ورد في الصحيحين حديث الأبرص والأقرع والأعمى من بني إسرائيل، وفي بعض ألفاظه: «بدا لله أن يبتليهم»، وهو لفظ قد يثير الإشكال عند من لا يعرف لغة العرب أو مصطلحاتها في الحديث النبوي. فقد يتوهم البعض أن كلمة "بدا" تعني ظهور أمر بعد خفاء، وهو معنى يستحيل في حق الله تعالى، لأن علمه أزلي لا يطرأ عليه تغيير. وقد بيّن أئمة الحديث واللغة كابن حجر العسقلاني، وابن الأثير، والخطابي، المعنى الصحيح لهذا اللفظ، وفسروه بما يليق بجلال الله، كالقضاء السابق أو إرادة الإظهار، مما يرفع أي شبهة عن النص.
من مقالات السقيفة:
نقد التشيع في "كشف أسرار ألف عام" لعلي أكبر حكمي زاده
قال الامام البخاري:
" 3464 - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، حَدَّثَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ح وحَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، أَخْبَرَنَا هَمَّامٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، حَدَّثَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " إِنَّ ثَلاَثَةً فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ: أَبْرَصَ وَأَقْرَعَ وَأَعْمَى، بَدَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مَلَكًا، فَأَتَى الأَبْرَصَ، فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: لَوْنٌ حَسَنٌ، وَجِلْدٌ حَسَنٌ، قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ، قَالَ: فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ عَنْهُ، فَأُعْطِيَ لَوْنًا حَسَنًا، وَجِلْدًا حَسَنًا، فَقَالَ: أَيُّ المَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: الإِبِلُ، - أَوْ قَالَ: البَقَرُ.............. " اهـ
صحيح البخاري - حَدِيثُ أَبْرَصَ، وَأَعْمَى، وَأَقْرَعَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ – ج 4 ص 171
وفي لفظ الامام مسلم:
" 10 - (2964) حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " إِنَّ ثَلَاثَةً فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ: أَبْرَصَ، وَأَقْرَعَ، وَأَعْمَى، فَأَرَادَ اللهُ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مَلَكًا، فَأَتَى....................... " اهـ
صحيح مسلم - كِتَابُ الزُّهْدِ وَالرَّقَائِقِ – ج 4 ص 2275
قال الحافظ ابن حجر:
" قَوْلُهُ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ بن أَبِي طَلْحَةَ صَرَّحَ بِهِ شَيْبَانُ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ هَمَّامٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَالْإِسْمَاعِيلِيِّ قَوْلُهُ بَدَا لِلَّهِ بِتَخْفِيفِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ بِغَيْرِ هَمْزٍ أَيْ سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ فَأَرَادَ إِظْهَارَهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ ظَهَرَ لَهُ بَعْدَ أَنْ كَانَ خَافِيًا لِأَنَّ ذَلِكَ مُحَالٌ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخٍ عَنْ هَمَّامٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ بِلَفْظِ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ فَلَعَلَّ التَّغْيِير فِيهِ مِنَ الرُّوَاةِ مَعَ أَنَّ فِي الرِّوَايَةِ أَيْضًا نَظَرًا لِأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُرِيدًا وَالْمَعْنَى أَظْهَرَ اللَّهُ ذَلِكَ فِيهِمْ وَقِيلَ مَعْنَى أَرَادَ قَضَى وَقَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ ضَبَطْنَاهُ عَلَى مُتْقِنِي شُيُوخِنَا بِالْهَمْزِ أَيِ ابْتَدَأَ اللَّهُ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ قَالَ وَرَوَاهُ كَثِيرٌ مِنَ الشُّيُوخِ بِغَيْرِ هَمْزٍ وَهُوَ خَطَأٌ انْتَهَى وَسَبَقَ إِلَى التَّخْطِئَةِ أَيْضًا الْخَطَّابِيُّ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ لِأَنَّهُ مُوَجَّهٌ كَمَا تَرَى وَأَوْلَى مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُرَادَ قَضَى اللَّهُ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ وَأَمَّا الْبَدْءُ الَّذِي يُرَادُ بِهِ تَغَيُّرُ الْأَمْرِ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ فَلَا " اهـ
فتح الباري – احمد بن علي بن حجر - ج 6 ص 502
وقال الامام ابن الاثير:
" وَفِي حَدِيثِ الْأَقْرَعِ والأبرص والأعمى «بَدَا الله عَزَّ وجَلَّ أَنْ يَبْتَلِيَهم» أَيْ قَضَى بِذَلِكَ، وهو مَعْنى البَداء ها هنا، لِأَنَّ الْقَضَاءَ سَابِقٌ. والبَدَاء اسْتِصْواب شَيْءٍ عُلم بعدَ أَنْ لَمْ يُعْلَم، وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ غَيْرُ جَائِزٍ. وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «السُّلْطَانُ ذُو عُدْوان وذٌو بُدْوَان» أَيْ لَا يَزَالُ يَبْدُو لَهُ رأيٌ جَدِيدٌ " اهـ
النهاية في غريب الحديث – مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري ابن الأثير – ج 1 ص 109