تُعَدّ التقيّة من أبرز الأصول العقدية والفقهية عند الشيعة الإمامية، حتى أصبحت من ضروريّات مذهبهم، كما يصرّح بذلك كبار علمائهم. ولإثبات مشروعيتها لم يقتصروا على الروايات المنقولة عن أئمتهم، بل استدلّوا كذلك بالإجماع المزعوم الذي يزعمون تحقّقه بين فقهائهم على عدم الخلاف في مشروعيتها. وهذا المقال يسلّط الضوء على هذا الاستدلال بالإجماع، ويبيّن كيف جعله علماء الشيعة حجّة لإثبات أصل التقيّة في مذهبهم.

الاستدلال بالإجماع

لا إشكال بحسب ما يذكره فقهاء الشيعة في إمكان تحصيل الإجماع على مشروعية التقيّة؛ إذ لم يُعرَف لهم مخالف في أصلها، بل اعتبروا ذلك من ضروريات المذهب. وقد نقل المازندراني في كتابه مباني الفقه الفعّال في القواعد الفقهية الأساسية (ص 101) قوله:

«لا إشكال في إمكان تحصيل الإجماع على مشروعية التقيّة؛ لعدم مخالف من فقهاء الخاصّة لمشروعيتها، بل أصل مشروعيتها من ضروري المذهب، كما قال في الجواهر: بل أصل التقيّة من ضروريات مذهب الشيعة».

هذا الاستدلال قائم على ركنين:

1-  دعوى الإجماع: حيث يؤكد علماء الشيعة أن فقهاءهم جميعًا متّفقون على مشروعيتها، ولم يُعرَف بينهم مخالف.

 2- اعتبارها من الضروريات: إذ يصرّحون أن التقيّة أصل لا يمكن إنكاره، حتى صار من معالم مذهبهم التي لا خلاف فيها.

لكن هذه الدعوى تثير إشكالات عدّة:

أولها: أن الإجماع المزعوم قائم داخل المذهب نفسه، ولا يعتدّ به خارج دائرته.

ثانيها: أن وصف التقيّة بأنها من "ضروريات المذهب" يعكس مدى تغلغلها في فكرهم العقدي والفقهي، إلى درجة اعتبارها ركناً لا ينفصل عن هوية المذهب.

ثالثها: أن جعل الإجماع دليلاً على المشروعية يتناقض مع أصل التقيّة نفسها، إذ لو كان المذهب قائماً على الكتمان والمداراة، فمن أين يتحقّق الإجماع الظاهر الذي يمكن الاستدلال به؟

الخلاصة:

الاستدلال بالإجماع على مشروعية التقيّة عند الشيعة يُظهر مقدار التمسّك بهذا الأصل في مذهبهم، حتى صار من "ضرورياته". غير أن هذا الاستدلال لا يخلو من ثغرات علمية، إذ لا يتجاوز كونه إجماعًا داخليًا محصورًا في أتباع المذهب، مما يجعله عاجزًا عن الإقناع خارج إطاره الخاص.