تُعَدّ الفرقة الشيعية الاثنا عشرية من أخطر الفرق الضالة التي خرجت عن جماعة المسلمين، لما تحمله من عقائد باطلة وأقوال مناقضة للقرآن والسنة. فقد سعت هذه الفرقة عبر قرون إلى نشر روايات موضوعة وأحاديث مكذوبة لتبرير مواقفها العقدية والسياسية، بل لم تسلم منها عقيدة حفظ القرآن.
ومن المفارقات العجيبة أن بعض كبار مراجعهم الذين يُعتبرون من أعمدة الفكر الشيعي، قد صرّحوا بقبول نسخ التلاوة، وهو ما اعتبره مرجعهم المعاصر أبو القاسم الخوئي عين القول بالتحريف!
وفي هذا المقال، نعرض نصوص كبار علماء الإمامية الذين صرّحوا بوقوع نسخ التلاوة في القرآن الكريم، مع تحليلٍ يبيّن تناقض المذهب الشيعي في هذه المسألة الخطيرة.
قول الشيخ الطوسي في "التبيان" و"عدة الأصول" |
قال الشيخ الطوسي في كتابه التبيان في تفسير القرآن (ج 1 ص 393):
«فالنسخ في الشرع على ثلاثة أقسام: نسخ الحكم دون اللفظ، ونسخ اللفظ دون الحكم، ونسخهما معًا...
وقالت فرقة رابعة: يجوز نسخ التلاوة وحدها، والحكم وحده، ونسخهما معًا – وهو الصحيح – وقد دللنا على ذلك، وأفسدنا سائر الأقسام في العدة في أصول الفقه.» انتهى.
وقال أيضًا في التبيان (ج 1 ص 13):
«ولا يخلو النسخ في القرآن من أقسام ثلاثة:
أحدها نسخ حكمه دون لفظه، كآية العدة في المتوفى عنها زوجها المتضمّنة للسنة، فإن الحكم منسوخ والتلاوة باقية، وكآية النجوى وآية وجوب ثبات الواحد للعشرة، فإن الحكم مرتفع والتلاوة باقية...
والثاني ما نُسخ لفظه دون حكمه، كآية الرجم، فإن وجوب الرجم على المحصنة لا خلاف فيه، والآية التي كانت متضمّنة له منسوخة بلا خلاف، وهي قوله: (والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة فإنهما قضيا الشهوة جزاءً بما كسبا نكالًا من الله والله عزيز حكيم)
والثالث ما نُسخ لفظه وحكمه، وذلك نحو ما رُوي عن عائشة: إنه كان فيما أُنزل الله أن عشر رضعات تحرّم، فنسخ ذلك بخمس رضعات، فنسخت التلاوة والحكم.»
وقال الطوسي في عدة الأصول (ج 3 ص 36 – 37): |
«فصل في ذكر جواز نسخ الحكم دون التلاوة ونسخ التلاوة دون الحكم...
جميع ما ذكرناه جائز دخول النسخ فيه، لأن التلاوة عبادة والحكم عبادة أخرى، فجاز وقوع النسخ في إحداهما مع بقاء الأخرى...
وقد ورد النسخ بجميع ما قلناه، لأن الله تعالى نسخ اعتداد الحول بتربص أربعة أشهر وعشر، ونسخ التصدق قبل المناجاة، ونسخ ثبات الواحد للعشرة، وإن كانت التلاوة باقية في جميع ذلك.
وقد نُسخت التلاوة وبقي الحكم كما رُوي من آية الرجم: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالًا من الله)...»
وقال: " فصل في ذكر جواز نسخ الحكم دون التلاوة ونسخ التلاوة دون الحكم جميع ما ذكرناه جائز دخول النسخ فيه لأن التلاوة إذا كانت عبادة والحكم عبادة أخرى جاز وقوع النسخ في إحديهما مع بقاء الاخر كما يصح ذلك في كل عبادتين وإذا ثبت ذلك جاز نسخ التلاوة دون الحكم والحكم دون التلاوة فان قيل كيف يجوز نسخ الحكم مع بقاء التلاوة وهل ذلك الا نقض لكون التلاوة دلالة على الحكم لأنها إذا كانت دلالة على الحكم فينبغي أن يكون دلالة ما دامت ثابتة وإلا كان نقضا على ما بيناه قيل له ليس ذلك نقضا لكونها دلالة لأنها إنما تدل على الحكم ما دام الحكم مصلحة وأما إذا تغير حال الحكم وخرج من كونه مصلحة إلى غيره لم يكن التلاوة دلالة عليه وليس لهم أن يقولوا لا فايدة في بقاء التلاوة إذا ارتفع الحكم وذلك إنه لا يمتنع أن يتعلق المصلحة بنفس التلاوة وان لم يقتض الحكم وإذا لم يمتنع ذلك جاز بقائها مع ارتفاع الحكم وليس لهم أن يقولوا أن هذا المذهب يؤدى إلى إنه يجوز أن يفعل جنس الكلام بمجرد المصلحة دون الإفادة وذلك مما تأبونه لأنا إنما نمنع في الموضع الذي أشاروا إليه إذا أخلا الكلام من فايدة أصلا وليس كذلك بقاء التلاوة مع ارتفاع الكلام لأنها إفادة في الابتداء تعلق الحكم بها و قصد بها ذلك وانما تغيرت المصلحة في المستقبل في الحكم فنسخ وبقى التلاوة لما فيها من المصلحة وذلك يخالف ما سأل السائل عنه وأما نسخ التلاوة مع بقاء الحكم فلا شبهة فيه لما قلناه من جواز تعلق المصلحة بالحكم دون التلاوة وليس لهم أن يقولوا أن الحكم قد ثبت بها فلا يجوز مع زوال التلاوة بقائه وذلك أن التلاوة دلالة على الحكم فليس في عدم الدلالة عدم المدلول عليه الا ترى أن انشقاق القمر ومجرى الشجرة دال على نبوة نبينا ولا يوجب عدمهما خروجه (ع) من كونه نبيا صلى الله عليه وآله كذلك القول في التلاوة والحكم ويفارق ذلك الحكم العلم الذي يوجب عدمه خروج العلم من كونه عالما لأن العلم موجب لا إنه دال وأما جواز النسخ فيهما فلا شبهة أيضا فيه لجواز تغير المصلحة فيما وقد ورد النسخ بجميع ما قلناه لأن الله تعالى نسخ اعتداد الحول بتربص أربعة اشهر وعشر أو نسخ التصدق قبل المناجاة ونسخ ثبات الواحد للعشرة وان كانت التلاوة باقية في جميع ذلك وقد نسخ ابقاء التلاوة وبقى الحكم على ما روى من اية الرجم من قوله الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله وان كان ذلك مما أنزله الله والحكم باق بلا خلاف وكذلك روى تتابع صيام كفارة اليمين في قراءة عبد الله بن مسعود لأنه قد نسخ التلاوة والحكم باق عند من يقول بذلك وأما نسخهما معا فمثل ما روى عن عايشة انها قالت كان فيما أنزله تعالى عشرة رضعات يحرمن ثم نسخت بخمس فجرت بنسخة تلاوة وحكما وانما ذكرنا هذه المواضع على جهة المثال ولو لم يقع شئ منها لما أخل بجواز ما ذكرناه وصحته لأن الذي أجاز ذلك ما قدمناه من الدليل وذلك كاف في هذا الباب " اهـ
عدة الأصول - الطوسي - ج 3 - ص 36 – 37
قول الطبرسي في "مجمع البيان" |
قال الطبرسي في تفسيره مجمع البيان (ج 1 ص 338):
«والنسخ في القرآن على ضروب:
◘ منها أن يُرفع حكم الآية وتلاوتها، كما روي عن أبي بكر إنه قال: كنا نقرأ (لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم).
◘ ومنها أن تثبت الآية في الخط ويرتفع حكمها، كقوله تعالى: ﴿وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ﴾ (الممتحنة: 11)
فهذه ثابتة اللفظ في الخط، مرتفعة الحكم.
◘ ومنها ما يرتفع اللفظ ويثبت الحكم، كآية الرجم، فقد قيل إنها كانت منزلة فرفع لفظها. وقد جاءت أخبار كثيرة بأن أشياء كانت في القرآن فنسخ تلاوتها...»
◘ ومنها ما روي عن أبي موسى، أنهم كانوا يقرأون: " لو أن لابن آدم واديين من مال، لابتغى إليهما ثالثا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب " ثم رفع. وعن انس أن السبعين من الأنصار الذين قتلوا ببئر معونة، قرأنا فيهم كتابا. " بلغوا عنا قومنا إنا لقينا ربنا فرضي عنا، وأرضانا) ثم أن ذلك رفع " اهـ
قول القطب الراوندي في "فقه القرآن" |
قال القطب الراوندي في فقه القرآن (ج 1 ص 204 – 205):
«والنسخ في الشرع على ثلاثة أقسام:
نسخ الحكم دون اللفظ، ونسخ اللفظ دون الحكم، ونسخهما معًا...
فالأول كقوله ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ ۚ أن يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ * ٱلْـَٔانَ خَفَّفَ ٱللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أن فِيكُمْ ضَعْفًا ۚ فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ ٱللَّهِ ۗ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِينَ ﴾. فكان الفرض الأول وجوب ثبوت الواحد للعشرة، فنسخ بثبوت الواحد للاثنين، فحكم الآية الأولى منسوخ وتلاوتها ثابتة. ونحوها آية العدة والفدية وغير ذلك
فالثاني كآية الرجم، فقد روي أنها كانت منزلة: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة فإنهما قضيا الشهوة جزاءً بما كسبا نكالًا من الله والله عزيز حكيم)، فرفع لفظها وبقي حكمها.»
فالنسخ حقيقته كل دليل شرعي دل على أن مثل الحكم الثابت بالنص الأول غير ثابت فيما بعد على وجه لولاه لكان ثابتا بالنص الأول مع تراخيه عنه.
واعلم أن سبيل النسخ سبيل سائر ما تعبد الله به وشرعه على حسب ما يعلم من المصلحة فيه، فإذا زال الوقت الذي تكون المصلحة مقرونة به زال بزواله، وذلك مشروط بما في المعلوم من المصلحة به، وهذا كاف في ابطال قول من أبى النسخ. ومعنى الآية: ما نبدل من آية أو نتركها أو نؤخرها نأت بخير منها لكم في التسهيل كالأمر بالقتال أو مثلها كالتوجه إلى القبلة " اهـ
قول الحلي في "نهاية الإحكام" |
قال الحسن بن يوسف الحلي في نهاية الإحكام (ج 1 ص 20):
«ويجوز كتابة القرآن من غير مس، ولا يحرم مس التوراة والإنجيل، وما نسخ تلاوته من القرآن دون ما نسخ حكمه خاصة، عملًا بالأصل.»
قول النراقي في "مستند الشيعة" |
قال النراقي في مستند الشيعة (ج 2 ص 219):
«لا تحريم في مس غير القرآن من الكتب المنسوخة والتفسير والحديث وأسماء الحجج، ولا ما نسخ تلاوته من القرآن للأصل، دون ما نسخ حكمه دون تلاوته.»
قول البحراني في "الحدائق الناضرة" |
قال الشيخ يوسف البحراني في الحدائق الناضرة (ج 2 ص 125):
«الظاهر شمول التحريم لما نُسخ حكمه دون تلاوته، لبقاء الحرمة من جهة التلاوة، وصدق المصحف والقرآن عليه، بخلاف ما نُسخت تلاوته وإن بقي حكمه، فإنه لا يحرم مسه، لعدم الصدق، ولا أعرف خلافًا في ذلك.»
قول الشريف المرتضى في "الذريعة" |
قال الشريف المرتضى في الذريعة (ج 1 ص 428 – 429):
«فصل في جواز نسخ الحكم دون التلاوة ونسخ التلاوة دونه...
ومثال نسخ الحكم دون التلاوة: نسخ الاعتداد بالحول، وتقديم الصدقة أمام المناجاة.
ومثال نسخ التلاوة دون الحكم: ما روي أن من جملة القرآن (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة) فنسخت تلاوة ذلك.»
ومثال نسخ الحكم والتلاوة معا موجود - أيضا - في أخبار الآحاد، وهو ما روي عن عايشة أنها قالت: ( كان فيما أنزل الله - سبحانه - ( عشر رضعات يحرمن ) فنسخ بخمس، وأن ذلك كان يتلى ) " اهــ
قول الحلي في "معارج الأصول": |
قال جعفر بن الحسن الحلي في معارج الأصول (ص 170):
«نسخ الحكم دون التلاوة جائز وواقع، كنسخ الاعتداد بالحول، وكنسخ الإمساك في البيوت.
وكذلك نسخ التلاوة مع بقاء الحكم جائز، وقيل واقع، كما يقال إنه كان في القرآن زيادة نُسخت، وهذا وإن لم يكن معلومًا، فإنه جائز.»
الشبهة والرد عليها: |
الشبهة:
يزعم الخوئي أن القول بنسخ التلاوة هو القول بالتحريف، ويتهم به أهل السنة.
الرد:
نقول للخوئي وأتباعه: أن كبار علماء مذهبكم أنفسهم صرّحوا بجواز ووقوع نسخ التلاوة. فإما أن يكونوا - بحسب وصفك - قائلين بالتحريف، أو أن يكون اتهامك لأهل السنة باطلًا.
وأهل السنة يرون أن نسخ التلاوة تشريع إلهيّ ثابت بالوحي وليس تحريفًا بشريًا، كما قال الله تعالى:
﴿مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنهَا أَوْ مِثلِهَا﴾ (البقرة: 106) فشتّان بين النسخ الذي هو وحي، والتحريف الذي هو تبديل من البشر.
المصادر: |
1) التبيان في تفسير القرآن – الشيخ الطوسي – ج 1 ص 13، 393.
2) عدة الأصول – الشيخ الطوسي – ج 3 ص 36 – 37.
3) مجمع البيان – الطبرسي – ج 1 ص 338.
4) فقه القرآن – القطب الراوندي – ج 1 ص 204 – 205.
5) نهاية الإحكام – الحسن بن يوسف الحلي – ج 1 ص 20.
6) مستند الشيعة – النراقي – ج 2 ص 219.
7) الحدائق الناضرة – البحراني – ج 2 ص 125.
8) الذريعة – الشريف المرتضى – ج 1 ص 428 – 429.
9) معارج الأصول – جعفر بن الحسن الحلي – ص 170.