من الأحاديث التي أُثير حولها جدل واسع حديث: «الشمس والقمر ثوران عقيران في النار»، والذي نُسب إلى النبي ﷺ وروي عن أنس بن مالك رضي الله عنه. هذا الحديث ضعّفه كبار المحدثين وحكموا بوضعه، بينما أثار اعتراض الحسن البصري حين قال: ما ذنبهما؟ مما فتح باب التساؤل حول معناه وصحته.

وقد جاء في بعض كتب السنة روايات أخرى بلفظ "مكوران"، الأمر الذي زاد النقاش حول دلالة الحديث ومقصودة. ومما زاد الاعتراض أن الشمس والقمر من أعظم آيات الله في الكون، لم يعصيا ولم يخرجا عن مسارهما. هنا برز دور العلماء في بيان ضعف الرواية من جهة، وشرح معنى "تكويرهما" في النار من جهة أخرى، ليس على سبيل العقوبة لهما وإنما كونهما مخلوقين مسخرين يجري عليهما حكم الله يوم القيامة. كما وضح الطحاوي أن دخولهما النار لا يعني العذاب، بل أنهما يُجعلان وسيلة لتعذيب أهل النار كسائر مخلوقات الله التي يهيئها للعقوبة.

حديث: إن الشمس والقمر ثوران مكوران في النار يوم القيامة:

حدثنا موسى بن محمد بن حيان حدثنا درست بن زياد حدثنا يزيد الرقاشي حدثنا أنس بن مالك قال رسول الله e: «الشمس والقمر ثوران عقيران في النار». فقال له الحسن: ما ذنبهما؟ قال: إني لأحدث عن رسول اللّه e. قال: فسكت الحسن، والحسن القائل لأبي سلمة.

رواه أبو يعلى في مسنده9/143). وحكم السيوطي والشوكاني بوضعه (اللآلئ المصنوعة1/76 الفوائد المجموعة1/459). وفيه درست بن زياد. قال البخاري «حديثه ليس بالقائم» (التاريخ الكبير3/253).

يحيى بن معين انه قال درست بن زياد لا شيء... سئل أبو زرعة عن درست بن زياد فقال واهي الحديث (الجرح والتعديل لابن أبي حاتم الرازي3/437)

على أن البخاري روى ما يشبه الرواية بلفظ «الشمس والقمر مكوران يوم القيامة» (البخاري3/1171 حديث رقم3028).

قال المعترضون على الحديث: ما ذنبهما ولماذا يعذبان؟ لقد سخرا فامتثلا ولم يخالفا! فلم تعص الشمس يوما فقالت: لن أطلع اليوم. ولا القمر خرج عن مساره!!

قلنا: وما ذنب ذراري قتلة الحسين الذين سوف يعمل فيهم مهديكم السيف بسبب أفعال آبائهم انتقاما لقتلهم الحسين؟ فلا تشفقوا على الشجر والحجر بينما تجيزون القتل والسلب في حق من تسمونهم بالنواصب.

جاء في كتاب تفسير الصافي:

 أنه إذا خرج القائم (المهدي) قتل ذراري قتلة الحسين بأفعال آبائهم ... وأنه يضرب أعناق خمسمائة من قريش ويضرب عنق معاوية ويزيد، ويجلد عائشة حدّاً (تفسير الصافي 172:1). واشتمال النص على هذه العبارة (يقتل ذراري الحسن بأفعال آبائهم) يعارض تعاليم القرآن ﴿ولا تزر وازرة وزر أخرى ويشبه الخطيئة الموروثة في المفهوم النصراني ومفادها أن الله غضب على بني آدم بسبب خطيئة أبيهم.

ثم هذا اعتراض الحسن رضي الله عنه مبطل لعصمته. فإن الشمس والقمر مخلوقان جماديان حجريان. والله جعل وقود جهنم من الحجارة. قال تعالى ﴿ َاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (البقرة24). فهل سوف يقول قائل:

 ما ذنب الأحجار أن تحترق في جهنم؟

ولا ننسى أن في النار ما لا يحترق. فإن مواطن السجود من المؤمن لا تمسها النار. ولا تأكل النار صور من يشاء المؤمنين العصاة.

وقد ورد مثل هذه الشبهة للحسن البصري.

قال الطحاوي في مشكل الحديث:

«حدثنا محمد بن خزيمة حدثنا معلى بن أسد العمي قال حدثنا عبد العزيز بن المختار عن الداناج قال شهدت أبا سلمة بن عبد الرحمن جلس في مسجد في زمن خالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد قال فجاء الحسن فجلس إليه فتحدثا فقال أبو سلمة حدثنا أبو هريرة عن النبي عليه السلام قال الشمس والقمر ثوران مكوران يوم القيامة فقال الحسن ما ذنبهما فقال إنما أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فسكت الحسن فكان ما كان من الحسن في هذا الحديث إنكارا على أبي سلمة إنما كان والله أعلم لما وقع في قلبه أنهما يلقيان في النار ليعذبا بذلك فلم يكن من أبي سلمة له عن ذلك جواب وجوابنا له في ذلك عن أبي سلمة أن الشمس والقمر إنما يكوران في النار ليعذبا أهل النار لا أن يكونا معذبين في النار وأن يكونا في تعذيب من في النار كسائر ملائكة الله الذين يعذبون أهلها ألا ترى إلى قوله تعالى ﴿يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم﴾ أي من تعذيب أهل النار ﴿ويفعلون ما يؤمرون﴾ وكذلك الشمس والقمر هما فيها بهذه المنزلة معذبان لأهل النار بذنوبهم لا معذبان فيها إذ لا ذنوب لهما وقد روي عن أنس عن رسول الله عليه السلام في الشمس والقمر هذا المعنى أيضا وفيه زيادة أنهما عقيران حدثنا إسحاق بن إبراهيم البغدادي حدثنا محمد بن صالح القرشي قال أبو جعفر وهو الذي يقال له ابن النطاح..

وفي حديث أنس:

الشمس والقمر ثوران عقيران في النار قال أبو جعفر ومعنى العقر الذي ذكر أنه لهما في هذا الحديث عند أهل العلم باللغة لم يرد به العقر لهما عقوبة لهما إذ كان ذلك لا يجوز فيهما إذ كانا في الدنيا من عبادة الله على ما ذكرهما به في كتابه بقوله ﴿ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر وذكر معهما من ذكر معهما في هذه الآية حتى أتى على قوله تعالى ﴿وكثير حق عليه العذاب فأخبر أن عذابه إنما يحق على غير من يسجد له في الدنيا ولكنهما كانا في الدنيا يسبحان في الفلك الذي كانا يسبحان فيه كما قال تعالى ﴿لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر الآية ثم أعادهما يوم القيامة موكلين بالنار كغيرهما من ملائكته الموكلين بها فقطعهما بذلك عما كانا فيه من الدنيا من السباحة فعادا بانقطاعهما عن ذلك كالزمنين بالعقر فقيل لهما عقيران على استعارة هذا الاسم لهما لا على حقيقة حلول عقر بهما والله نسأله التوفيق»

(شرح مشكل الآثار1/170).