من المسائل التي طال حولها النقاش بين الفرق الإسلامية مسألة «قول المؤذن في أذان الفجر: الصلاة خير من النوم». فبينما أجمع أهل السنة على ثبوتها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، حملها بعض فرق الشيعة على التقية، معتبرينها من المحدثات. غير أن التحقيق العلمي والحديثي يثبت بوضوح أن هذه الجملة المشهورة ليست اجتهادًا من أحد الصحابة ولا إضافة بشرية، بل هي تشريع نبوي خالص، علّمه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بنفسه لمؤذنيه، ومنهم بلال بن رباح وأبو محذورة رضي الله عنهما.

في هذا المقال سنعرض الأدلة الصحيحة من كتب الحديث الموثوقة، ونبيّن الروايات المتواترة في هذا الباب، مع مناقشة دعوى أن هذه الزيادة كانت من اجتهاد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لنخلص في النهاية إلى أن عبارة الصلاة خير من النوم سنة نبوية ثابتة لا تقبل التأويل ولا التضعيف.

إن كلمة الصلاة خير من النوم في أذان الفجر ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بنصوص صحيحة لا تقبل التأويل.

فقد روى الإمام أبو داود في سننه

قال الإمام أبو داود:

«حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي سُنَّةَ الْأَذَانِ؟؟ قَالَ: فَمَسَحَ مُقَدَّمَ رَأْسِي، وَقَالَ: " تَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، تَرْفَعُ بِهَا صَوْتَكَ، ثُمَّ تَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، تَخْفِضُ بِهَا صَوْتَكَ، ثُمَّ تَرْفَعُ صَوْتَكَ بِالشَّهَادَةِ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ فَإِنْ كَانَ صَلَاةُ الصُّبْحِ قُلْتَ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ، الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ».

تحقيق الألباني: صحيح (صحيح وضعيف سنن أبي داود – ج1 ص500).

وهذا الحديث صريح في أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي علّم أبا محذورة قول هذه الجملة في أذان الفجر، مما يدل على أنها سنة ثابتة.

كما روى الإمام ابن ماجه عن بلال رضي الله عنه قال:

«حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ رَافِعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ بِلَالٍ «أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم يؤذنه بصلاة الفجر، فقيل له: هو نائم، فقال: الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم، فأقرت في تأذين الفجر فثبت الأمر على ذلك».

تحقيق الألباني: صحيح (صحيح وضعيف سنن ابن ماجه – ج2 ص288).

وفي سنن النسائي جاء:

أَخْبَرَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي سَلْمَانَ، عن أبي محذورة قال: «كنت أؤذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنت أقول في أذان الفجر الأول: حي على الفلاح، الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله».

تحقيق الألباني: صحيح (صحيح وضعيف سنن النسائي – ج2 ص291).

فهذه الروايات الصحيحة المتنوعة تدل دلالة قاطعة على ثبوت سنة قول "الصلاة خير من النوم" عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأنها ليست بدعة ولا اجتهادًا بشريًا.

الرد على من نسبها إلى عمر رضي الله عنه:

ورد في بعض الروايات أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو أول من أضاف هذه الجملة، ولكن التحقيق الحديثي يثبت أن هذا الأثر ضعيف لا يصح عنه.

 

وأما ما ورد في إضافة الصلاة خير من النوم من عمر رضي الله عنه، فإنه لا يصح.

 قال الإمام السيوطي:

" [154] مَالك أَنه بلغه أَن الْمُؤَذّن جَاءَ عمر بن الْخطاب يُؤذنهُ لصَلَاة الصُّبْح فَوَجَدَهُ نَائِما فَقَالَ الصَّلَاة خير من النّوم فَأمره عمر فَجَعلهَا فِي نِدَاء الصُّبْح قَالَ بن عبد الْبر لَا أعلم أحدا روى هَذَا عَن عمر من وَجه يحْتَج بِهِ وَتعلم صِحَّته وَإِنَّمَا جَاءَ من حَدِيث هِشَام بن عُرْوَة عَن رجل يُقَال لَهُ إِسْمَاعِيل لَا أعرفهُ قَالَ والتثويب مَحْفُوظ مَعْرُوف فِي أَذَان بِلَال وَأبي مَحْذُورَة فِي صَلَاة الصُّبْح للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قلت روى بن ماجة من حَدِيث بن الْمسيب عَن بِلَال أَنه أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُؤذنهُ لصَلَاة الْفجْر فَقيل هُوَ نَائِم فَقَالَ الصَّلَاة خير من النّوم مرَّتَيْنِ فأقرت فِي تأذين الْفجْر فَثَبت الْأَمر على ذَلِك وروى بَقِي بن مخلد عَن أبي مَحْذُورَة قَالَ كنت غُلَاما صَبيا فَأَذنت بَين يَدي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْفجْر يَوْم حنين فَلَمَّا انْتَهَيْت إِلَى حَيّ على الْفَلاح قَالَ ألحق فِيهَا الصَّلَاة خير من النّوم والأثر الَّذِي ذكره مَالك عَن عمر أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه من طَرِيق وَكِيع فِي مُصَنفه عَن الْعمريّ عَن نَافِع عَن بن عمر عَن عمر وَعَن سُفْيَان عَن مُحَمَّد بن عجلَان عَن نَافِع عَن بن عمر عَن عمر أَنه قَالَ لمؤذنه إِذا بلغت حَيّ على الْفَلاح فِي الْفجْر

قال الإمام السيوطي في كتابه تنوير الحوالك شرح موطأ مالك (ج1 ص71):

«لا أعلم أحدًا روى هذا عن عمر من وجه يُحتج به وتُعلم صحته... وإنما جاء من حديث هشام بن عروة عن رجل يُقال له إسماعيل لا أعرفه... والتثويب محفوظ معروف في أذان بلال وأبي محذورة في صلاة الصبح للنبي صلى الله عليه وسلم».

فبيّن السيوطي أن الرواية المنسوبة لعمر رضي الله عنه لا تقوم بها حجة، وأن الصحيح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي أمر بها.

روايات الشيعة وموقفهم منها:

المثير للانتباه أن كتب الشيعة أنفسهم ذكرت هذه الجملة في أذان الفجر، إلا أنهم حملوها على التقية.

قال الشيخ الطوسي في الاستبصار (ج1 ص308):

ولقد ورد في كتب الرافضة قول (الصلاة خير من النوم) ولكن حملها الطوسي على التقية.

قال الطوسي: " 1145 – 14 - فأما ما رواه محمد بن علي بن محبوب عن أحمد بن الحسن عن الحسين عن حماد ابن عيسى عن شعيب بن يعقوب عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال النداء والتثويب في الاذان من السنة.

 1146 - 15 الحسين بن سعيد عن فضالة عن العلا عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان أبي ينادي في بيته بالصلاة خير من النوم ولو رددت ذلك لم يكن به بأس. وما أشبه هذين الخبرين مما يتضمن ذكر هذه الألفاظ فإنها محمولة على التقية لإجماع الطائفة على ترك العمل بها "

الاستبصار - الطوسي - ج 1 ص 308

وقال الصدوق:

" 897 - وروى أبو بكر الحضرمي، وكليب الأسدي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه " حكى لهما الاذان فقال: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، حي على خير العمل، حي على خير العمل، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، والإقامة كذلك ". ولا بأس أن يقال في صلاة الغداة على أثر حي على خير العمل " الصلاة خير من النوم " مرتين للتقية "

من لا يحضره الفقيه - الصدوق - ج 1 ص 289 – 290.

نقول للرافضة لو أبقيتم الأمر على المشروعية من رسول الله صلى الله عليه واله وسلم خير لكم من حمله على التقية إذ أن فيها اتهام المعصوم بمخالفة الشريعة، فإذا كان المعصوم يقول بالتقية فمن أين يأخذ الناس دينهم؟!!!، وكيف يحملها على التقية وفيها ( حي على خير العمل ) التي ينفرد بها الشيعة؟!!!.

النتيجة:

إن المتأمل في روايات الفريقين يدرك بوضوح أن قول المؤذن في أذان الفجر: الصلاة خير من النوم تشريع نبوي خالص، علّمه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بنفسه لمؤذنيه، وأقره على الدوام.
أما نسبته إلى اجتهاد عمر رضي الله عنه، أو القول بأنه من التقية كما في كتب الشيعة، فهما قولان مردودان بالأدلة النقلية الصحيحة.

فلتكن هذه الجملة العظيمة شعارًا للموحدين، وتذكيرًا يوميًّا لكل مسلم أن العبادة خير من الغفلة، والطاعة خير من الكسل، والصلاة خير من النوم.