولا عمر)) رواه ابن أبي شيبة في المصنف بإسناد صحيح.

راجع: 

التقاء المسيحين في آخر الزمان / للشيخ أحمد عبد العال الطهطاوي: رئيس جمعية أهل القرآن والسنة / صـ 102 

جَاءَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّ الْمَهْدِيَّ خَيْرٌ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ قَدْ كَادَ يَفْضُلُ الْأَنْبِيَاءَ. وَجَاءَ عَنْهُ أَيْضًا لَا يُفَضَّلُ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ أَخَفَّ مِنَ الْأَوَّلِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ ((فَإِنَّ الْأُمَّةَ مُجْتَمِعَةٌ عَلَى أَفْضَلِيَّتِهِمَا عَلَيْهِ بَلْ وَعَلَى جَمِيعِ الصَّحَابَةِ)) خِلَافًا لِلرَّافِضَةِ خَذَلَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ بَلْ غَيْرُهُمَا مِنَ الصَّحَابَةِ أَفْضَلُ مِنَ الْمَهْدِيِّ.

 لوامع الانوار البهيه الجزء 2 صفحة 85

حدثنا ضمرة عن ابن شوذب عن محمد بن سيرين أنه ذكر فتنة تكون فقال إذا كان ذلك فاجلسوا في بيوتكم حتى تسمعوا على الناس بخير من أبي بكر وعمر رضى الله عنهما قيل يا أبا بكر خير من أبي بكر وعمر قال قد كان يفضل على بعض الأنبياء.

رواه نعيم بن حماد في (الفتن ص221).

ورواه ابن أبي شيبة بإسناد أجود من هذا: حدثنا أبو اسامة عن عوف عن محمد قال: «يكون في هذه الأمة خليفة لا يفضل عليه أبو بكر ولا عمر»

(المصنف حديث37650 بإسناد صحيح).

قال الدارقطني: «يعني في العدل» (العلل الواردة في الحديث10/38 رقم1083). وهو ما قاله السيوطي كما سيأتي.

وعوف من أصحاب محمد بن سيرين الثقات مع تلبسه ببعض الأهواء إلا أنه غير مدفوع عن الصدق والأمانة كما قال مسلم.

وقد تضمنت رواية نعيم بن حماد عن ابن شوذب زيادة (قد كان يفضل...) لم تتضمنها رواية عوف وهو أوثق منه.

فإما أن يكون الخطأ فيه من ابن شوذب، لأن عوف أعرف منه بابن سيرين، أو من نعيم بن حماد لأنه على الرغم من أنه حافظ كبير إلا أنه يخطئ كما بينه ابن عدي في الكامل وغيره من الحفاظ فمع سعة روايته لم يكن حفظه كأقرانه ورفاقه في الطلب من الحفاظ كيحيى بن معين وغيره.

قال النووي في الأربعين «نعيم بن حماد ذو مناكير». «ولا تركن النفس إلى رواياته» كما قال الذهبي» (سير أعلام النبلاء10/ 600).

وقوله (لا تركن النفس) يعني التوقف فيما يتفرد به. وهذه الزيادة من تفرداته.

فإن قال قائل: نعيم قد صرح بالتحديث وهو ثقة. قلنا: ومع هذا فهو يأتي بمناكير ينفرد بها. وقد خالفه من هو اوثق منه. وهي لفظة مخالفة ليس لعوف فقط. بل لعقيدة الإسلام وصريح كلام علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وأنتم تقدمون قول علي قول قول غيره. ونحن طبقنا تفضيلكم لعلي في هذا الشأن.

قال الحافظ ابن عساكر:

 «كان نعيم يحدث من حفظه وعنده مناكير كثيرة لا يتابع عليها وسمعت يحيى بن معين يسأل عنه فقال ليس في الحديث بشيء ولكنه كان صاحب سنة»

(تاريخ دمشق62/161).

على انه يحتمل أن يكون من ابن شوذب، لأن عوفا أعرف منه بابن سيرين ومن نعيم بن حماد لأنه على الرغم من أنه حافظ كبير إلا أنه يخطئ كما بينه ابن عدي في الكامل وغيره من الحفاظ فمع سعة روايته لم يكن حفظه كأقرانه ورفاقه في الطلب من الحفاظ كيحيى بن معين وغيره.

وقد تعقب السيوطي هذه الرواية: فقال: «قلت: في هذا ما فيه... والأوجه عندي تأويل اللفظين على ما أول عليه حديث «بل أجر خمسين منكم» لشدة الفتن في زمان المهدي وتمالئ الروم بأسرها عليه ومحاصرة الدجال له، وليس المراد بهذا التفضيل، والراجع إلى زيادة الثواب والرفعة عند الله، فالأحاديث الصحيحة والإجماع على أن أبا بكر وعمر أفضل الخلق بعد النبيين والمرسلين»

(كتاب العرف الوردي في أخبار المهدي).

قلت: وهذا توجيه جميل من السيوطي لكلام ابن سيرين.

فالمقصود أن المهدي سيكون عادلا في خلافته فلا تجد فرقا أو فضلا بينه وبين الشيخين في العدل، وهذا لا إشكال فيه، وليس معناه أنه يساوي أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في الفضل.

والراجح:

 أن قول ابن سيرين محمول على العدالة وثقل مهمته. وإذا كان المؤمن العادي المتمسك بسنة النبي عند فساد أمته له أجر خمسين من أصحاب النبي فالمهدي أولى بهذا من المؤمن العادي.