يُعَدّ موضوع رضاع الكبير من أبرز المسائل الفقهية التي أثارت جدلاً بين العلماء قديماً وحديثاً، خاصة من جهة طريقة حصول الرضاع: هل هو بالسقي من اللبن المحلوب، أم بالتقام الثدي كما يفعل الصغير؟ وقد وردت في هذا الباب آثار عن الصحابة والتابعين كعلي بن أبي طالب، وعطاء بن أبي رباح، وغيرهم، تدل على أن الرضاع كان بالسقي لا بالمص المباشر. كما نقلت كتب الحديث والفقه آثارًا صريحة في هذا الباب، وأكد جمهور العلماء على حرمة مباشرة الكبير لثدي المرأة، وعدّوه مخالفًا للحياء وموجبًا للفتنة.
مقالات السقيفة ذات صلة:
الإلحاد في أسماء الله تعالى هو الميل بها عما يجب فيها
أصول أهل السنة والجماعة في الصفات
رواية الشاب الأمرد في كتب الشيعة
في مصنف الامام عبد الرزاق الصنعاني:
" 13888 - عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ، أَنَّ سَالِمَ بْنَ أَبِي الْجَعْدِ، مَوْلَى الْأَشْجَعِيِّ أَخْبَرَهُ، وَمُجَاهِدٌ، أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ سَأَلَ عَلِيَّا، فَقَالَ: إِنِّي أَرَدْتُ أَنْ أَتَزَوَّجَ امْرَأَةً قَدْ سَقَتْنِي مِنْ لَبَنِهَا، وَأَنَا كَبِيرٌ تَدَاوَيْتُ، قَالَ عَلِيٌّ: «لَا تَنْكِحْهَا» وَنَهَاهُ عَنْهَا "
المصنف – عبد الرزاق بن همام الصنعاني - ج 7 ص 461
وفيه ايضا: " 13883 - عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَطَاءً يَسْأَلُ، قَالَ لَهُ رَجُلٌ: سَقَتْنِي امْرَأَةٌ مِنْ لَبَنِهَا بَعْدَ مَا كُنْتُ رَجُلًا كَبِيرًا أَأَنْكِحُهَا؟ قَالَ: «لَا». قُلْتُ: وَذَلِكَ رَأْيُكَ؟ قَالَ: «نَعَمْ» قَالَ عَطَاءٌ: كَانَتْ عَائِشَةُ: «تَأْمُرُ بِذَلِكَ بَنَاتِ أَخِيهَا» "
المصنف – عبد الرزاق بن همام الصنعاني - ج 7 ص 458
مقالات السقيفة ذات صلة:
أن الله كتب التوراة لموسى بيده
الأصل حمل الصفات على الحقيقة (3)
فهذان الاثران يدلان على ان الرضاع قد تم عن طريق السقي، ولهذا ورد اثر عند الامام ابن سعد بسند ضعيف، وقد ذكرته من باب تقوية ما قال به علي وعطاء رضي الله عنهما عن طريقة الرضاع، قال الامام ابن سعد: " خْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ يَحْلُبُ فِي مِسْعَطٍ أَوْ إِنَاءٍ قَدْرَ رَضْعَةٍ فَيَشْرَبُهُ سَالِمٌ كُلَّ يَوْمٍ. خَمْسَةَ أَيَّامٍ. وَكَانَ بَعْدُ يَدْخُلُ عَلَيْهَا وَهِيَ حَاسِرٌ. رُخْصَةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ لِسَهْلَةَ بنت سهيل "
الطبقات الكبرى – محمد بن سعد بن منيع – ج 8 ص 212
ولقد نص العلماء على حرمة رضاع الكبير مباشرة من ثدي المرأة، قال الامام ابن عبد البر:
" هَكَذَا إِرْضَاعُ الْكَبِيرِ كَمَا ذَكَرَ يُحْلَبُ لَهُ اللَّبَنُ وَيُسْقَاهُ وَأَمَّا أَنْ تُلْقِمَهُ الْمَرْأَةُ ثَدْيَهَا كَمَا تَصْنَعُ بِالطِّفْلِ فَلَا لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ عِنْدَ جَمَاعَةِ الْعُلَمَاءِ وَقَدْ أَجْمَعَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ عَلَى التَّحْرِيمِ بِمَا يَشْرَبُهُ الْغُلَامُ الرَّضِيعُ مِنْ (لَبَنِ) الْمَرْأَةِ وَإِنْ لَمْ يَمُصَّهُ مِنْ ثَدْيِهَا "
التمهيد - يوسف بن عبد الله بن عبد البر - ج 8 ص 257
وقال الامام ابن قتيبة:
" فَقَالَ لَهَا: "أَرْضِعِيهِ"، وَلَمْ يُرِدْ: ضَعِي ثَدْيَكِ فِي فِيهِ، كَمَا يُفْعَلُ بِالْأَطْفَالِ، وَلَكِنْ أَرَادَ: احْلِبِي لَهُ مِنْ لَبَنِكِ شَيْئًا، ثُمَّ ادْفَعِيهِ إِلَيْهِ لِيَشْرَبَهُ.
لَيْسَ يَجُوزُ غَيْرُ هَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِسَالِمٍ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى ثَدْيَيْهَا، إِلَى أَنْ يَقَعَ الرَّضَاعُ، فَكَيْفَ يُبِيحُ لَهُ، مَا لَا يَحِلُّ لَهُ، وَمَا لَا يُؤْمَنُ مَعَهُ مِنَ الشَّهْوَةِ؟ "
تأويل مختلف الحديث - أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري – ص 437
وورد في كتب الرافضة ان وجور الصبي بمنزلة الرضاع.
قال الصدوق:
" 4683 وقال أبو عبد الله عليه السلام: " وجور الصبي اللبن بمنزلة الرضاع " [1]
وقال الحافظ ابن حجر بوقوع الحرمة بشرب لبن المرأة بعدة طرق.
حيث قال في الفتح:
" فَأَوْلَى مَا يُؤْخَذُ بِهِ مَا قَدَّرَتْهُ الشَّرِيعَةُ وَهُوَ خَمْسُ رَضَعَاتٍ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ التَّغْذِيَةَ بِلَبَنِ الْمُرْضِعَةِ يُحَرِّمُ سَوَاءٌ كَانَ بِشُرْبٍ أَمْ أَكْلٍ بِأَيِّ صِفَةٍ كَانَ حَتَّى الْوَجُورُ وَالسَّعُوطُ وَالثَّرْدُ وَالطَّبْخُ وَغَيْرُ ذَلِكَ إِذَا وَقَعَ ذَلِكَ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ مِنَ الْعَدَدِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَطْرُدُ الْجُوعِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ فَيُوَافِقُ الْخَبَرَ "
فتح الباري – احمد بن علي بن حجر – ج 9 ص 148
أما اشكال البعض حول التقام الثدي وانه محل للشهوة فهذا غير صحيح ويعرف المتزوجين ان وقت الرضاع تكون الحلمة سوداء دامسه لا تحرك الشهوة.
[1]الوجور: الصب في الحلق بأن لا يمص الثدي. والخبر محمول على التقية لموافقته الحنفي والشافي ويعارض الاخبار الاخر " من لا يحضره الفقيه - الصدوق - تحقيق علي اكبر غفاري - ج 3 ص 479 فالوجور هو الصب في الحلق، ولكن الرافضي علي اكبر غفاري حمل الرواية على التقية!!!.