أُثيرت الكثير من الشبهات حول دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، خاصة فيما يتعلق بمسألة "التكفير".

وقد تعمد خصومه إلصاق التهم به، مدّعين أنه يكفر بالعموم أو يخرج الناس من الملة بغير حجة. غير أن نصوصه وكتاباته تثبت خلاف ذلك تمامًا، فهو لم يكفر إلا من عرف دين الرسول ﷺ ثم عانده أو سبه أو حاربه بعد قيام الحجة عليه.

بل صرّح مرارًا أن اتهامه بتكفير الجاهل أو المقلد بهتان عظيم. ويُظهر هذا المقال موقف الإمام من مسألة التكفير، وكيف أنه وافق في منهجه أقوال أئمة أهل السنة قبله كالإمام الشافعي وابن حزم وغيرهما، الذين قرروا أن العذر بالجهل قائم حتى تقام الحجة وتُزال الشبهة. بذلك يتضح أن منهجه ليس بدعة، وإنما امتداد لعقيدة السلف الصالح وأئمة الهدى.

لقد ذكر الامام ابن عبد الوهاب عقيدته في التكفير فقال:

 " وأما التكفير فأنا أكفر من عرف دين الرسول ثم بعد ما عرفه سبه ونهى الناس عنه وعادى من فعله فهذا هو الذي أكفره وأكثر الأمة ولله الحمد ليسوا كذلك. وأما القتال فلم نقاتل أحداً إلى اليوم إلا دون النفس والحرمة وهم الذين أتونا في ديارنا ولا أبقوا ممكنا ولكن قد نقاتل بعضهم على سبيل المقابلة ﴿وجزاء سيئة سيئة مثلها وكذلك من جاهر بسب دين الرسول بعد ما عرفه والسلام "

الرسائل الشخصية محمد بن عبد الوهاب - ص 20

وقال: " وأما القول إنا نكفر بالعموم فذلك من بهتان الأعداء الذين يصدون به عن هذا الدين ونقول سبحانك هذا بهتان عظيم

" الرسائل الشخصية محمد بن عبد الوهاب - ص 62

وفي الدرر السنية:

 " وسئل الشيخ: محمد بن عبد الوهاب، رحمة الله تعالى، عما يقاتل عليه؟ وعما يكفر الرجل به؟

 فأجاب:

أركان الإسلام الخمسة، أولها الشهادتان، ثم الأركان الأربعة؛ فالأربعة: إذا أقر بها، وتركها تهاوناً، فنحن وإن قاتلناه على فعلها، فلا نكفره بتركها؛ والعلماء: اختلفوا في كفر التارك لها كسلاً من غير جحود؛ ولا نكفر إلا ما أجمع عليه العلماء كلهم، وهو الشهادتان.

وأيضاً: نكفره بعد التعريف إذا عرف وأنكر........................

وإذا كنا: لا نكفر من عبد الصنم، الذي على عبد القادر؛ والصنم الذي على قبر أحمد البدوي، وأمثالهما، لأجل جهلهم، وعدم من ينبههم، فكيف نكفر من لم يشرك بالله؟! إذا لم يهاجر إلينا، أو لم يكفر ويقاتل ﴿سبحانك هذا بهتان عظيم [النور:16] "

 الدرر السنية في الكتب النجدية تحقيق عبد الرحمن بن محمد بن قاسم - ج 1 ص 102 104

وقال: " وأما ما ذكر الأعداء عني أني أكفر بالظن وبالموالاة أو أكفر الجاهل الذي لم تقم عليه الحجة فهذا بهتان عظيم يريدون به تنفير الناس عن الله ورسوله "

الرسائل الشخصية محمد بن عبد الوهاب - ص 10

ان منهج الامام محمد بن عبد الوهاب هو منهج اهل السنة والجماعة، وقد سبقه ائمة اعلام بهذا ومنهم الامام الشافعي رحمه الله.

 قال الامام الذهبي:

" وَقَالَ شَيْخُ الإِسْلاَمِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ يُوْسُفَ الهَكَّارِيُّ، فِي كِتَابِ (عَقِيْدَةِ الشَّافِعِيِّ) لَهُ: أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى الخَلِيْلُ بنُ عَبْدِ اللهِ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ بنُ عَلْقَمَةَ الأَبْهَرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى، سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ - وَقَدْ سُئِلَ عَنْ صِفَاتِ اللهِ -تَعَالَى- وَمَا يُؤمِنُ بِهِ - فَقَالَ: للهِ أَسْمَاءٌ وَصِفَاتٌ، جَاءَ بِهَا كِتَابُهُ، وَأَخْبَرَ بِهَا نَبِيُّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُمَّتَهُ، لاَ يَسَعُ أَحَداً قَامَتْ عَلَيْهِ الحُجَّةُ رَدَّهَا، لأَنَّ القُرْآنَ نَزَلَ بِهَا، وَصَحَّ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- القَوْلَ بِهَا، فَإِنْ خَالَفَ ذَلِكَ بَعْدَ ثُبُوتِ الحُجَّةِ عَلَيْهِ، فَهُوَ كَافِرٌ، فَأَمَّا قَبْلَ ثُبُوْتِ الحُجَّةِ، فَمَعْذُورٌ بِالجَهْلِ، لأَنَّ عِلْمَ ذَلِكَ لاَ يُدْرَكُ بِالعَقْلِ، وَلاَ بِالرَّوِيَّةِ وَالفِكْرِ، وَلاَ نُكَفِّرُ بِالجَهْلِ بِهَا أَحَداً، إِلاَّ بَعْدَ انتهَاءِ الخَبَرِ إِلَيْهِ بِهَا، وَنُثْبِتُ هَذِهِ الصَّفَاتِ، وَنَنْفِي عَنْهَا التَّشْبِيْهَ، كَمَا نَفَاهُ عَنْ نَفْسِهِ، فَقَالَ: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيْر [الشُّوْرَى: 11] "

سير اعلام النبلاء - أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي - ج 10 ص 79 80

وقال الامام ابو محمد بن حزم الظاهري:

" وَأبين من شَيْء فِي هَذَا قَول الله تَعَالَى ﴿إِذْ قَالَ الحواريون يَا عِيسَى ابْن مَرْيَم هَل يَسْتَطِيع رَبك أَن ينزل علينا مائدة من السَّمَاء إِلَى قَوْله ﴿ونعلم إِن قد صدقتنا فَهَؤُلَاءِ الحواريون الَّذين أثنى الله عز وَجل عَلَيْهِم قد قَالُوا بِالْجَهْلِ لعيسى عَلَيْهِ السَّلَام هَل يَسْتَطِيع رَبك أَن ينزل علينا مائدة من السَّمَاء وَلم يبطل بذلك إِيمَانهم وَهَذَا مَا لَا مخلص مِنْهُ وَإِنَّمَا كَانُوا يكفرون لَو قَالُوا ذَلِك بعد قيام الْحجَّة وتبيينهم لَهَا.

قَالَ أَبُو مُحَمَّد وبرهان ضَرُورِيّ لَا خلاف فِيهِ وَهُوَ أَن الْأمة مجمعة كلهَا بِلَا خلاف من أحد مِنْهُم وَهُوَ أَن كل من بدل آيَة من الْقُرْآن عَامِدًا وَهُوَ يدْرِي أَنَّهَا فِي الْمَصَاحِف بِخِلَاف ذَلِك وَأسْقط كلمة عمدا كَذَلِك أَو زَاد فِيهَا كلمة عَامِدًا فَإِنَّهُ كَافِر بِإِجْمَاع الْأمة كلهَا ثمَّ أَن الْمَرْء يُخطئ فِي التِّلَاوَة فيزيد كلمة وَينْقص أُخْرَى ويبدل كَلَامه جَاهِلا مُقَدرا أَنه مُصِيب ويكابر فِي ذَلِك ويناظر قبل أَن يتَبَيَّن لَهُ الْحق وَلَا يكون بذلك عِنْد أحد من الْأمة كَافِرًا وَلَا فَاسِقًا وَلَا آثِما فَإِذا وقف على الْمَصَاحِف أَو أخبرهُ بذلك من الْقُرَّاء من تقوم الْحجَّة بِخَبَرِهِ فَإِن تَمَادى على خطاه فَهُوَ عِنْد الْأمة كلهَا كَافِر بذلك لَا محَالة وَهَذَا هُوَ الحكم الْجَارِي فِي جَمِيع الدّيانَة "

 الفصل في الملل والأهواء والنحل علي بن احمد بن سعيد بن حزم ج 3 ص 141