من القضايا التي أثيرت في التراث الإسلامي مسألة كتابة الحديث في عصر النبوة، حيث نُقل عن النبي ﷺ أنه نهى عن كتابة شيء غير القرآن الكريم، واستدل بعضهم بحديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي رواه الخطيب البغدادي في تقييد العلم. غير أن علماء الحديث بينوا أن هذا الأثر لا يثبت، وعلته الراوي عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، الذي أجمع النقاد على تضعيفه، بل وصفه بعضهم بأنه كان يقلب الأخبار ويرفع المراسيل ويزيد في الأسانيد من غير علم. ومن هنا فإن الاعتماد على هذا الخبر لإثبات النهي المطلق عن كتابة السنة أمر مردود، خصوصاً أن النصوص الصحيحة دلت على أن بعض الصحابة كتبوا أحاديث النبي ﷺ بإذنه، مثل صحيفة همام بن منبه، وصحيفة عبد الله بن عمرو بن العاص. هذا المقال يعرض الحديث محل النقاش، ويستعرض أقوال المحدثين في علته، ويوضح كيف تعامل الأئمة مع قضية التدوين في القرون الأولى.
قال الامام ابو بكر الخطيب البغدادي:
"أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ التَّمِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ، وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ الْقَطِيعِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُظَفَّرِ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّا الْمُطَرِّزُ، حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ، وَنَحْنُ نَكْتُبُ الْأَحَادِيثَ فَقَالَ: "مَا هَذَا الَّذِي تَكْتُبُونَ؟ قُلْنَا: أَحَادِيثَ نَسْمَعُهَا مِنْكَ، قَالَ: «كِتَابٌ غَيْرَ كِتَابِ اللَّهِ؟ أَتَدْرُونَ مَا ضَلَّ الْأُمَمَ قَبْلَكُمْ؟ أَلَا بِمَا اكْتَتَبُوا مِنَ الْكُتُبِ مَعَ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى».
مقالات السقيفة ذات صلة: |
- النبي بايع عن عثمان في بيعة الشجرة |
قُلْنَا: أَنُحَدِّثُ عَنْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «حَدِّثُوا عَنِّي وَلَا حَرَجَ وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْتَيَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ».
قُلْنَا: فَنَتَحَدَّثُ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ قَالَ: «حَدِّثُوا وَلَا حَرَجَ فَإِنَّكُمْ لَمْ تُحَدِّثُوا عَنْهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا وَقَدْ كَانَ فِيهِمْ أَعْجَبُ مِنْهُ».
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَجَمَعْنَاهَا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَأَلْقَيْنَاهَا فِي النَّارِ. هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ الْقَطِيعِيِّ، وَالْآخَرُ بِمَعْنَاهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: «أَكِتَابٌ مَعَ كِتَابِ اللَّهِ؟ أَمْحِضُوا كِتَابَ اللَّهِ وَأَخْلِصُوهُ» "
تقييد العلم –أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي - ج 1 ص 34
الاثر لا يصح وعلته عبد الرحمن بن زيد بن أسلم.
قال الامام البخاري:
" 214- عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: مولى عمر بن الخطاب القرشي. المديني عن أبيه، وأبي حازم، ضعفه علي جدا، قال إبراهيم بن حمزة أظنه قال: مات سنة ثنتين وثمانين "
الضعفاء – محمد بن اسماعيل البخاري – ج 1 ص 84
وقال الامام ابن حجر:
" 3865 - عبد الرحمن بن زيد بن أسلم العدوي مولاهم ضعيف من الثامنة مات سنة اثنتين وثمانين ت ق "
تقريب التهذيب – احمد بن علي بن حجر - ج 1 ص 578
وقال الامام ابن الجوزي:
" 1871 عبد الرحمن بن زيد بن أسلم يروي عن أبيه ضعفه أحمد وعلي وأبو داود وأبو زرعة وأبو حاتم الرازي والنسائي والدارقطني وقال ابن حبان كان يقلب الأخبار وهو لا يعلم حتى كثر ذلك في روايته من رفع المراسيل وإسناد الموقوف فاستحق الترك "
الضعفاء والمتروكون – عبد الرحمن بن علي بن الجوزي – ج 2 ص 95