مدح أهل البيت الفاروق:

هذا ولقد مدحه ابن عباس رضي الله عنه وهو أحد أعلام أهل بيت النبوة وسادتهم وابن عم النبي عليه السلام بقوله: رحم الله أبا حفص كان والله حليف الإسلام، ومأوى الأيتام، ومنتهى الإحسان، ومحل الإيمان، وكهف الضعفاء، ومعقل الحنفاء، وقام بحق الله صابراً محتسباً حتى أوضح الدين، وفتح البلاد، وآمن العباد" ["مروج الذهب" للمسعودي الشيعي ج3 ص51، "ناسخ التواريخ" ج2 ص144 ط إيران].

هذا وقد بالغ في مدحه سائر أهل البيت كما مر في ذكر الصديق رضي الله عنه عن زين العابدين علي بن الحسين بن علي، وعن ابنه محمد الباقر، وزيد الشهيد، وعن ابن الباقر جعفر، الملقب بالصادق، وأنه كان يأتي إلى قبرهما ويسلم عليهما، وكان يتولاهما، كل شيء من ذلك في ضمن ذكر الصديق أبي بكر بن أبي قحافة رضي الله عنهما.

وقبل أن ننتقل إلى شيء آخر نريد أن نضيف إلى ما ذكرنا رواية أخرى أوردها الكليني في كتاب "الروضة من الكافي".

إن جعفر بن محمد - الإمام السادس المعصوم لدى الشيعة - لم يكن يتولاهما فحسب، بل كان يأمر أتباعه بولايتهما أيضاً، فيقول صاحبه المشهور لدى القوم أبو بصير: كنت جالساً عند أبي عبد الله عليه السلام إذ دخلت علينا أم خالد التي كان قطعها يوسف بن عمر تستأذن عليه. فقال أبو عبد الله عليه السلام: أيسرّك أن تسمع كلامها؟ قال: فقلت: نعم، قال: فأذن لها. قال: وأجلسني على الطنفسة، قال: ثم دخلت فتكلمت فإذا امرأة بليغة، فسألته عنهما (أي أبى بكر وعمر) فقال لها: توليهما، قالت: فأقول لربي إذا لقيته: إنك أمرتني بولايتهما؟ قال: نعم" ["الروضة من الكافي" ج8 ص101 ط إيران تحت عنوان "حديث أبي بصير مع المرأة"].

فهذا هو الإمام السادس للقوم الذي جعلوا مذهبهم على اسمه، وشريعتهم على رسمه، حيث سموا أنفسهم جعفريين، ومذهبهم الجعفري، لا يتولى أبا بكر وعمر نفسه بل يأمر أتباعه أيضاً بتوليهما، فرحمة الله عليهم جميعاً، ورحمة ربنا على من يتمثل بأمره وأمر آبائه في ولاية أبى بكر الصديق وعمر الفاروق وغيرهما وأصحاب النبي صلوات الله وسلامه ورضوانه عليهم أجمعين.

تزويج المرتضى أم كلثوم من الفاروق:

وعلى هذا زوج علي بن أبي طالب رضي الله عنه ابنته التي ولدتها فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم من الفاروق رضي الله عنه حينما سأله زواجها منه رضي بما يطلب، وثقة فيه، واعتماداً به، وإقراراً بفضائله ومناقبه، واعترافاً بمحاسنه وجمال سيرته، وإظهاراً بأن بينهم من العلاقات الوطيدة الطيبة والصلات المحكمة المباركة ما يحرق قلوب الحساد من اليهود وأعداء الأمة المجيدة، ويرغم أنوفهم، ولقد أقر بهذا الزواج كافة أهل التاريخ والأنساب وجميع محدثي الشيعة وفقهائهم ومكابريهم ومجادليهم وأئمتهم المعصومين حسب زعمهم، ولقد أوردنا روايات بخصوص ذلك في كتابنا "الشيعة والسنة".

وإتماماً للفائدة وإكمالا للبحث نورد ههنا بعض الروايات الأخرى التي لم نوردها هناك، فيقول المؤرخ الشيعي أحمد بن أبي يعقوب في تاريخه تحت ذكر حوادث سنة 17 من خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه:

"وفي هذه السنة خطب عمر إلى علي بن أبي طالب أم كلثوم بنت علي، وأمها فاطمة بنت رسول الله، فقال علي: إنها صغيرة! فقال: إني لم أرد حيث ذهبت. لكني سمعت رسول الله يقول: كل نسب وسبب ينقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي وصهري، فأردت أن يكون لي سبب وصهر برسول الله، فتزوجها وأمهرها عشرة آلاف دينار" [تاريخ اليعقوبي ج2 ص149، 150].

وأيضاً ذكر ذلك الطبري في تاريخه "تاريخ الأمم والملوك" [ج5 ص16 ط مصر القديم] وابن كثير في "البداية والنهاية" [ج7 ص139] وابن الأثير في "الكامل" [ج3 ص29 ط دار الكتاب بيروت] وطبقات ابن سعد [ص340 ط ليدن] وأبو الفداء في تاريخه وغيرهم وهم كثيرون.

وأقر بذلك الزواج أصحاب الصحاح الأربعة الشيعية أبو جعفر محمد بن يعقوب الكليني في كافيه بأن علياً زوج ابنته أم كلثوم من الفاروق رضي الله عنهما.

وروى أيضاً عن سليمان بن خالد أنه قال:

سألت أبا عبد الله عليه السلام - جعفر الصادق - عن امرأة توفي زوجها أين تعتد؟ في بيت زوجها أو حيث شاءت؟ قال: بلى حيث شاءت، ثم قال: إن علياً لمّا مات عمر أتى أم كلثوم فأخذ بيدها فانطلق بها إلى بيته" ["الكافي في الفروع" كتاب الطلاق، باب المتوفى عنها زوجها ج6 ص115، 116، وفي نفس الباب رواية أخرى عن ذلك، وأورد هذه الرواية شيخ الطائفة الطوسي في صحيحه "الاستبصار"، أبواب العدة، باب المتوفى عنها زوجها ج3 ص353، ورواية ثانية عن معاوية بن عمار، وأوردهما في "تهذيب الأحكام" باب في عدة النساء ج8 ص161].

وهنالك رواية أخرى رواه الطوسي عن جعفر - الإمام السادس عندهم - عن أبيه الباقر أنه قال:

ماتت أم كلثوم بنت علي وابنها زيد بن عمر بن الخطاب في ساعة واحدة لا يدرى أيهما هلك قبل، فلم يورث أحدهما من الآخرة وصلي عليهما جميعاً" ["تهذيب الأحكام" كتاب الميراث، باب ميراث الغرقى والمهدوم، ج9 ص262].

وذكر هذا الزواج من محدثي الشيعة وفقهائها السيد مرتضى علم الهدى في كتابه "الشافي" [ص116] وفى كتابه "تنزيه الأنبياء" [ص141 ط إيران]، وابن شهر آشوب [هو رشيد الدين أبو جعفر محمد بن علي بن شهر آشوب السروي المازندراني "فخر الشيعة ومروج الشريعة، يحيي آثار المناقب والفضائل، والبحر المتلاطم الزخار، شيخ مشائخ الإمامية وصاحب كتاب "المناقب" وغيره، وكان إمام عصره، ووحيد دهره.. وهو عند الشيعة كالخطيب البغدادي لأهل السنة، مات سنة 588 بحلب" (الكنى والألقاب ج1 ص321)] في كتابه "مناقب آل أبي طالب" [ج3 ص162 ط بمبئى الهند] والأربلي في "كشف الغمة في معرفة الأئمة" [ص10 ط إيران القديم] وابن أبي الحديد في "شرح نهج البلاغة" [ج3 ص124] ومقدس الأردبيلي في "حديقة الشيعة" [ص277 ط طهران] والقاضي نور الله الشوشتري الذى يسمونه بالشهيد الثالث في كتابه "مجالس المؤمنين" [ص76 ط إيران القديم، أيضاً ص82].

ويقول وهو يذكر المقداد بن الأسود: إن النبي أعطى بنته لعثمان، وإن الولي زوج بنته من عمر" ["مجالس المؤمنين" ص85].

وأيضاً ذكر هذا الزواج في كتابه "مصائب النواصب" [ص170 ط طهران]، وأيضاً السيد نعمت الله الجزائري في كتابه "الأنوار النعمانية" والملا باقر المجلسي في كتابه "بحار الأنوار" [باب أحوال أولاده وأزواجه ص621 ط طهران]، والمؤرخ الشيعي المرزه عباس علي القلي في تاريخه ["تاريخ طراز مذهب مظفري" فارسي، باب حكاية تزويج أم كلثوم من عمر بن الخطاب]، ومحمد جواد الشري في كتابه ["أمير المؤمنين" ص217 تحت عنوان "علي في عهد عمر" ط بيروت]، والعباسي القمي في "منتهى الآمال" [ج1 ص186 فصل6 تحت عنوان "ذكر أولاد أمير المؤمنين" ط إيران القديم] وغيرهم الذين بلغ عددهم حد التواتر، ولا ينكر ذلك إلا مكابر جاهل أو مجادل متنكر.

ولقد استدل بهذا الزواج فقهاء الشيعة على أنه يجوز نكاح الهاشمية من غير الهاشمي، فكتب الحلّي في شرائع الإسلام "ويجوز نكاح الحرة العبد، والعربية العجمي، والهاشمية غير الهاشمي" ["شرائع الإسلام" في الفقه الجعفري للحلي، كتاب النكاح، المتوفى 672].

وكتب تحت هذا شارح الشرائع زين الدين العاملي الملقب بالشهيد الثاني "وزوج النبي ابنته عثمان، وزوج ابنته زينب بأبي العاص بن الربيع، وليسا من بني هاشم، وكذلك زوّج علي ابنته أم كلثوم من عمر، وتزوج عبد الله بن عمرو بن عثمان فاطمة بنت الحسين، وتزوج مصعب بن الزبير أختها سكينة، وكلهم من غير بني هاشم" ["مسالك الأفهام" شرح شرائع الإسلام، باب لواحق العقد ج1].

ونريد أن نختم الكلام في هذا الموضوع برواية ابن أبي الحديد المعتزلي الشيعي.

"إن عمر بن الخطاب وجه إلى ملك الروم بريداً، فاشترت أم كلثوم امرأة عمر طيباً بدنانير، وجعلته في قارورتين وأهدتهما إلى امرأة ملك الروم، فرجع البريد إليها ومعه ملء القارورتين جواهر، فدخل عليها عمر وقد صبت الجواهر في حجرها، فقال: من أين لك هذا؟ فأخبرته فقبض عليه وقال: هذا للمسلمين، قالت: كيف وهو عوض هديتي؟ قال: بيني وبينك، أبوك، فقال علي عليه السلام: لك منه بقيمة دينارك والباقي للمسلمين جملة لأن بريد المسلمين حمله" ["شرح نهج البلاغة" ج4 ص575 ط بيروت 1375ه‍].

ولقد ذكر هذا الزواج علماء الأنساب والراجم أيضاً مثل البلاذري في "أنساب الأشراف" [ج1 ص428 ط مصر]، وابن حزم في "جمهرة أنساب العرب" [ص37، 38 ط مصر]، والبغدادي في كتابه "المحبر" [تحت عنوان أصهار علي ص56 و437 ط دكن]، والدينوري في "المعارف" [تحت عنوان بنات علي ص92 ط مصر وأيضاً ص79، 80 تحت عنوان أولاد عمر بن الخطاب]، وغيرهم.

إكرام الفاروق أهل البيت واحترامه إياهم:

ولم تكن هذه العلاقات من طرف واحد بل كل الأطراف كانوا معتنين بهذه العلاقات فكان الفاروق يجل أهل بيت النبي أكثر مما كان يجل أهل بيته هو، وكان يحترمهم ويقدمهم في الحقوق والعطاء على نفسه وأهل بيته، ولقد ذكر المؤرخون قاطبة أن الفاروق لما عيّن الوظائف المالية والعطاءات من بيت المال قدّم على الجميع بني هاشم لقرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولاحترامه أهل بيته عليه الصلاة والسلام.

فها هو اليعقوبي يذكر ذلك بقوله:

ودون عمر الدواوين، وفرض العطاء سنة 20، وقال: قد كثرت الأموال فأشير عليه أن يجعل ديواناً، فدعا عقيل بن أبي طالب، ومخرمة بن نوفل، و جبير بن مطعم بن نوفل بن عبد مناف [وكلهم أقرباء علي أخوه وأبناء عمه، هكذا كان الفاروق، فالعدل – العدل]، وقال اكتبوا الناس على منازلهم وابدءوا ببني عبد مناف، فكتب أول الناس علي بن أبي طالب في خمسة آلاف، والحسن بن علي في ثلاثة آلاف، والحسين بن علي في ثلاثة آلاف [اللهم إلا أهل السنة، فإنهم ذكروا في كتبهم أن الفاروق "فرض لأبناء البدريين ألفين ألفين إلا حسناً وحسيناً فإنه ألحقهما بفريضة أبيهما لقرابتهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففرضت لكل واحد منهما خمسة آلاف درهم، وفرض للعباس خمسة آلاف درهم لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم " (طبقات ابن سعد ج3 ص213، 214، وكتاب الخراج لأبي يوسف ص43، 44 ط مصر، وفتوح البلدان ص454، 455، وكتاب الأموال لأبي عبيد بن سلام) ولقد روى البلاذري، ويحيى بن آدم، والطرابلسي وغيرهم عن جعفر بن محمد الباقر عن محمد الباقر وعن عبد الله بن الحسن وعن علي بن أبي طالب "إن عمر أقطع علياً ينبع فأضاف إليها غيرها" (فتوح البلدان للبلاذري ص20، وكتاب الخراج ليحيى بن آدم ص78 ط مصر القديم والإسعاف في أحكام الأوقاف للطرابلسي ص8 ط مصر)] ….. ولنفسه أربعة آلاف [ومع هذا لا يتستحي من الله من يقول: إن عمر غصب حقوق أهل البيت، وهذا هو اليعقوبي يلطم على وجوههم لطمات من الحق الذي وفقه الله أن يقره ويعترف به، وعمر يومئذ أمير المؤمنين، وعلي دونه] ….. وكان أول مال أعطاه مالاً قدم به أبو هريرة من البحرين [نعم! أبو هريرة الذي يبغضه القوم أشد البغض، ليس إلا لأنه روى أحاديث سمعها من لسان رسول الله في مناقب أصحابه البررة، وخاصة الصديق والفاروق، نعم! ذلك أبو هريرة الذي جاء بالمال، فأخذ كلهم من مال الله الذي أتى به هو] مبلغه سبعمائة ألف درهم، قال (يعنى الفاروق): اكتبوا الناس على منازلهم، واكتبوا بني عبد مناف، ثم أتبعوهم أبا بكر وقومه، ثم أتبعوهم عمر بن الخطاب وقومه، فلما نظر عمر قال: وددت والله أني هكذا في القرابة برسول الله، ولكن ابدءوا برسول الله ثم الأقرب فالأقرب منه حتى تضعوا عمر بحيث وضعه الله" ["تاريخ اليعقوبي" ج2 ص153 ط بيروت].

وأما ابن أبي الحديد فقال: لا بل ابدأ برسول الله صلى الله عليه وسلم، و بأهله، ثم الأقرب فالأقرب، فبدأ ببني هاشم، ثم ببني عبد المطلب ثم بعبد شمس ونوفل، ثم بسائر بطون قريش، فقسم عمر مروطاً بين نساء المدينة، فبقي منها مرط حسن، فقال بعض من عنده: أعط هذا يا أمير المؤمنين! ابنة رسول الله التي عندك يعنون أم كلثوم بنت علي عليه السلام، فقال: أم سليط أهديه فإنها ممن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت تزفر لنا يوم أحد قرباً" ["نهج البلاغة" لابن أبي الحديد ج3 ص113، 114].

هذا ولقد ثبت أن الفاروق كان يقدر ويكرم أهل البيت، ويكن لهم من الاحترام ما لم يكن للآخرين، وحتى وأهل بيته وخاصته.

وذكر أن ابنة يزدجرد كسرى إيران أكبر ملوك العالم آنذاك لما سبيت مع أسارى إيران أرسلت مع من أرسل إلى أمير المؤمنين وخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر الفاروق الأعظم رضي الله عنه، وتطلع الناس إليها وظنوا أنها تعطي وتنفل إلى ابن أمير المؤمنين والمجاهد الباسل الذي قاتل تحت لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوات عديدة، لأنه هو الذي كان لها كفو، ولكن الفاروق لم يخصها لنفسه ولابنه ولا لأحد من أهل بيته، بل رجح أهل بيت النبوة فأعطاها لحسين بن علي رضي الله عنهما، وهى التي ولدت علي بن الحسين رضي الله عنه الذي بقي وحيداً من أبناء الحسين في كربلاء حياً وأنجب وتسلسل منه نسله" [فليحذر الذين يدعون أنهم من نسل الحسين، ثم يسبون الفاروق، ويعدونه ظالماً حق آل محمد، وغاصباً لخلافتهم، لولاه لما كان لهم وجود، وإن كان غاصباً فكيف رضي الحسين بأخذ الجارية منه التي سبيت في معركة من معاركه التي أقيمت تحت لوائه وحسب توجيهاته؟ فليتدبر، وهل من مفكر؟].

ولقد ذكر ذلك نسابة شيعي مشهور ابن عنبة "إن اسمها شهربانو قيل: نهبت في فسخ المدائن فنفلها عمر بن الخطاب من الحسين عليه السلام" ["عمدة الطالب في أنساب أبي طالب" الفصل الثاني تحت عنوان عقب الحسين ص192].

كما ذكر ذلك محدث الشيعة المعروف في صحيحه الكافي في الأصول، عن محمد الباقر أنه قال:

لما قدمت بنت يزدجرد على عمر أشرف لها عذارى المدينة، وأشرق المسجد بضوئها لما دخلته، فلما نظر إليها عمر غطت وجهها وقالت: أف بيروج باداهرمز، فقال عمر: أتشتمنى هذه وهمّ بها، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: ليس ذلك لك، خيرها رجلاً من المسلمين وأحسبها بفيئه، فخيرها فجاءت حتى وضعت يدها على رأس الحسين عليه السلام، فقال لها أمير المؤمنين: ما اسمك؟ فقالت: جهان شاه، فقال لها أمير المؤمنين: بل شهربانويه، ثم قال للحسين: يا أبا عبد الله! لتلدن لك منها خير أهل الأرض، فولدت على بن الحسين عليه السلام، وكان يقال لعلي بن الحسين عليه السلام: ابن الخيرتين، فخيرة الله من العرب هاشم ومن العجم فارس. وروي أن أبا الأسود الدائلي قال فيه:

وإن غلاماً بين كسرى وهاشم

لأكرم من نيطت عليه التمائم" ["الأصول من الكافي" ج1 ص467، ناسخ التواريخ ج10 ص3، 4].

وقبل ذلك ساعد أباه علياً في زواجه من فاطمة رضي الله عنهما كما مر سابقاً.

وإن الفاروق كان يبدأ الخمس والفيء بأهل بيت النبوة كما كان الرسول عليه السلام يعمل به، وبعده أبو بكر، ولقد ذكرنا هذا سابقاً عند ذكر الصديق وفدك "وكان أبو بكر يأخذ غلتها ويدفع إليهم منها ما يكفيهم، ويقسم الباقي، وكان عمر كذلك، وكان عثمان كذلك، ثم كان عليّ (على شاكلتهم وطريقتهم) كذلك" ["شرح نهج البلاغة" لابن ميثم ج5 ص107، أيضاً "الدرة النجفية" ص332، وابن أبي الحديد أيضاً].

ومن إكرامه وتقديره لأهل البيت ما ذكره ابن أبي الحديد عن يحيى بن سعيد أنه قال: أمر عمر الحسين بن علي عل أن يأتيه في بعض الحاجة فلقي الحسين عليه السلام عبد الله بن عمر فسأله من أين جاء؟ قال: استأذنت على أبي فلم يأذن لي فرجع الحسين ولقيه عمر من الغد، فقال: ما منعك أن تأتيني؟ قال: قد أتيتك، ولكن أخبرني ابنك عبد الله أنه لم يؤذن له عليك فرجعت، فقال عمر: وأنت عندي مثله؟ وهل أنبت الشعر على الرأس غيركم" ["شرح نهج البلاغة" لابن أبي الحديد ج3 ص110].

هذا وكان يقول في عامة بني هاشم ما رواه علي بن الحسن عن أبيه حسين بن علي أنه قال: قال عمر بن الخطاب: عيادة بني هاشم سنة، وزيارتهم نافلة" ["الآمالي" للطوسي ج2 ص345 ط نجف].

ونقل الطوسي هذا والصدوق أيضاً أن عمر لم يكن يستمع إلى أحد بطعن في علي بن أبي طالب ولم يكن يتحمله، ومرة "وقع رجل في علىّ عليه السلام  بمحضر من عمر، فقال: تعرف صاحب هذا القبر؟ ….. لا تذكر علياً إلا بخير، فإنك إن آذيته آذيت هذا في قبره" ["الآمالي" للطوسي ج2 ص46، أيضاً "الآمالي" للصدوق ص324، ومثله ورد في مناقب لابن شهر آشوب ج2 ص154 ط الهند].

حب آل البيت ومبايعتهم إياه:

وكان أهل بيت النبوة يتبادلون معه هذا الحب والتقدير والاحترام، ولم يستمعوا ولم يصغوا إلى من يتكلم فيه، أو يطعنه بطعنة، أو يعرّضه بتعريض، بل تبرؤا ممن فعل به هذا، وأنكروا عليه كما سيأتي مفصلاً إن شاء الله تعالى.

وأكثر من ذلك كافئوه على احترامه لهم وتقديره بهم حتى أعطوه ثمرة من ثمار النبوة، وزوّجها منه، وأطاعوه، وأخلصوا له الوفاء والطاعة، وناصحوه، وشاوروه بأحسن ما رأوه، واستوزرهم وتوزروه، وأنابهم فقبلوا نيابته، وجاهدوا تحت رايته، ولم يتأخروا في تقديم النصيحة له وما يطلب منهم وفق الكتاب والسنة، وبذلوا له كل غال وثمين .

فها هو علي بن أبي طالب يقر بذلك في رسالته التي أرسلها إلى أصحابه بمصر بعد مقتل محمد بن أبي بكر عامله على مصر، فيقول بعد ذكر الأحداث التي وقعت عقب وفاة الرسول العظيم صلوات الله وسلامه عليه:

"فتولى أبو بكر تلك الأمور …… فلما احتضر بعث إلى عمر، فولاّه فسمعنا وأطعنا وناصحنا [وهذا رغم أنف كل من يأبى وينكر، ورغم أنف المتستر بنقاب س-خ، والملتجئ إلى الكذب، القائل في كتابه رداً علينا – وفي رده يثبت ما قلناه ويقر ما أثبتناه – وهو يظن بأنه يكذبنا ويكذب الحقائق الدامغة التي لا مفر عنها، فيقول بعد ما ينقل فضائل أبي بكر وعمر التي أوردناها يقول: لو كنت حاضراً تحت منبر علي حينما بكى، وخطب هذه الخطبة المفصلة في الثناء عليهما لقلت له: ما جرّأنا على مخالفتهما وانتقاصهما إلا أنت يا علي! لامتناعك أنت وأهل بيت رسول الله والخلّص من أصحاب رسول الله عن البيعة لهما مما اضطررتم عمر أن يحمل الحطب، ويأتي لدارك يريد حرقها بمن فيها. وفيها ابنة رسول الله ويقال له: إن فيها ابنة رسول الله. ويقول: وإن .. حتى أخرجاك قهراً. ولم تبايع أنت إلا بعد ستة أشهر وبعد موت زوجتك غاضبة عليهما على فعلتهما معك ومعها، حتى أوصتك أن تدفنها ليلاً – وقد فعلت – احتجاجاً على فعلهما معكما؟.

فإذا كنت تعلم – يا علي – أن هذه منزلتهما عند رسول الله فلماذا فعلت – أنت وأصحابك وزوجك – هذا الفعل وجرأتمونا على نقدهما على ارتكابهما ذلك الفعل؟.

ثم ولم تكتف – يا علي – حتى تدعي في خطابك مع معاوية بن أبي سفيان الذي عيرك هذه الحادثة وذكر أنهم أخرجاك كالجمل المخشوش، فقلت له مفتخراً:

وأوجب لي رسول الله فيكم

ولايته غداة غدير خم:

ثم وكيف تدعي يا علي (أن رسول الله لا يرى كرأيهما رأياً، ولا يحب كحبهما حباً) وإنا نقرأ في التاريخ عدة قضايا رغب فيها عمر وخالفه رسول الله. فقد رأى عمر بعد وقعة بدر، أن يقدم رسول الله عمه العباس ويضرب عنقه، وتقدم أنت أخاك عقيلاً وتضرب عنقه، وخالفه رسول الله لأنه أخذ الدية وأطلقهما. وهكذا رأى عمر يوم فتح مكة أن يأمره رسول الله بضرب عنق أبي سفيان فامتنع رسول الله وأطلق سراحه وجعل بيته مأمناً للخائفين.

وأخيراً وليس آخراً. قول رسول الله عند موته: آتوني بكتف وقرطاس لأكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده. فخالف عمر في ذلك وقال: عندنا كتاب الله ما فرط فيه من شيء مما أوجد رسول الله وأغضبه فطرده. وقال: قوموا فقاموا.

إلى كثير من أمثال هذه المخالفات فلماذا لا تقول الصحيح يا علي؟

ثم هبك – يا علي – علمت أنه في حياته لم يتجاوزوا أمره ورأيه، ولكن كيف علمت ذلك بعد وفاة رسول الله. وهل أعلمك رسول الله بذلك. وحينما وقعت بينهما – بين أبو بكر وعمر – مشادة في قضية خالد بن الوليد، كان رأي رسول الله مع من منهما.

ولا شك أن علياً سيقول: لعن الله الكاذب المفتري" (كتاب الشيعة والسنة في الميزان لصاحب قناع س – خ ص88، 89، 90 ط بيروت).

ولقد كذّبه علي بن أبي طالب حيث يقول: أيها السائل الكاذب المفتري الجريء على الجلوس تحت منبر لا أراك إلا من سلالة ابن ملجم حيث تسب وتشتم صهري زوج بنتي من فاطمة الزهراء بنت الرسول صلوات الله وسلامه عليه، وتنسب إليّ ما لم أقله وما لم أفعله، وتكذب الفاروق وتكذبني، ثم تدعي حبي وولائي، وتقول بأنني أنا جرأتك عليهما، لست إلا من سلالة ابن سبأ الذي تنكر وجوده خوفاً ووجلاً من أفعاله وأعماله وأقواله التي تطابق أقوالك وآرائك حتى لا تفضح، ولا يطلع الناس على سريرتك وفضائحك. وأنت تعلم أنني أنا الذي قتلته وحرقته لما أراد فتنة في الدين. وفساداً في الشريعة واضطراباً ف المسلمين، وقد ذكره أسلافك وقومك، فتأتي أنت في القرن الرابع عشر وتنكر وتتنكر، وقبلك كلهم اعترفوا بوجوده وأعماله القبيحة الشنيعة فلعنة الله على الكاذب والمنكر والمفتري.

{لَّا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ ۚ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا}

فمن الكاذب والمفتري، أنت أو صاحبك؟

وأما سيد أهل البيت فمعاذ الله أن يناله سوء سريرتك وسلاطة لسانك، ثم وكم من خطب علي تنكرها؟، وأي عدد من العبارات تنكر عليها، وها قد ذكرنا خطبة علي وتدعي موالاته من كتابك أنت، نعم أنت وقومك، فأنتم جعتموه، وأنتم علقتم عليه وحققتموه، وأنتم طبعتموه أنتم، ثم وأنتم قدمتموه إلى العالم بقولكم: ولأجل ذلك صار كتابه (أي الغارات) هذا، وسائر كتبه مرتعاً للشيعة، ومشرعاً لهم، فقلما تجد كتاباً معروفاً للشيعة يخلو من ذكره وروايته فالأولى أن نشير إلى جماعة ممن يروي عنه أو عن كتبه بلا واسطة أو معها" (مقدمة "الغارات" للثقفي ص ع).

ومعنى هذا أن هذا الكتاب من أهم مراجع الشيعة، ومنها سرقوا كثيراً، فبفضل الله ومنّه فقد أثبتنا مرغمين أنوف المنكرين بأن علياً بايع الصديق والفاروق، وأخلص لهما الوفاء، ويقر بذلك نفسه وهذا بعد وفاتهما، فماذا يقول المنصفون؟