تُعَدّ قضية زيارة القبور من المسائل التي كثر فيها الجدل بين الفقهاء والمحدثين، وقد استدل بعضهم بأخبار منسوبة إلى فاطمة بنت رسول الله ﷺ أنها كانت تزور قبر عمها حمزة رضي الله عنه كل جمعة فتصلي وتبكي عنده. غير أن أئمة الحديث ـ كالبيهقي والذهبي والألباني وغيرهم ـ تكلّموا في هذه الرواية سنداً ومتناً، وأثبتوا أنها ضعيفة لا تقوم بها حجة، لوجود رواة متكلم فيهم كسليمان بن داود بن قيس المدني.

يتناول المقال بالدراسة الحديث المنسوب إلى فاطمة الزهراء رضي الله عنها في زيارتها لقبر حمزة سيد الشهداء رضي الله عنه، كما أخرجه الحاكم والبيهقي. ويعرض المقال آراء كبار النقاد مثل البيهقي الذي حكم بانقطاع الإسناد، والذهبي الذي وصفه بالمنكر جداً، والألباني الذي بيّن ضعف سليمان بن داود وعدم ثبوت الخبر أصلاً. كما يوضح المقال الخلاف في صياغة السند بين "جعفر عن أبيه" أو "علي بن الحسين عن أبيه"، مع بيان أن الحديث مرسل لا يثبت، وأنه لا حجة فيه على إقرار النبي ﷺ لابنته بالزيارة 

مقالات السقيفة ذات صلة:

قول علي رضي الله عنه في اهل الجمل وصفين

خلاف علي وأهل الشام وتبرأ علي من قتل عثمان

شبهة أن ابن الزبير يتكلم مئة لغة

قال الامام البيهقي:

" 7208 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو حُمَيْدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَامِدٍ الْعَدْلُ بِالطَّابِرَانِ , ثنا عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا أَبُو مُصْعَبٍ الزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي فُدَيْكٍ، أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ تَزُورُ قَبْرَ عَمِّهَا حَمْزَةَ كُلَّ جُمُعَةٍ فَتُصَلِّي وَتَبْكِي عِنْدَهُ. كَذَا قَالَ وَقَدْ قِيلَ عَنْهُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ دُونَ ذِكْرِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ فِيهِ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ "

السنن ابو بكر احمد بن الحسين البيهقي ج 4 ص 131

قال الامام الالباني:

"وأما استدلال صاحب رسالة (وصية شرعية) على ذلك بقوله (ص 26): (وقد أقر الرسول صلى الله عليه وسلم ابنته فاطمة رضي الله عنها على زيارة قبر عمها حمزة رضي الله عنه).

فهو استدلال باطل، لان الاقرار المذكور لا أصل له في شيء من كتب السنة، وما أظنه إلا وهما من المؤلف، فإن المروي عنها رضي الله عنها إنما هو زيارة فقط ليس في ذكر للإقرار المزعوم أصلا، ومع ذلك فلا يثبت ذلك عنها، فإنه من رواية سليمان بن داود عن جعفر بن محمد عن أبيه على بن الحسين عن أبيه أن فاطمة بنت النبي صلي الله عليه وسلم كانت تزور قبر عمها حمزة كل جمعة فتصلي وتبكي عنده.

هكذا أخرجه الحاكم (1/ 377) ومن طريقه البيهقي (4/ 78)

وقال: (كذا قال، وقد قيل عن سليمان بن داود عن أبيه عن جعفر بن محمد عن أبيه دون ذكر على بن الحسين عن أبيه فيه، فهو منقطع).

وقال الحاكم: (رواته عن آخرهم ثقات)!

ورده الذهبي بقوله: (قلت: هذا منكر جدا، وسليمان ضعيف).

قلت: وأنا أظنه سليمان بن داود بن قيس الفراء المدني، قال أبو حاتم (شيخ لا أفهمه فقط كما ينبغي) وقال الازدي: (تكلم فيه) ولهذا أورده الذهبي في (الضعفاء)، وحكى قول الازدي المذكور، فلا تغتر = بسكوت الحافظ على هذا الاثر في (التلخيص) (ص 167)، وإن تابعه عليه الشوكاني كما هي عادته في (نيل الاوطار) (4/ 95)!! على أنه وقع عند الأول (على بن الحسين عن على)، فجعله من مسند علي رضي الله عنه وإنما هو من رواية ابنه الحسين رضي الله عنهما، كما عند الحاكم، أو من رواية جعفر بن محمد عن أبيه كما في رواية البيهقي المعلقة، فلعل ما في التلخيص) وهو قوله (عن علي) محرف عن (عن أبيه).

وسقط هذا كله عند الصنعاني في (سبل السلام) (2/ 151) فعزاه للحاكم من حديث علي بن الحسين أن فاطمة ... ثم قال: (قلت: وهو حديث مرسل، فإن علي بن الحسين لم يدرك فاطمة بنت محمد)! والحديث إنما هو من حديث علي بن الحسين عن أبيه على ما سبق بيانه"

احكام الجنائز محمد ناصر الدين الالباني ص 183 184

قال الامام الذهبي:

" 2579 - سُلَيْمَان بن دَاوُد بن قيس الْمدنِي مُتَكَلم فِيهِ قَالَه الْأَزْدِيّ "

المغني في الضعفاء محمد بن احمد الذهبي ج 1 ص 279

وقال الامام ابن الجوزي:

" 1519 - سُلَيْمَان بن دَاوُد بن قيس الْمدنِي قَالَ الْأَزْدِيّ يَتَكَلَّمُونَ فِيهِ "

الضعفاء والمتروكون عبد الرحمن بن علي بن الجوزي ج 2 ص 19