تُعدّ حادثة رزية الخميس من أكثر القضايا إثارة للجدل في التاريخ الإسلامي، حيث استغلها الشيعة للطعن في الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه واتهامه بأنه منع النبي ﷺ من كتابة وصية في مرض موته. غير أن التمعّن في رواياتهم المعتمدة، وما نقله كبار علمائهم كالصدوق والمجلسي والنيشابوري، يفضي إلى نتائج خطيرة تهدم أساس مذهبهم من الداخل. فهذه الروايات تقتضي نسبة الخرف والضعف إلى النبي ﷺ في أواخر حياته، وهو ما يناقض عصمته ويضرب أصل اعتقادهم بالإمامة. في هذا المقال، نسلّط الضوء على حقيقة هذه الروايات، ونكشف إلزاماتها المنطقية والعقدية على الفكر الشيعي.

الشيعة الذين لطالما اتهموا عمر رضي الله عنه أنه وصف النبي بالخرف. يروون في أهم كتبهم أن النبي كان في مرض موته لا يفرق بين أقرب المقربين له. فيقف الحسن والحسين أمامه ويمسكا بيده فلا يعرفهما من شدة المرض. حتى اضطر أن يسأل عليا رضي الله عنه يا علي من هما هذان؟

أليس هذا إثباتا للخرف وغلبة الوجع أيها الروافض؟

إليكم الرواية:

محمد بن إبراهيم بن إسحاق قال: حدثنا محمد ابن حمدان الصيدلاني قال: حدثنا محمد بن مسلمة الواسطي قال: حدثنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا خالد الحذاء عن أبي قلابة عبد الله بن زيد الجرمي عن ابن عباس:

«ثم أغمي على رسول الله صلى الله عليه وآله فدخل بلال وهو يقول: الصلاة رحمك الله، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وصلى بالناس، وخفف الصلاة. ثم قال: ادعوا لي علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد، فجاءا فوضع صلى الله عليه وآله يده على عاتق علي عليه السلام، والاخرى على أسامة ثم قال: إنطلقا بي إلى فاطمة. فجاءا به حتى وضع رأسه في حجرها، فإذا الحسن والحسين عليهما السلام يبكيان ويصطرخان وهما يقولان: أنفسنا لنفسك الفداء، ووجوهنا لوجهك الوقاء. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله من هذان يا علي؟ قال: هذان ابناك الحسن والحسين. فعانقهما وقبلهما» 

(الأمالي للصدوق 732-735 بحار الأنوار للمجلسي22/510 والفتال النيسابوري في روضة الواعظين ص74 واختارت لجنة حديثية علمية متخصصة في معهد باقر العلوم انتخاب هذه الرواية من ضمن كلمات الحسين وضمن كتاب أسموه: كلمات الإمام الحسين ص98 دار المعروف بطهران).

التعليق:

سكت الخوئي عن الحكم على هذه الرواية واكتفى بأن شهر آشوب رواها مرسلة. ولم يبين ما هو وجه الإرسال فيها. ولم يطعن في خالد الحذاء التابعي الذي هو من رواة الكليني في كتاب الكافي الذي حكم عبد الحسين الموسوي بأن كل مضامينه متواترة.

فماذا يقول الشيعة في هذه الرواية؟ وما حكم من يرويها؟

على مذهبكم يجب تكفير الصدوق والمجلسي والنيسابوري ولجنة التحقيق الرافضية الايرانية. لأنهم قد رووا عن النبي أنه صار خرفانا في آخر عمره.

وفي رواية رزية الخميس إشكالات عديدة على الرافضة:

لماذا يأتون بالرواية معتقدين أن عمر قال ذلك مع أن البخاري ومسلم ليسا من مصادر تلقي العقيدة عند الروافض؟

فيلزمهم أن النبي عصى ربه الذي أمره بالتبليغ ووعده بالعصمة ممن يمنعه التبليغ.

ولأن النبي غضب من كلام عمر فسكت عن التبليغ. فاستحق العقوبة كما استحقها نبي الله يونس حين غضب من قومه فأعرض عن دعوتهم كما قال تعالى ﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنبياء: 87].

فلو كان ما يكتبه في الكتاب مما يجب بيانه وكتابته لكان أمر بكتابته من غير التفات منه إلى أحد: لا عمر ولا غيره. ولا يمكن أن يقرر النبي ترك التبليغ لغضب اعتراه.

بل يلزمهم أن الله أخلف وعده بهذه العصمة وأعجزه عمر عن تحقيق وعده.

  لماذا لم يعترض علي رضي الله عنه على قول عمر للنبي e وقد كان مع النبي. بل وجدنا مكافأته له على ذلك بتزويجه ابنته وتسمية ابنه باسمه ومبايعته!!!

  لماذا لم يقدم علي بن أبي طالب كتابا للنبي بما أن الصحابة لم يقدموا له كتابا؟

يلزمهم إذن:

 أن عليا أخفى تفاصيل الوصية فلا كتبها الصحابة ولا كتبها علي. وهذا يضرب عقيدتكم بأن عليا معصوم ولا ينفعكم أن تقولوا إن عليا لم يكن موجودا آنذاك. فإن الإمام عندكم لا يخفى عليه الشيء.

وقد بلغ من حماس الرافضة ضد عمر أنهم ألزموه بمخالفة هذه الآية. ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾  [الأحزاب: 36].

لكنهم لم يلزموا فاطمة بهذه الآية حين اعترفوا أنها لم تستسلم لقول رسول الله الذي اتفق على صحته السنة والشيعة من أن «الأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا». لا سيما وأنهم رووا في كتاب الكافي روايات تنص على منع المرأة أن ترث العقار. وأرض فدك من العقار.

فعَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ «أَنَّ الْمَرْأَةَ لا تَرِثُ مِمَّا تَرَكَ زَوْجُهَا مِنَ الْقُرَى والدُّورِ والسِّلاحِ والدَّوَابِّ شَيْئاً وتَرِثُ مِنَ الْمَالِ والْفُرُشِ والثِّيَابِ ومَتَاعِ الْبَيْتِ مِمَّا تَرَكَ ويُقَوَّمُ النِّقْضُ والأَبْوَابُ والْجُذُوعُ والْقَصَبُ فَتُعْطَى حَقَّهَا مِنْهُ»

(الكافي7/127 وصححها المجلسي في مرآة العقول23/188).

  ويلزمهم أن عليا زوج ابنته أم كلثوم لمن لا دين له ولا خلق عندهم. مع أنه قد جاء في الحديث «اذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه».

  أن عليا زوج كافرا بينما امرأة نوح وامرأة لوط خانتا بعد الزواج.

  أن عمر بن الخطاب استطاع أن يمنع الوحي وقدر على ما عجز عنه أبو جهل وأبو لهب.

  أن الله أمر بالتبليغ ووعد بالعصمة وأخلف وعده فمنع عمر الوصية وهي وحي.

  أن النبي غير معصوم. وهذا ضرب لأصل مذهب الشيعة.

  أن النبي لم ينصح أمته بل ترك كتابة الوصية التي هي أمان من الضلال. وقد عهدت الشيعة يقولون من باب الإلزام: لماذا لم يعصمنا الرسول من الضلال بعدم كتابته الوصية: فنقول أنتم لم يثبت عندكم هذا الحديث أصلا حتى تطرحوا مثل هذا التساؤل.

  أن الصحابة وأهل البيت أجمعوا على عدم كتابة الوصية. ولم يكن عند الله من القوة ما يكسر هذا الإجماع فوقع إخلاف الوعد بالعصمة. والعصمة ضمان لتبليغ الوحي. فكان بمقتضى العصمة أن يقيد الله رجلا واحدا على الأقل يكسر هذا الإجماع المزعوم ولو أن يكون رجلا كعلي بن أبي طالب.

  أن النبي ما تكلم بالوصية حين أجمع الصحابة على عدم كتابتها.

  أننا صرنا بذلك محرومين من نعمة الهدى واقعين في الضلالة.

وإلى التفصيل في فقه هذه الرواية من صحيح مسلم. فنقول:

إن هذه الرواية قد أبهمت مضمون وموضوع الوصية.

غير أن حديثا آخر يبين مضمونها وهو ما رواه أحمد في المسند:

حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو معاوية ثنا عبد الرحمن بن أبي بكر القرشي عن بن أبي مليكة عن عائشة قالت لما ثقل رسول الله e قال رسول الله e لعبد الرحمن بن أبي بكر ائتني بكتف أو لوح حتى اكتب لأبي بكر كتابا لا يختلف عليه فلما ذهب عبد الرحمن ليقوم قال أبى الله والمؤمنون ان يختلف عليك يا أبا بكر» (رواه احمد في المسند وصححه الألباني).